السينما المصرية واحدة من أقدم سينمات العالم على رغم قلة إمكاناتها وإنعدام حريتها، ومع ذلك يؤكد الباحثون أن مئات الأفلام المصرية مقتبسة عن أخرى أجنبية. والغريب أن ظاهرة الاقتباس انتشرت في الآونة الأخيرة بصورة لم يسبق لها مثيل. ما دفعنا إلى التساؤل هل حدث ذلك نظراً الى اعتماد السينمائيين على كون الجمهور لا يعرف أكثر من نصف الأفلام الأجنبية، أم لأنهم يبحثون عن السهل وما يحقق نجاحاً أكيداً؟ أم ان الإفلاس في السيناريو وعدم المعاناة من أجل الخلق الفني؟. وللوصول الى الأسباب الحقيقية كان لاپبد من معرفة وجهة نظر السينمائيين والنقاد. ونبدأ بالطرف الأول في هذه القضية: لنرى المخرج والمنتج شريف شعبان على النقيض تماماً من الراحل هنري بركات الذي كان يرفض فكرة الاقتباس عن أفلام أجنبية، على رغم أنه قدم حوالى 25 فيلماً مقتبسة من الأدب العالمي، كان أبرزها "أمير الانتقام" عن الكونت دي مونت كريستو لالكسندر دوماس، و"نوارة والوحش" عن أحدب نوتردام لفيكتور هوغو، و"المتهمة" عن رواية "مدام إكس". ونجد شعبان وهو يدخل مجال الإخراج يصر على تقديم أفلام مقتبسة عن أفلام اميركية، بدءاً بفيلمه الأول "الجينز" ومروراً بپ"سمكة وأربعة قروش" و"طأطأ وريكا وكاظم بيه"، وانتهاء بفيلمه الذي لم يعرض بعد "خاص جداً" عن فيلم "امرأة وحيدة بيضاء"، ويبرر ذلك بأنه لم يحصل على موضوع مصري خالص ما دعاه إلى إخراج فيلمه المقتبس الأول "الجينز"، وبعدما حقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً انتج أفلامه التالية لأنه منتج وتفكيره ينصب على الانتاج وتساءل: لمَ لم يسألني أحد لماذا أقدم أفلاماً مصرية خالصة كما حدث مع فيلمي "الأقزام قادمون" من إخراج شريف عرفة، و"البحث عن سيد مرزوق" لداود عبدالسيد، ودافع عن نفسه بقوله إن كل الأفلام المصرية المنتجة في السنوات الأخيرة مقتبسة، ولا توجد إلا استثناءات بسيطة أبرزها فيلم "المصير" ليوسف شاهين. وقال السيناريست نهاد محرم الذي كتب سيناريو أفلام "طأطأ وريكا وكاظم بيه" و"سمكة وأربعة قروش" و"خاص جداً"، إن غالبية الأفلام المصرية مقتبسة عن أخرى أجنبية وأن الأفلام التي نقل عنها ذكر اسماءها على الملصقات بخط واضح، وما دفعه الى الاقتباس تحمس المنتج والمخرج شريف شعبان للفكرة لأنها تحقق إيرادات كبيرة عند عرضها سينمائياً. فيما يؤكد السيناريست بسيوني عثمان أن أكثر من 90 في المئة من الأفلام مقتبس منذ بداية السينما المصرية وذلك مرجعه الى أن المواضيع محددة في 36 موضوعاً فقط والاختلاف يكون في المعالجة التي يبرز من خلالها دور السيناريست ومدى تمكنه. ومعروف أن عثمان أعد سيناريو عدد من الأفلام المقتبسة من أفلام أجنبية وكان أبرزها "حنفي الأبهة" لعادل إمام المأخوذ عن الفيلم الأميركي "48 ساعة" لأيد مورد، وكان فيلمه الأخير "اغتيال" لنادية الجندي وإخراج نادر جلال المأخوذ عن الفيلم الاميركي "الهارب" لهاريسون فورد وإخراج أندرو ديفيز، تعرض لانتقادات شديدة لأنه كتب اسمه في الدعاية على أنه صاحب الفكرة والسيناريو والحوار، ولم يشر من قريب أو بعيد الى أن الفيلم مقتبس. تعرض للهجوم نفسه فيلم "نزوة" للسيناريست بشير الديك وبطولة احمد زكي ويسرا واخراج علي بدرخان والمأخوذ عن الفيلم الاميركي الشهير FATAL ATTRACTION الذي لعب بطولته مايكل دوغلاس وغلين كلوز وآن ارثر وحصل على مجموعة جوائز اوسكار للممثلين الثلاثة ولكاتب السيناريو. ويؤكد الديك ان الموضوع الذي تتم معالجته هو الذي يفرض ضرورة الانفتاح على كل الجوانب الاخرى، وان ما حدث في فيلم "نزوة" من سيدة تحب رجلاً متزوجاً قابل لملايين الاحتمالات، وهذه العلاقة تحديداً تشابهت في افلام مصرية عدة ويرى الديك أن السينما المصرية من أكثر سينمات العالم إخلاصاً لواقعها على رغم قلة امكاناتها وانعدام حريتها. ويرى المخرج نادر جلال ان الجمهور لو اقتنع بالفيلم فلن يهمه إذا كان مقتبساً أم لا، مثلما حدث مع مسرحيات نجيب الريحاني وأفلام الميلو دراما لحسن الإمام المقتبسة من المسرح الفرنسي ولاقت نجاحاً كبيراً، ولم ينشغل الناس بمصدرها وأكد أن كتاب السيناريو معذورون لأن الجيدين منهم يعدون على أصابع اليد، على عكس باقي العناصر السينمائية الاخرى من مخرجين ومديري تصوير وغيرهم، وهو ما يشكل ضغوطاً عليهم من قبل كبار المخرجين والمنتجين لان كل واحد منهم يكون مطالباً بتقديم اربعة الى سبعة أفلام في العام الواحد، وطالب جلال بالتركيز على قسم السيناريو في معهد السينما لتخريج مؤلفين جدد. ويعترض عدد كبير من النقاد على الدوافع التي ساقها السينمائيون للاقتباس ويقول الناقد احمد صالح: خسارة أن نرمي بقدراتنا ومواهبنا في عملية نقل، ولا اقول اقتباس لان الاضافات بدت لا تضيف والتمصير لم يخرجنا عن الجو الاميركي. ويرى الناقد احمد رافت بهجت ان السينمائيين يعتمدون على كون الناس لا يعرفون أكثر من نصف الافلام الاجنبية. وأكد ان السينمائيين يبحثون عن السهل وما يحقق نجاحاً وأرجع ذلك إلى عوامل عدة ابرزها الافلاس في السيناريو، والرغبة في الكسب السريع، الى جانب عدم المعاناة من اجل الخلق الفني، وأشار الى أنه كان من الممكن تقبل مسألة الاقتباس لو حدثت من سينمائيين جدد، ولكن أن تحدث من الكبار فهذه هي الطامة الكبرى ويرى أن الحل في الشباب المجتهد الذي لا يجد الفرصة.