نادراً ما تصاعد صراع بين طائفتين دينيتين بقدر ما تصاعد الصراع، على مدى مئات السنين، بين البروتستانت الانكليكانيين والكنيسة الكاثوليكية. ويقر مؤرخو الفريقين عادة، بأن الدماء التي سالت على مذبح ذلك الصراع، والتي بدأت مع بروز اللوثرية والكالفينية، مع بروز عصر النهضة، ووصلت الى ذروتها يوم تبنى ملوك انكلترا البروتستانتية طاردين كنيسة روما من ديارهم، لم تسل بصدد اي صراع ديني آخر. من هنا كان من المنطقي الا يحدث اي لقاء بين رئيسي الكنيستين طوال اكثر من اربعمئة عام. اذ، ماذا يمكن لمثل ذينك الرئيسين ان يقولاه لبعضهما البعض، والصراع بين طائفتيهما متصاعد. ومع هذا حدثت "المعجزة الصغيرة" في مثل هذه الأيام من العام 1966. والتقى البابا بولس السادس، زعيم الكنيسة الكاثوليكية وسيد الفاتيكان في تلك الآونة، مع اسقف كانتربري لقاء اعتبرته الصحافة والأوساط المعنية حدث العام، ورأى فيه البعض حدث العصر. حدث ذلك يوم 23 آذار مارس 1960 في الفاتيكان. وكانت ذروة اللقاء "قبلة السلام" التي تبادلها الزعيمان الدينيان الكبيران في كنيسة "سستين" امام كاميرات العالم اجمع وذهول المؤمنين الذين لم يكن اي منهم ليتوقع مثل ذلك الأمر. اذاً، كانت ذروة اللقاء في الفاتيكان في ذلك اليوم، تتويجا لزيارة رسمية استغرقت ثلاثة ايام قام بها المسؤول الديني الانغليكاني الكبير الى صرح البابوية الكاثوليكية. الدكتور رامزي، اسقف كانتربري كان، من قبل توجهه الى الفاتيكان، صرح بأنه انما يقوم بهذه الزيارة لأنه يعتبرها خطوة أساسية على طريق الوحدة المسيحية. وقالت اوساطه ان "عقلانية عصرنا الراهن تفرض علينا، ان ننسى خلافات الماضي ومآسيه متطلعين الى مستقبل مشترك، يكون بناؤه السلمي لخير المسيحية ولخير البشرية جمعاء". ومن المعروف انه، من قبل اتخاذ الدكتور رامزي قراره بكسر الجليد وزيارة الفاتيكان ولقاء البابا والتباحث معه، كان البابا بولس السادس قد ابدى عدة اشارات في ذلك الاتجاه. وهو البابا نفسه الذي اتخذ خطوات اساسية ومفاجئة، ايضا، تجاه الاسلام واليهودية والبوذية معلناً انه لئن كانت لدى الكاثوليكية البابوية رسالة في عصرنا هذا، فانها ليست اي شيء آخر غير رسالة السلام والانفتاح. وكان البابا بولس السادس نفسه قد زار، قبل ذلك بعامين، الديار المقدسة في فلسطين واجتمع الى الزعامات الفلسطينية وأعلن ان زيارته هي زيارة سلام، وانه يتمن ان يرى معضلات المنطقة محلولة على ايدي ابنائها. وهو خلال تلك الزيارة نفسها كان التقى بسيد الكنيسة الاورثوذكسية اثيناغوراس وتباحث معه طويلا، وكان البطريرك اثيناغوراس طار خصيصاً من جزيرة رودس ليلتقي البابا في القدس. والفلسطينيون خصوصا، والمسلمون بشكل عام، تلقوا يومها تصرف البابا بولس السادس بابتهاج. اما بالنسبة الى الاورثوذكس فانهم ابدوا، بالطبع، سرورهم لذلك اللقاء مع سيد الكنيسة الكاثوليكية، اللقاء الذي اذاب جليداً في العلاقة بين الطائفتين كان عمره لا يقل عن 500 عام لم يلتق خلالها زعماء الطائفتين أبداً. وهكذا، اذن، اندرجت تلك الخطوة الجديدة اللقاء بين البابا بولس السادس وبين اسقف كانتربيري في اطار انفتاح من الفاتيكان على الأديان الاخرى. من هنا لا بأس من التذكير من ان اللقاء في الفاتيكان في ذلك اليوم كان ثمرة محادثات ومداولات تمهيدية، ابرزها لقاء غير رسمي كان حصل في العام 1960، بين سلف البابا بولس السادس، يوحنا الثالث والعشرين والأسقف فيشر سلف الدكتور رامزي. والجدير بالذكر ان المسألة الأساسية التي بحثها الدكتور رامزي والبابا بولس السادس عند لقائهما، كانت مسألة الزواج المختلط بين ابناء الطائفتين! في بريطانيا، لم يكن الجميع سعداء باللقاء، بل ان سياسيين بريطانيين كثيرين لم يخفوا امتعاضهم، الى درجة ان ثلاثة وزراء كانوا يحضرون مناولة كان يقيمها الدكتور رامزي في الفاتيكان صباح ذلك اليوم، وقفوا صارخين وخلعوا معاطفهم وهم يرددون ان "الاسقف رامزي خائن لبريطانيا البروتستانتية" الصورة: بولس السادس واسقف كانتربري في الفاتيكان.