لم يتلق زياد الست دراسة أكاديمية، لكن ممارسته التصوير منذ كان في الثامنة من عمره كتلميذ عمه الفنان فيصل الست، أصبح يقدم صوراً تنم عن حرفية ورؤى فنية تعكس العين الخبيرة في اقتناص الظلال والنور في تناغم وحركة قلما نجدها لدى بقية فناني التصوير. اذ ينزع زياد الست الى بث الروح في اللقطة التي يصورها من خلال اختيار موفق للحركة فنجد انفسنا أمام صورة ينطق فيها الجمال والحياة، كما في صورة الراقصة التي تحدث وترقص بحركة لا تزال مستمرة فتحيلنا الى عالم أرواح وموسيقا والى الدخول في عالمها لنتابع رقصها بشغف. اشترك الفنان في المعارض السنوية التي يقيمها نادي التصوير الضوئي منذ ان أصبح عضواً فيه عام 1990، وحاز جوائز عدة منها "الابيض والاسود" لعام 1997. وأطل على محبي التصوير الضوئي في معرضه الأول في صالة "المعهد الفرنسي للدراسات العربية" في دمشق وكان بمثابة الحدث الفني الثقافي. وفي "المعهد" كان هذا الحوار مع الفنان: رأينا في المعرض بانوراما لمواضيع مختلفة. هل تبحث عن المشهد الذي تريد تصويره ام ان المشاهد هي التي تلهمك؟ - اردت ان يضم المعرض مواضيع مختلفة: صور شخصية بورتريهات، ومناظر دمشق القديمة، حفلات موسيقية وراقصة. بعضها ملون وبعضها بالابيض والاسود وذلك لتعريف الجمهور بأعمالي نظراً لكونه الاول المنفرد. المشاهد الطبيعية الواقعية هي التي تستهويني وتجذب عدسة التصوير اليها، لكن فنان التصوير الضوئي يبقى في حالة بحث دائم عن الجمال. عندما أرى مشهداً جميلاً وقد اجتمع فيه تناغم الظل والنور والانعكاسات والخطوط الواضحة يمكن أن أعتبره صورة مستقبلية جميلة، فأنظر إلى "كادر" المنظر تشكيلياً وأعاين ابعاده فاذا حقق المواصفات المناسبة جمالياً، التقط له صورة. وأول عنصر يشدني إلى المشهد هو طريقة سقوط الضوء عليه ثم تكوينه، وتأتي مهمة المصور في استغلال النقاط الحساسة في المشهد وطريقة تضمين الصورة لها عن طريق التقاط الابعاد المناسبة. ما يلفت في أعمالك اختيارك للأبيض والأسود في التصوير، فهل استخدامك لهما انتماء لمدرسة ما؟ - لايشكل استخدامي للأبيض والاسود انتماء الى مدرسة فنية ما، وانما أجد فيه جمالية خاصة هي رماديات جميلة تضيع لدى استخدام الألوان في الصورة. وعن طريق استخدام الأبيض والأسود يمكن التحكم بطباعة الصورة واظهار جزء معين بابراز لون سوادها او تخفيفه، كما يمكن اتخاذ تدرجات كثيرة في الصورة، أما استخدام الألوان فيسمح باستخدام الأجهزة الالكترونية، لكنني أرى ان فن الأبيض والاسود هو العنصر الأقوى في عالم الفن. مشاهد العازفين والراقصات شغلت حيزاً واسعاً في المعرض ولاقت اقبالاً خصوصاً صور الراقصة بحركتها. ماذا تحدثنا عن هذه التجربة؟ - تصوير العازفين والراقصات من الاختصاصات الصعبة نظراً لسرعة الحركة ولوجود اضاءات عالية ولضرورة التركيز على الصورة فتثبيت "اللقطة على الشطر" صعب جداً، لكنني انتظر فترة زمنية تستغرق اكثر من ربع ساعة كي آخذ اللقطة، فأركّز على عنصر معين من اللقطة وأحدد "الكادر" وآخذ حركة معينة وأصورها. كان هناك الوان قليلة وتركيز على الاخضر... - أفضّل الألوان الهادئة التي تبعث السكينة في النفس، وهكذا استخدمت الأزرق والأخضر لأنهما يعنيان لي الهدوء. الى أى مدى يمكن ان يعطي التصوير نظرة فوق واقعية؟ وهل ينضب اهتمامك على الصورة الفنية أم التسجيلية؟ - اعتمد على الواقع في التصوير، ولكن من الممكن إدخال عناصر جديدة على الصورة الواقعية فتختلف قليلاً عما هي عليه. يمكن مثلاً أن أركّب لقطات عدة بعضها مع بعض للحصول على صورة مختلفة عن الواقع، وأحبذ دائماً الصورة الفنية. هل يأخذ البورتريه مكان اللوحة التشكيلية التي سادت في عصر النهضة؟ - البورتريه من الصور المعبّرة جداً. اخترت مثلاً لمعرضي بورتريه لعجوز معبر جداً عن التراث من خلال التركيز على الوشم واللباس وعلى نقل عناصر من الواقع البدوي في الخلفية. وكان البورتريه بدأ كصورة يأخذ مجالاً تعبيرياً كبيراً وأصبح منافساً للوحة التشكيلية التي سادت في عصر النهضة، لكن ذلك يعتمد أيضاً على المادة المصوَّرة وبقدرته على إضفاء السمة التعبيرية اللازمة لنجاح البورتريه. كيف تنظرالى واقع التصوير في سورية؟ - ان فن التصوير في تطور دائم وأصبح في بلادنا يواكب فن التصوير في الخارج وبدأ كل مصور يتخذ منحى معيناً وخاصاً به في التصوير، وكل فنان يبحث عن تكوين شخصيته الخاصة المميزة تماماً مثل الفنان التشكيلي. لكن ما نفتقده هو مدارس متخصصة للتصوير، إذ يعتمد المصور في خبرته على دراسة الأسس والتجارب السابقة، ويقوم بمطالعة الكتب والمجلات التي تهتم بفن التصوير الفوتوغرافي وخصوصاً الأجنبية منها. ونأمل ان تنشأ مدارس لتعليم فن التصوير ليصبح المجال أوسع للتبحر في فن التصوير الفووغرافي ولدراسة التجارب والمدارس الفنية الغربية والاستفادة منها واكتساب الخبرات الاضافية.