تقدم ثلاثية "الدائرة" صورة كاملة عن الموقع الذي وصلت اليه الدراما المعاصرة في سورية، اذ يستقطب هذا الانتاج الضخم مواضيع التاريخ والفانتازيا بمختلف اشكالها. فبينما تبقى معالجة المشاكل الاجتماعية في اطار انتاجي ضيق لا يتجاوز في بعض الاحيان ساعة واحدة، ويعود هذا الامر الى طبيعة الاعمال التاريخية التي تمتلك قدرة على النفاذ الى المحطات الفضائية، اذ لا يحمل موضوعها أي عائق رقابي نظرا الى احداثها التي تدور في الماضي، او تكون افتراضية كما في دراما "الموت القادم الى الشرق" للمخرج نجدت آنزور. ومن جهة ثانية فان التقنية البصرية فيها مليئة بالمؤثرات الخاصة مثل الديكورات او الملابس، فالمخرج يتحرر عبر خياله من اي حالة مفروضة عليه، فيضيف الكثير من الأمور التي تساعده على النفاذ الى عين المشاهد، فبينما تبقى الدراما المعاصرة محكومة بأشكال الحياة الواقعية، وتتطلب خيالاً على صعيد الصراع، وابتكارات في المشهدية ملتزمة بقواعد واضحة لا تتيح افتراضات عشوائية كما يحدث في بعض اشكال الدراما التاريخية. ويبدو ان الدراما المعاصرة تحتاج للخروج من عمليات التكرار الى خلق شخصيات وافكار جديدة، تساعد المشاهد على الدخول في التنوع الذي تحمله الحياة بدلا من الطرق التقليدية، التي تستند اساساً الى صراع واضح المعالم يختصر كل مآزق الحياة عبر شخصيات تحمل الخير المطلق او الشر المطلق. دراما "الدائرة" التي يمكن تصنيفها ضمن المسلسلات المعاصرة تحاول تصوير شخصية فنان تشكيلي، على رغم ان اختيار هذه المهنة يوحي بامكانات مفتوحة لتطوير الصراع داخل العمل، او تصوير جوانب مهمة لطبيعة حياة الفنان، لكن القصة تسير بشكل تقليدي وتعيش الشخصية الرئيسة حالة عشق مع ابنة الجيران، في وقت تصبح الظروف المعيشية صعبة فيتحول هذا الفنان التشكيلي الى "خطاط"، وهذا الدور الذي قام به الفنان ماهر صليبي يسعى الى نقل بعض الجوانب الحساسة لموضوع الفن التشكيلي، فالصراع الأساسي كان سعي الفنان التشكيلي للزواج ممن يحب، ولكن المتطلبات الاجتماعية تحول دون ذلك فينتقل من مسألة الابداع الى حرفة تستطيع الايفاء بمتطلباته. ولا شك ان هذا القرار يظهر عبر الشخصية الرئىسة كنوع من مواجهة الظرف المادي لأي ابداع حقيقي، ويبقى السؤال عند هذا الفنان عن مستقبل علاقته مع من يحب. فالدراما تنتقل الى حلقة جديدة يبرز فيها صديق قديم لهذا الفنان يأتي ليقيم معه، ومع مرور الزمن يستطيع ان يسلبه كل شيء، وتصل محاولاته الى حبيبة الفنان. هذا التصوير للعلاقات الاجتماعية يجسد عملياً أزمة المبدع مع محيطه، فلؤي عيادة واضع نص دراما "الدائرة" اراد عبر الضياع الذي تعيشه الشخصية الرئىسة، تجسيد انواع التزوير والكذب السائدة داخل المجتمع، فصديق هذا الفنان التشكيلي يسرق احدى لوحاته وينسبها اليه، ثم يستطيع الحصول على الغرفة التي يسكن فيها، وفي النهاية يسعى الى اقامة علاقة مع الفتاة التي يعشقها الفنان ويحاول الزواج منها. العمل مجموعة من العلاقات الاجتماعية القابلة للتطور، لكن التكثيف الى ثلاث حلقات حمل المخرج علاء الدين الشعار على نقل هذه العلاقات من زاوية تأثيرها المباشر بالحدث، الا ان ثلاثية "الدائرة" تلخص ازمة العمل المعاصر من زاويتين: الاولى هي التكثيف لتقليص الانتاج نظراً الى طغيان الدراما التاريخية على معظم الانتاج الدرامي، والثانية هي التطرق الى مواضيع تقليدية يعرفها المشاهد سلفاً نظراً الى تكرارها على رغم ان اختيار الشخصيات يحمل جرأة على نقل مواضيع كثيرة، فشخصية الفنان التشكيلي يمكن تركيبها بصور مختلفة وقادرة على خوض تجارب حياتية كثيرة اكبر من موضوع حب ابنة الجيران او من الصراع من اجل الزواج.