ينتسب زيري بن مناد مؤسس الدولة الزيرية في القرن الرابع الهجري بالجزائر الى الأسرة العلوية. وقد ظل حليفاً بهما للفاطميين في الفترة التي هيمنوا فيها على أفريقيا، وساعدهم في الحرب التي خاضوها ضد غريمهم أبي زيد المعروف بصاحب الحمار، وكوفىء لقاء ذلك باستلامه قيادة الصنهاجيين وأسس بموافقة من الفاطميين إمارة عاصمتها أشير وذلك سنة 324ه والموافق 935م. وفي ظل خلافة رابع الخلفاء الفاطميين المعز، شارك زيري بن مناد في الحملة العسكرية التي قادها القائد جوهر الصقلي ضد قبائل المغرب الأقصى، فاستولى على فاس سنة 348ه، وألحقت - نظير ذلك - مدينة تاهرت عاصمة الرستميين بإمارته وأوكل الى ابنه بولغين تأسيس المدن الثلاث: الجزائر والمدية ومليانة. وتمكن بولغين أيضاً من الإيقاع بالزناتيين الذين كان يقودهم محمد بن الخير وحقق عليهم انتصاراً باهراً في ربيع الثاني من عام 360ه. وقد أثار هذا النصر حفيظة بني حمدون الذين كانوا يسيطرون على مناطق الزاب والمسيلة شمال صحراء الجزائر، فانضموا الى صفوف الزناتيين، وخرج زيري ابن مناد لقتالهم لكنه لقي مصرعه لتؤول الإمارة من بعده الى ابنه بولغين الذي انتقم لمقتل أبيه بإلحاق هزيمة نكراء بأعدائه انتهت بمقتل زعيمهم محمد بن الخير والاستيلاء على ممتلكات بني حمدون. وقد أصبح بولغين محل ثقة الفاطميين، حيث أوكل اليه المعز الفاطمي مهمة الإشراف على أفريقيا والمغرب بعد أن استقر هو بدولته في القاهرة لسنة 361ه. وكان ذلك إيذاناً بميلاد الدولة الزيرية. وبدأ بولغين عهد دولته بتجهيز حملة الى المغرب الأقصى فاستولى على معظمه ومات أثناء توجهه الى سجلماسة ليخلفه ابنه المنصور سنة 373ه الذي ركز جهوده على تسيير أفريقيا تونس وأوكل شؤون المغرب الأوسط الجزائر الى أحد أعمامه وأخويه يطوفات وحماد. وقد علا شأن حماد خصوصاً في فترة حكم باريس بن المنصور منذ سنة 376ه، فخاض رفقة أعمامه حروباً طاحنة ضد الزناتيين الذين كان يقودهم - وقتها - المعز بن زيري بن عطية، وأسس سنة 398ه عاصمته قلعة بني حماد شمال شرق المسيلة، حيث استطاع مراقبة تحركات أعدائه الزناتيين. وأمام الخوف من تنامي طموحات حماد، طلب منه باديس التنازل عن ثلاثة من مناطق الإقليم القسنطيني وهو ما رد عليه بثورة ضد سلطة أفريقيا انتهت بالاعتراف به حاكماً يتمتع بسيادة مستقلة على المغرب الأوسط ليكون العام 408ه الموافق 1018م عام ميلاد الدولة الحمادية بالمغرب الأوسط. وكانت هذه من الفترات الأكثر غنى وثراء في تاريخ المغرب العربي، في ظل حكم المعز. لكن الزيريين أساؤوا استغلالها بمحاولة التملص من ولائهم لمركزية القاهرة فما كان من المعز إلا أن أرسل بالقبائل الهلالية وقبائل بني سليم لتجتاح أفريقيا وتحتل كل البلاد الزيرية باستثناء المهدية. وتمكن تميم ابن المعز بعد ذلك من الاستيلاء على تونسوالقيروانوسوسة وصفاقص وطرابلس وذلك خلال النصف الثاني من القرن الخامس الهجري. لكن خلفاءه اللاحقين وهم يحيى وعلي والحسن فرطوا في هذه المكاسب قبل أن يغزو نورمانديو صقلية المهدية في العام 543ه الموافق 1148م ويحملوا السلطان الزيري على اللجوء الى بلاد المغرب الأوسط. أما الحمّاديون الذين استقلوا بدولة في قلعتهم فقد اختاروا القائد بن حماد أميراً بعد وفاة مؤسس الدولة الحمادية في العام 419ه. وقاد الأمير الجديد حملة ضد زناتيي المغرب الأقصى. لكنه اضطر الى توقيع معاهدة سلام بعد الحصار الذي خضعت له عاصمة دولته من قبل المعز الزيري. وعند اجتياح بني هلال وبني سليم للمنطقة أمد ابن عمه وخصمه بألف فارس لم تغن عن الأنهزام أمام جيوش الهلاليين في معركة حيدران سنة 443ه/ 1052م. وبعد وفاة القائد بن حماد والمدة الوجيزة التي استغرقها حكم محسن من بعده، استلم مقاليد السلطة بولغين بن محمد أحد أحفاد حماد سنة 447ه الذي استمر في قتال الزناتيين ووجه حملة هو الآخر الى المغرب الأقصى غير أنه قتل أثناء عودته من هناك على يد ابن عمه الناصر الذي خلفه عام 454ه. وعرفت الدولة الحمادية في عهد الناصر ازدهاراً حضارياً وثقافياً وعلمياً كبيراً، إذ تحوّلت الى مركز اشعاع حقيقي لا يقل في أهميته عن قرطبة بالأندلس أو القيروانوفاس. وواصل الناصر سياسته التوسعية باتجاه الشرق فأخضع القيروان زمناً قصيراً لتعود الى سيطرة الزيريين بعد خروجه منها مباشرة. لكن أهم حدث عرفته الدولة الحمادية في عهده هو نقله عاصمة الإمارة من القلعة الى بجاية على ساحل البحر المتوسط والتي ظلت عاصمة للحماديين الى نهاية دولتهم. وقد شاد الحماديون الكثير من المعالم التي لا تزال آثارها شاهدة على عصور ازدهارهم. ففي عاصمتهم الأولى "القلعة" لا تزال الى اليوم ماثلة بقايا المسجد والمنارة ذات النمط المعماري المتفرد وقصر البركة وقصر السلام وقصر وقلعة المنار. واستناداً الى ما ذكره ابن خلدون في مقدمته، فإن حماداً أسس دولته في نهاية القرن الرابع الهجري، بداية القرن الحادي عشر الميلادي، حيث أحاطها بالأسوار بعد أن بنى بها العديد من المساجد والدور والمرافق ذات المنفعة العامة. ولم يتبق من مسجل القلعة اليوم سوى جانب من المنارة والجزء السفلي من الجدران وقواعد الأعمدة، وهي مصنوعة من الحجارة. ويرجح أن الإهمال الذي طال هذا المسجد، كغيره من معالم القلعة الأخرى كان بسبب فقدان المدينة لدورها كعاصمة للدولة الحمادية بعد أن نقلها الناصر الى بجاية. كما تكون الهجمات التي تعرضت لها القلعة على أيدي جيوش عبد المؤمن وبني غنية أحد أسباب الإتلاف. ويذكر المؤرخون أيضاً أن المنطقة ظلت عرضة للهزات الأرضية منذ أزمنة غابرة. ويبلغ سمك أسوار مسجد القلعة متراً ونصف المتر وهي ذات دعائم خارجية يصل عرضها الى نحو مترين ويفصل بين قاعة الصلاة والفناء جدار تتخلله تسعة أبواب يبلغ عرض الباب الرئيسي مترين ونصفاً وعرض باب أقصى اليسار متراً وعشرة سنتيمترات، فيما تتساوى الأبواب الأخرى في العرض الذي لا يتجاوز متراً وستين سنتمتراً. ويوجد اثنان من هذه الأبواب بالجدار الشرقي وآخران في الجدار الغربي وأربعة في جدار المحراب. وتشتمل قاعة الصلاة على ثلاثة عشر رواقاً توجد الخمسة الوسطى منها معزولة عن المساحة المتبقية للقاعة بواسطة جدار يتجاوز عرضه المتر في ما يرجع أنها مقصورة أو مصلى خاص بالنساء أو النواة الأولى للمسجد الذي عرف توسيعات كبرى بعد أن أصبحت القلعة عامرة. أما الفناء فيمتد على طول يتجاوز 53 متراً وعرض يقارب 27 متراً ويتم الدخول اليه من بابين أحدهما في الجهة الشرقية والآخر في الجهة الغربية. وفي الوسط يوجد خزان بطول أحد عشر متراً وعرض يبلغ خمسة أمتار ونصفاً وارتفاع يقارب الثلاثة أمتار يتغذى من أحد المنابع، يأخذ سقفه شكل القوس المنكسرة وفي العمق تماماً بقايا قاعات يعتقد أن إحداها - وهي التي الى جهة الشرق - كانت مكتبة. وقد اختفت أعمدة المرمر الوردي التي جلبت الى القلعة من معبد الحضنة الروماني وكذا أعمدة المرمر الأبيض التي يرجح بعض الدارسين أنها استخدمت في بناء المسجد. ولم يتبق سوى أجزاء من الأعمدة المصنوعة من الحجارة، ولا تحتفظ قاعة الصلاة سوى بآثار لأربعة أعمدة لا يتجاوز قطر الواحد منها نصف متر. أما في الفناء فقد تم العثور على ثلاث وثلاثين سارية يتراوح طولها ما بين نصف متر ومترين. واختفت الأعمدة الثمانية الشكل المصنوعة من الحجارة الرمادية التي كانت تدعم المحراب من الخارج. ولم يعثر سوى على أربعة من التيجان الزيرية الحمادية التي تتميز بثلاثة أنواع: مصقولة وذات صف واحد من أوراق الأكاسيا وذات صفين. أما المحراب فقد أتلفت معظم أجزائه الداخلية ولم يتبق منه سوى القاعدة وجزؤه الأيمن وهو ذو شكل هندسي مشابه للمحاريب الموجودة في مساجد أفريقيا وقتها - سيما مسجد ابن طولون بالمهدية والجامع الكبير بتونس وجامع سوسة. أما القبة فلا يعرف شيء عنها. لكنه، وبالنظر الى الاتجاه المعماري للأجزاء الأخرى فإنه يرجح أن لا تختلف في شكلها عن قباب المساجد في ذلك العصر، وضاع الجزء الأعلى للمنارة أيضاً، وهي من الأعاجيب المعمارية في المعالم الدينية التي خلفها عصر الحماديين بالجزائر، وبقي منها الآن طبق واحد ارتفاعه نحو 25 متراً وطول ضلع قاعدته ستة أمتار ونصف. ويتم الدخول اليها من الفناء بواسطة درجات سلم، وبداخلها سلم آخر من الحجارة يفضي الى أعلى يلتف حول محور مربع الشكل. أما الزخرفة المستعملة فتتمثل في المرمر والجبس الذي يزين كوات المنارة، والحجارة التي صنعت منها الأعمدة والتيجان والآجر الذي صنع منه المحراب والزجاج والخزف الذي يزين بوائك المنارة. وبهذه الخاصيات ذاتها طبعت آثار الحماديين والزيريين في عنابةوقسنطينةوبجاية الناصرية ولعل مسجدي قسنطينة وسيدي أبي مروان بعنابة خير شاهد على ذلك. ولا تزال آثار هذه الحقبة بحاجة الى مزيد من الدراسة للوقوف على الخصوصيات الفنية والمعمارية لحضارة الزيريين والحماديين بالجزائر.