قبل أربع سنوات قضيت إجازتي مع زوجتي وأطفالي في إحدى المدن الأميركية، وحرصت خلال تلك الرحلة على أن يذهب أولادي إلى النوم باكراً كي أضمن ألا يشاهدوا البرامج والأفلام المخصصة للكبار، بخاصة أن التلفزيون الأميركي يتسم، قياساً الى التلفزيونات الأوروبية، بأنه محافظ خلال ساعات النهار. واستطعت أن أتحكم بالفترة التي تسبق موعد نومهم وتمتد من وصولنا إلى المنزل في الساعة السابعة مساء حتى الساعة التاسعة ليلاً، حين تبدأ محطات التلفزيون بث الأفلام والبرامج المخصصة للكبار. في إحدى الليالي استيقظ ابني عبدالعزيز وطلب أن يجلس معي أمام التلفزيون، وعبثاً حاولت إقناعه بالعودة إلى فراشه، وحين أصر استسلمت لرغبته، لكني أبقيت يدي طوال الوقت على الزناد "الريموت كونترول" فإذا أحسست بأن المشهد ينذر بلقطة "ساخنة" غيّرت القناة. وكان يحتج كل مرة: لماذا لا تجعلنا نشاهد من دون تغيير؟ فأرد: هذه المشاهد مخصصة للكبار وأنت لا تزال طفلاً في السابعة. مرت تلك الليلة بسلام، وانتهت الرحلة من دون حدوث خلل في قوانين الرقابة التي فرضتها على أطفالي. إلى هذا الحد كنت اقتنعت بأن خطتي نفذت في شكل محكم، واستطعت أن أحمي أطفالي من مشاهدة ما يخدش الحياء طوال الرحلة. في اليوم الأخير وصلنا الى المطار، وأخذنا بطاقات الصعود الى الطائرة. وقفت أمام شاشة الإعلان عن الرحلات للتأكد من موعد الإقلاع، وإذا بابني عبدالعزيز يهمزني بخبث، ويقول لي وهو يشير إلى شاب أميركي يقف قربنا محتضناً صديقته ويقبلها في شكل درامي: "بابا، تقدر تغيّر هذا بالريموت كونترول". تذكرت هذه القصة وأنا أرى وزارات الإعلام في العالم العربي تصر على مراقبة الصحف والمجلات على رغم وجود هذه الصحف على الإنترنت، فضلاً عن عشرات القنوات الفضائية التي تبث الأخبار المصورة على الهواء مباشرة.