رغم مرور سنتين على عودة السيارات العراقية الى شوارع المدن السورية، لا تزال اللوحات التابعة لبغداد او البصرة تشد أنظار السوريين، خصوصاً اذا كانت تلك السيارات محملة مسافرين... وبضائع عراقية. وغدت سيارات الأجرة العراقية بلونيها الابيض والبرتقالي رمزاً لعلاقات تجارية "شعبية" بين البلدين، منذ عودة التقارب في أيار مايو 1997 بعد سنوات قطيعة استمرت منذ العام 1980. ونشطت أخيراً "تجارة بشرية" بعيدة عن عيون السلطات في البلدين، تمثلت في نقل المرضى السوريين الى العراق حيث تجرى عمليات لزرع أعضاء. وقال السائق العراقي مقدام: "نقلت خلال الأشهر الأخيرة أكثر من ثلاثة مرضى سوريين يحتاجون الى عمليات لزرع كلى"، لأن بعض العراقيين يضطر الى "بيع أي شيء حتى الكلى للحصول على نقود". واشار مقدام، في سوق السيدة زينب جنوبدمشق، الى ان السائقين يتقاضون "عمولة كبيرة" في مقابل هذه الصفقات. ورغم حرص المسؤولين السوريين على ان يكون النشاط التجاري بين الطرفين محصوراً في اطار قرارات مجلس الأمن التي فرضت الحصار على العراق، وضمن القرار 986 النفط للغذاء، فإن العراقيين يتاجرون بكل ما يجلب لهم مالاً او بضاعة سورية يعودون بها الى بلادهم، ويتاجرون بالبنزين العراقي الذي يحملونه في خزانات احتياطية داخل سياراتهم، وكذلك السلع الغذائية والسجائر. ووراء التعامل التجاري بين الطرفين، تنشأ علاقات اجتماعية في الاسواق العراقية التي انتشرت في المدن الرئيسية السورية. قال أحد الباعة في السيدة زينب: "يقبل كثيرون على الشراء مني ليس بدافع حاجتهم الى السلع التي أعرضها بل بدافع حب المساعدة"، في حين قال مقدام: "حدثني اصدقائي عن الاستقبال السوري الحار لأي عراقي، لكن ما شاهدته كان أعمق... أرى الرغبة في المساعدة في عيون الجميع وأشعر أنني بين أهلي". لكن الصورة ليست دائماً بهذا الاشراق، ذلك ان بعض السوريين يحاول استغلال هذا التعاطف لترويج بضائع كاسدة في السوق، عن طريق شراء البضائع من السائقين العراقيين واستئجار سياراتهم لعرض المواد واضافة منتجات غير عراقية عليها مثل الألبسة الجلدية والزجاجيات. واستطاع عدد منهم اتقان اللهجة العراقية تفنناً في الخداع وتيسيراً لتصريف البضائع. يقول الحمصي عزيز مصطفى: "وجود السيارة العراقية معنا يعطينا العديد من التسهيلات والامتيازات. مثلاً، لا نتعرض لمضايقات البلدية اذا مثلنا دور السائق العراقي في شكل جيد، كما يزيد اقبال الناس على شراء المنتجات رغم أن بعضها صنع في سورية". ويذهب أحدهم الى القول بوجود "اتفاق مع العراقيين، فيكون لنا وجود معهم لتسهيل عملنا مقابل عمولة معينة، أي اننا لا نخدعهم". وفي أحد أسواق العراقيين في حلب قال عزيز مصطفى الذي عرض فناجين شاي وقهوة سورية الصنع: "لو عرضنا البضاعة باعتبارها مصنوعة في حلب او حمص لما اشتراها أحد، لكن الناس يخدعون انفسهم قبل ان نخدعهم". وأدى ازدياد عدد العراقيين وشكوى التجار السوريين من منافسة بضائعهم والخوف من دخول مواد غذائية فاسدة، الى التشدد على الحدود السورية أخيراً، في حين سارع سماسرة سوريون الى تخزين البضائع العراقية للمضاربة بها في حال اغلقت الحدود.