قال الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد: "لما ولدت كان عدد سكان العالم بليونين وعندما أموت سيكون عددهم ستة بلايين"، لقد تجاوز عددهم الستة بلايين وهو بعد على قيد الحياة. لكن، عندما تحدث عن الانفجار السكاني العالمي باطلاق يجافي الحقيقة لأن الغرب 20 في المئة من سكان العالم لا يكابد الانفجار بل الضمور السكاني، ويكاد يصل إلى عتبة عدم انتاج نفسه. كما ان الهند والصين نزعتا خلال العقدين المنصرمين فتيل قنبلة الانفجار السكاني بوسائل سلطوية لا بيداغوجية. أميركا اللاتينية أفلتت هي الأخرى من خطر القنبلة السكانية النووية بفضل تعميم التعليم وكذلك وسائل منع الحمل وإباحة الاجهاض. لكن الفضاء العربي الإسلامي ما زال الفريسة الوحيدة للانفجار السكاني وولايته التي لا يحيط بها الاحصاء. لندع الأرقام تتكلم: يتضاعف سكان الولاياتالمتحدة مرة كل 100 عام وسكان أوروبا الغربية مرة كل 125 عاماً وسكان العالم العربي مرة كل 19 عاماً وسكان البلدان الإسلامية الأخرى مرة كل 16 عاماً. وتتضاعف مع مضاعفة السكان المضاعفات من كل شاكلة وطراز: تضاعف معدلات الفقر، انهيار الدخل الفردي، تدمير البيئة، الأمية، البطالة، الجنوح، الارهاب، تخلف البنية التحتية التي هي الشرط الشارط للتنمية وتنمية التخلف على جميع الأصعدة. لم تتجاوز معدلات التنمية في العالم الإسلامي خلال العقود الثلاثة الماضية باستثناء الدول النفطية فيه 8.1 في المئة، فيما لم تقل معدلات الانفجار السكاني عن 4 في المئة. وفي البلدان الافريقية، خصوصاً المسلمة، كان معدل التنمية خلال العقدين الماضيين 5.0 في المئة، فيما تجاوزت معدلات النمو السكاني الأربعة! وفي فترة العقدين الممتدة من 1995 إلى 2015 سيزداد عدد سكان المغرب العربي بنسبة 81.85 في المئة وحدهم سكان تونس سيزدادون بنسبة أقل بكثير، أما سكان المشرق فسيزدادون بنسبة 58.122 في المئة ليضم العالم العربي سنة 2015 ما مجموعه 532 مليوناً، 50 في المئة منهم يفتقدون الماء للزراعة والشرب. أما عن زيادة معدلات البطالة والأمية والاجرام فحدث ولا حرج! قنبلة الانفجار السكاني التي نفجرها في أنفسنا هي المسؤولة عن نمو معدلات التصحر الزاحف على الأراضي الزراعية وعن تدمير البيئة، خصوصاً البحار والغابات. هذه الأخيرة تنتج 25 في المئة من كمية الاوكسجين التي تتنفس بها رئة الكرة الأرضية، والباقي تنتجه المحيطات التي التهمها هي الأخرى التلوث بسبب إلقاء النفايات النووية فيها ما جعل ثلث أسماكها غير صالح للاستهلاك. بعض التوقعات يشير الى أن معدلات الاوكسجين ستنخفض سنة 2040 الى درجة حرجة بحيث يموت الوليد لحينه ولا يستطيع الراشد البقاء على قيد الحياة الا بفضل ضخّاخة اوكسجين ترافقه في حلِّه وترحاله! يعود الفضل الأول في تحذير الانسانية من خطر القنبلة السكانية الى الأممالمتحدة. ومنذ مؤتمر السكان الذي عقدته في القاهرة سنة 1994 وهي توعّي سكان العالم، خصوصاً سكان العالم الاسلامي، بالوسائل البيداغوجية الكفيلة بنزع فتيل هذه القنبلة. وآخر جهد بذلته في هذا الصدد كان مؤتمر الشباب الذي انعقد في 6 شباط فبراير 1999 في العاصمة الهولندية برعاية صندوق الأممالمتحدة للتنمية وشاركت فيه عشرة بلدان عربية، وأسفر عن توصيات في منتهى العقلانية والحداثة سترفع الى مؤتمر السكان العالمي الثاني لاتخاذ التدابير العملية الكفيلة بنزع فتيل الانفجار السكاني الداهم والذي لم يبق مشتعلاً الا في الفضاء العربي الاسلامي. من بين هذه التوصيات ثلاث: تعميم تدريس علم التربية الجنسية في جميع مراحل التعليم كما الحال في البلدان المتقدمة لأن الجهل بالقواعد الصحية الطبية مسؤول بالدرجة الأولى عن الانفجار السكاني. مثلا بات اليوم من المؤكد احصائياً أن المرأة التي تنجب أكثر من ثلاثة أطفال معرضة في 80 في المئة من الحالات الى الاصابة بالاكتئاب اي الانهيار العصبي، ومعظم حالات الفشل المدرسي حوالى 85 في المئة هي من نصيب الأسر ذات الثلاثة أطفال فأكثر. وجهل المراهقين بالوسائل الطبية لمنع الحمل مسؤول عن الانفجار السكاني ومذبحة الاجهاض العشوائي. لذلك كانت التوصية الثانية تخص تنظيم الاجهاض باخضاعه للرقابة الطبية لإيقاف مجزرة هلاك 150 ألف امرأة سنوياً في العالم العربي الاسلامي بسبب الاجهاض السري والعشوائي. التوصية الثالثة الكفيلة في حد ذاتها بتخليصنا من هذه المجزرة هي تعميم استخدام أدوات منع الحمل الرخيصة والمأمونة بجعلها مادياً ونفسياً في متناول الجميع. التجربة التونسية رائدة في مجال نزع فتيل الانفجار السكاني بالوسائل البيداغوجية: منذ 1956 منع تعدد الزوجات وفي 1960 تم انشاء "مؤسسة التنظيم العائلي" لترشيد حجم الأسرة وأبيح الاجهاض الطبي المجاني، وعُمم التعليم الاجباري حتى بلغت نسبة الأطفال المنتمين الى مدارس في العام 1997 حوالى 98 في المئة ونسبة الفتيات الدارسات 96 في المئة وعُممت المدارس الليلية لرفع الأمية عن الراشدين وخصوصاً الراشدات، وبذلك أصبحت معدلات النمو الديموغرافي 1.7 في المئة ويتوقع ان تنخفض سنة 2006 الى 1.5 في المئة. مكافحة الانفجار السكاني بالوسائل البيداغوجية أجدى من مكافحته بالوسائل السلطوية، وفي هذا المنظور لا بديل لتوعية وسائل الاعلام للرأي العام وصناع القرار بضرورة التصدي بعقلانية بعيدة النظر لأخطار الانفجار السكاني الذي هو أخطر على مستقبلنا من جميع تخيلاتنا عن المؤامرات الصهيونية والامبريالية والماسونية. * كاتب تونسي.