لزمن طويل يقاس بمئات السنين ظلت علاقتنا بالغرب مأزومة. اتهامات متبادلة، شكوك قائمة، وذكريات أليمة يحتشد بها العقل الباطن للطرفين معاً. يكاد الأمر يشبه «جداراً» نفسياً يفصل المسلمين والعرب عن العالم الغربي. سقط جدار برلين بين الشيوعية والرأسمالية في العام 1989 ليحل محله جدار آخر بين الإسلام والغرب أطول في جغرافيته وأعمق في تاريخ نشأته. الجزء الأكبر من هذا الجدار يجسده البحر الأبيض المتوسط الذي كان يفترض أن يصبح بحيرة للتواصل، فإذا به يرمز الى الفجوة فكرياً وثقافياً واقتصادياً وتكنولوجياً بين عالمين. كان جدار برلين إسمنتياً يمنع المرور عبر ألمانيا الواحدة، أما جدار المتوسط فهو وهمي لا يحول دون تدفق البشر والسلع، لكنه يحد من انتقال الفكر والعلم والإبداع والمعرفة. كان جدار برلين سياسياً أيديولوجياً بينما جدار المتوسط ديني وثقافي. جدار برلين كان طوله مئة وخمسين كيلومتراً، أما جدار المتوسط فيمتد إلى آلاف الأميال بطول جنوب المتوسط وشرقه. والأخطر أن جدار برلين لم يتجاوز عمره الأربعين عاماً بكثير، بينما يرتد جدار المتوسط إلى قرون طويلة من الزمن، ربما منذ خروج آخر جنود العرب والمسلمين من الأندلس. (1) في 18 نيسان (ابريل) 1994 تجمع ألفا مواطن في ساراييفو إثر تفكك يوغوسلافيا الاتحادية وهم يلوّحون بعلمي المملكة العربية السعودية وتركيا. وبتلويحهم بتلك الأعلام بدلاً من أعلام الأممالمتحدة أو حلف شمال الأطلسي يرى صمويل هنتنغتون في كتابه الشهير «صدام الحضارات» أن سكان ساراييفو إنما كانوا يعلنون عن توحدهم مع رفاقهم المسلمين ويقولون للعالم من خلال هذه الأعلام من هم أصدقاؤهم الحقيقيون وأصدقاؤهم غير الحقيقيين. لم يفت المبشر ب «صدام الحضارات» رصد مشهد آخر في العام ذاته حين سار 70 ألف مواطن في مدينة لوس أنجليس الأميركية تحت بحر من الأعلام المكسيكية يعلنون معارضتهم مشروع قانون يحرم المهاجرين غير الشرعيين وأطفالهم من بعض المزايا الاجتماعية التي تمنحها الدولة. يتساءل هنتنغتون: لماذا يسيرون في الشوارع خلف علم مكسيكي ويطالبون بأن تمنحهم الدولة تعليماً مجانياً؟ من هذه المشاهد العابرة استطاع هنتنغتون أن ينسج، وربما يصطنع، مجموعة دلالات مقلقة وخطيرة. حاول جاهداً أن يصل بأية وسيلة إلى إثبات نظريته عن صدام الحضارات. كان عليه أن يلملم بعض المشاهد الصغيرة والانطباعات الذاتية ليبرهن وجود ظاهرة ما محددة في الزمان والمكان. لكنه تحت إغراء الظاهرة وإغواء التعميم خلط بين نسبية المشاهد والانطباعات من ناحية وبين صرامة النظريات السياسية والاجتماعية من ناحية أخرى. ولم يكن صعباً على هنتنغتون أن يدلل على مقولاته بشهادات مفكرين وسياسيين غربيين كبار. فالمفكر الفرنسي جاك ديلور يقول إن «الصراعات المستقبلية ستشعلها عوامل ثقافية أكثر منها اقتصادية أو أيديولوجية»، والمسرحي التشيكي فاكلاف هافيل أول رئيس لدولة التشيك الحديثة يؤكد أن «الصراعات الثقافية تتزايد وهي الآن أخطر من أي وقت سابق في التاريخ»، ووزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر يعتبر ان صدام الحضارات سيكون البديل مستقبلاً عن تنافس القوى الكبرى. حتى أمين معلوف المفكر والروائي الفرنسي من أصل لبناني في كتابه الأخير «اختلال العالم» يحذّر من صراع الهويّات، فيشبّه العالم بسفينة تمضي إلى الغرق بينما ركابها يتبادلون المشاحنات والشتائم، مؤكداً أن الانشطارات الأيديولوجية حلّت محلها انشطارات هووية، فراح كل واحد يؤبلس أعداءه ويطلق اللعنات في مواجهة الآخر. هكذا ومنذ انتهاء الحرب الباردة في بداية تسعينات القرن الماضي بدأ في اللحظة ذاتها خطاب غربي لا يكف عن الحديث عن صراع الهويّات الثقافية، وفي القلب منها صراع الهويّة الإسلامية مع قيم الحداثة الغربية. كأن العالم الغربي اكتشف فجأة وللمرة الأولى أن هناك مسلمين يقطنون هذا العالم! جاءت الطلقة الأولى في حرب الاستنفار الفكري والسياسي ضد الهوية الإسلامية على يد صموئيل هنتنغتون كما لو أن حجراً ألقي في بحيرة ساكنة فأحدث دوائر متتالية، كل دائرة منها تؤدي إلى أخرى أشد اتساعاً. ثم جاءت أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 لتسهم في الترويج لمقولات «صدام الحضارات» وتبدو تصديقاً لنبوءات هنتنغتون ربما بأكثر مما كان يتوقع. وبعد 15 عاماً من صدور كتاب «صدام الحضارات» ما زالت الدوائر تتوالى وتتسع. والأهم أن السؤال ذاته ما زال مطروحاً: ما هو قدر الأوهام والحقائق في خطاب صراع الهويّات؟ نقول الهويّات وليس الثقافات، لأن العولمة في العشرين عاماً الأخيرة قاربت بحكم الأمر الواقع بين ثقافات العالم. يمكن رصد هذا بسهولة في شوارع بكين أو القاهرة أو جدة حيث تصل الى أسماعك اللغة الانكليزية، وترى السيارات الفارهة، وتأكل الوجبات الأميركية، وتستخدم كل مظاهر التقنية الحديثة. لكن، ما زالت الهويّة هي العنصر الأكثر استعصاء على حركة العولمة لأنها تكمن في النفوس والعقول قبل أن تتجلّى في المظاهر والوسائل. (2) هل كانت مقولة صراع الهويّات أو الثقافات تعبيراً حقيقياً عن واقع إنساني ينطوي بالفعل على مسببات للصراع أم أنها جاءت في إطار اصطناع عدو جديد بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وزوال الخطر الشيوعي؟ من الطبيعي أن ينحاز الخطاب الغربي إلى التفسير الأول بينما يعتقد كثيرون في العالم العربي - الإسلامي في صحة التفسير الثاني. ما زال التفسير الأول الذي يتهم المسلمين والعرب بكراهية الغرب والسعي الى تدمير حضارته هو المهيمن على الخطاب الغربي على رغم مرور 15 عاماً على صدور كتاب «صدام الحضارات». ولعلّ شهادة أمين معلوف وهو ابن الحضارتين العربية والغربية، تستحق الانتباه، إذ يكتب بقلب بارد وقلم ساخن في كتابه الأخير «اختلال العالم»: «العالم العربي - الإسلامي يغوص أكثر فأكثر في بئر تاريخية يبدو عاجزاً عن الصعود منها، وهو حاقد على الأرض كلها - الغربيين، الروس، الصينيين، الهنود، اليهود - وعلى ذاته بالدرجة الأولى»! ربما يبالغ أمين معلوف في وصفه القاسي لأبناء جلدته لأن الروائي داخله هو الذي يعبر عن المفكر! أما هنتنغتون فقد اتسمت رؤيته عن صراع الثقافات بالحذق والذكاء وحاول أن يضفي عليها منهجاً علمياً مستخدماً الكثير من الأرقام والإحصاءات لكي يدلل على فكرة مركزية واحدة هي خطورة الإسلام على الحضارة الغربية وأن عامل الزمن يفاقم من هذه الخطورة، وهنا بالتحديد - في عامل الزمن - تتجلى ظاهرة الإسلاموفوبيا في العقل الغربي، فكيف ذلك؟ هناك مؤشران بالغا الأهمية تبدو المقارنة في شأنهما بين العالم الإسلامي - العربي وبين العالم الغربي مثيرة لقلق الكثيرين وخوفهم في الغرب. المؤشر الأول يتعلق بالنمو الديموغرافي. يكفي إلقاء نظرة على الأرقام الخاصة بالتفاوت السكاني الهائل بين العالم الاسلامي - العربي والعالم الغربي لكي نفسر وليس لكي نبرر المخاوف الغربية. ففي العام 1900 كان عدد سكان المجتمعات الغربية 44 في المئة من إجمالي عدد سكان العالم في الوقت الذي لم يكن يتجاوز عدد سكان المجتمعات الإسلامية العربية 4 في المئة من هذا الإجمالي. وفي العام 2010 تغير بل انقلب الوضع تماماً إذ انخفض عدد سكان المجتمعات الغربية إلى 12 في المئة من إجمالي عدد سكان العالم، في الوقت الذي ارتفع عدد سكان المسلمين والعرب ليبلغ 18 في المئة من إجمالي سكان كوكب الأرض. والمقلق أكثر لدى المحللين الغربيين أن هذا التفاوت الديموغرافي آخذ في التصاعد في العقود المقبلة على رغم التغيرات الاجتماعية والثقافية في المجتمعات الاسلامية - العربية وانتشار مفاهيم ونظم تحديد النسل. الأرقام السابقة تعني ببساطة أنه في خلال قرن واحد من الزمن تقريباً، وبعدما كان عدد سكان الغرب يزيد على عدد المسلمين والعرب عشرة أضعاف، فإن الوضع الديموغرافي انقلب تماماً ليصبح عدد المسلمين والعرب ضعفي عدد سكان العالم الغربي! فهل يبدو خوف الغرب مبرراً؟ (3) ما زال الهاجس الديموغرافي أحد أدق الهواجس في خطاب صراع الهويات. والعجيب أن هذا الهاجس لا يقلق الغرب إلا في مواجهة المسلمين والعرب فقط دون سواهم من الصينيين والهنود مثلاً والذين يشكلون وحدهم نحو بليونين ونصف البليون من البشر. هل لأنهم لا يشغلون الموقع الإستراتيجي ذاته الذي يشغله مسلمو وعرب الشرق الأوسط؟ أم لأنهم لا يتحكمون في أهم مصدرين للطاقة مثلما يتحكم العرب؟ أم ترى يكون السبب أن الانفجار السكاني في الصين والهند تصاحبه ديانات وفلسفات كونفوشية وهندوسية ذات نزعة صوفية لا تثير مخاوف الغرب، على خلاف الإسلام الذي يبدو لدى الغرب بديلاً قادراً على الاختراق يقدم إجابات عن أسئلة الوجود الكبرى بقدر ما ينشغل بأدق المعاملات الحياتية وأصغرها؟ هذه محاولات للإجابة يمكن اختبارها لاحقاً، لكن الذي يتعين طرحه الآن هو قدر الحقائق والأوهام في المسألة الديموغرافية. الحقيقة الأولى أن استمرار المعدلات الحالية للنمو الديموغرافي في العالم الإسلامي - العربي والعالم الغربي يمكن أن تفضي في الأعوام المئة المقبلة إلى صيرورة عدد سكان العالم الغربي أقلية مقارنة بعدد سكان العالم الإسلامي - العربي. وهي نتيجة تبدو معاكسة تماماً لما كان عليه الوضع قبل مئة عام مضت. فمع المعدلات الحالية للنمو السكاني يتوقع أن تصل نسبة عدد المسلمين إلى نحو 30 في المئة من عدد سكان العالم في الوقت الذي لن يتجاوز فيه عدد سكان العالم الغربي نسبة 01 أو 11 في المئة. يمكننا في ضوء هذه الحقيقة العددية الصمّاء أن ندرك مدى القلق الغربي من الانفجار السكاني في المجتمعات الإسلامية حين نتذكر - مرة أخرى - أن عدد سكان الغرب كان يمثل قبل مئة عام 44 في المئة من عدد سكان العالم بينما لم يكن يتجاوز عدد المسلمين نسبة ال4 في المئة. ولا شك في أن قضية الانفجار السكاني الإسلامي تثير مخاوف الغرب لما لها من انعكاسات عدة، من بينها تفاقم ظاهرة الهجرة من المجتمعات الإسلامية إلى البلدان الغربية. وهي الظاهرة التي تحتل بنداً ثابتاً في برامج الأحزاب اليمينية الأوروبية منذ عقود ونجحت هذه الأحزاب في توظيفها لإثارة مخاوف المواطنين الغربيين وكسب أصواتهم الانتخابية. فالقرب الجغرافي من أوروبا لمجتمعات الشرق الأوسط الإسلامية مثل تركيا والدول العربية، ورخص الأيدي العاملة في هذه المجتمعات المصدرة للهجرة، إضافة إلى الاحتياجات التنموية الغربية لهذه العمالة الرخيصة في مجالات العمل اليدوي الشاق مثل رصف الطرق وأعمال النظافة والتشييد والبناء... هذه الاعتبارات وغيرها جعلت من الهجرات المتزايدة إلى الدول الغربية واقعاً تقبله هذه الدول على مضض من دون أن تملك رفاهية الاستغناء عنه. هكذا ترتبت على ظاهرة الانفجار السكاني في المجتمعات الإسلامية التي تعاني في معظمها الفقر والبطالة ظاهرة الهجرة إلى الدول الغربية، ثم أفضت ظاهرة الهجرة بدورها إلى نشوء تجمعات سكانية إسلامية في قلب المجتمعات الغربية، وهي تجمعات استطاب لها العيش في ظروف اقتصادية واجتماعية مريحة مقارنة بأوضاعها المعيشية السابقة في بلدانها الأم. لكن الغرب بدأ ينتبه الى كون هذه التجمعات أتت من بلدانها الأصلية حاملة معها ثقافة مغايرة بدا صعباً بمرور الزمن تكيفها مع مجتمعها الجديد. وسرعان ما ظهرت على السطح مشاكل وصعوبات بطء عملية الاندماج الاجتماعي لهؤلاء المهاجرين المسلمين حتى على صعيد الأجيال الجديدة التي ولدت بعيدة من موطن الآباء والأجداد. كما أضافت معدلات الإنجاب العالية لدى المهاجرين المسلمين مقارنة بمثيلاتها لدى الأسر الغربية بعداً إضافياً مثيراً لقلق المجتمعات الجديدة. من هنا بدأ الحديث عن أسلمة أوروبا. وأسهم هذا كله في تأجيج مقولات صراع الهويات. ثم أدى اكتشاف بعض الخلايا الإرهابية في الغرب والتي كان من بينها مواطنون غربيون ذوو أصول إسلامية إلى النظر إلى الإسلام كحصان طروادة يريد به المسلمون اختراق المجتمعات الغربية. (4) الحقيقة الثانية أن الانفجار السكاني لدى المسلمين بات ينظر إليه كعنصر قادر على تحييد أو بالأقل إضعاف عناصر التفوق الأخرى في صراع آخر من صراع الهويات هو الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، لا سيما في المدى البعيد. ليس سراً أن معدل خصوبة المرأة الفلسطينية التي تنجب في المتوسط سبعة أطفال يمكن أن يفضي خلال أربعة أو خمسة عقود إلى تركيبة سكانية تثير خيالات مفزعة لإسرائيل حين يصبح هناك يهودي واحد في مقابل أربعة فلسطينيين بدلاً من النسبة الحالية وهي إثنان من اليهود في مقابل فلسطيني واحد. هذا وجه آخر من أوجه صراع الهويات لا يمكن التهوين من شأنه. هكذا يبدو الانفجار السكاني في العالم الإسلامي كما لو كان نوعاً جديداً من أنواع اليورانيوم المخصب الكفيل بإحداث دمار شامل، إن أضيفت إليه بعض الظروف والمكوّنات الأخرى. (5) الحقيقة الثالثة هي أن خصائص التركيبة السكانية للمجتمعات الإسلامية والتي كانت تعاني تقليدياً من الأمية والفقر والتخلف تبدو اليوم في طريقها إلى التحسن، على الأقل في بعض المجتمعات الإسلامية، الأمر الذي يضاعف من الهواجس الغربية في مواجهة العالم الإسلامي. فلم تعد هذه الجحافل من البشر مجرد كم مهمل من الأميين والفقراء والمرضى، بل أخذت معدلات الأمية في الانخفاض نسبياً، كما أدى اكتشاف النفط إلى ارتفاع مستويات الدخل والمعيشة وزيادة العمر المتوقع وتحسن الظروف الصحية، وكلها مستجدات تجعل من زيادة عدد السكان قيمة مضافة أحياناً، وإن كان الأمر يقتصر على بعض المجتمعات الإسلامية دون غيرها. ويعطي صمويل هنتنغتون مثالاً بالغ الدلالة عن هذه التركيبة السكانية التي يصفها بأنها معبأة اجتماعياً قائلاً انه في عام1953 عندما كان القادرون على الكتابة والقراءة من الإيرانيين لا يزيدون عن15 في المئة وسكان المدن أقل من17 في المئة تمكنت الاستخبارات الأميركية من قمع انتفاضة الشعب وإعادة الشاه إلى العرش. أما في عام 1979 عندما أصبح50 في المئة من الإيرانيين يقرأون ويكتبون وزادت نسبة من يعيشون في المدن إلى 47 في المئة، لم تستطع القوة العسكرية أن تبقي الشاه على عرشه أو تحول دون وصول الخميني إلى الحكم. ما يمكن فهمه من مثال هنتنغتون أن التعليم والتمدين عنصران مخصّبان للتركيبة السكانية في العالم الإسلامي يزيدان من وعي الناس ويطلقان لديهم نوازع التطلع والطموح والرغبة في الاستقلال الوطني والسعي لإثبات الندية في مواجهة الآخر. هذه كلها محفزات مقلقة للغرب، لا سيما حين تأتي من ثقافة مختلفة، لكن ما ينبغي استخلاصه أيضاً من قراءة مجمل أوضاع العالم الإسلامي أن معدلات الأمية ومستويات التعليم وواقع المعرفة ليست مرضية في حدها الأدنى. ربما طرأ تحسن نسبي وبدرجات متفاوتة في بعض المجتمعات الإسلامية في تركيا وماليزيا وإيران وأندونيسيا، لكن هذه مجرد حالات استثنائية. أما أكثرية مجتمعات العالم الإسلامي فما زالت تعاني من الأمية وتدني مستويات التعليم وتراجع قيم التقدم والمعرفة. فما الذي يعنيه هذا؟ الأمر يعني أن الانفجار السكاني في العالم الإسلامي وتحسن خصائص التركيبة السكانية فيه لا يبرران بالضرورة ودائماً هذا القلق الغربي المبالغ فيه من الإسلام. فالحقائق التي تعلنها الأرقام لا تخلو أحياناً من بعض الأوهام. وإحدى سمات العقل الغربي أنه مولع بالتعبير الرقمي والإحصائي عن ظواهر اجتماعية وسياسية معقدة. لكن كم تخفي الأرقام أحياناً من أكاذيب، وكم يمكن تطويع الإحصاءات لإثبات حقيقة ما من منظور معين؟ فالواقع اليوم أن النمو السكاني الهائل يمثل لأكثرية العالم الإسلامي نقمة لا نعمة، وعبئاً لا فرصة!! هذا واقع... لكن كم من الوقائع يمكن أن يتغير غداً؟ * الأمين العام ل «مؤسسة الفكر العربي»