ثمة ظاهرة جديدة - قديمة تطغى على مشهد تعليم اللغة الانكليزية في منطقة الشرق الاوسط عموماً وفي الخليج خصوصاً متمثلة بغزو اللكنة الاميركية ومزاحمتها لكنة الانكليزية المحافظة التي ينظر اليها البريطانيون العاملون في سياسات تخطيط تعليم اللغة الانكليزية في العالم، خصوصاً في العالم العربي، نظرتهم الى الملكة او الى قلعة وندسور التاريخية. فبعد هيمنة شبه مطلقة للمجالس الثقافية البريطانية في الشرق العربي بعد الحرب العالمية الثانية - حيث استهدفت ادارة المجلس بدعم من وزارتي الخاشرجية والتعليم البريطانيتين وغيرها من الهيئات افتتاح اكبر عدد ممكن من هذه المراكز في المنطقة بانتشار جغرافي مدروس - صحا اللوبي اللغوي الاميركي في المنطقة وبدأ يمد يديه ايضاً بصورة اكثر جدية تساعده في ذلك الهيمنة التامة لهوليوود والمسلسلات والبرامج والشبكات الاخبارية الاميركية في عصر الاقمار الاصطناعية. منطق الاميركيين في هذا الخصوص كان معززاً بقواعد وأعمدة كثيرة: تزايد أعداد الطلاب العرب في الجامعات الاميركية، تزايد أعداد الراغبين بالهجرة الى اميركا وكندا، تزايد أعداد الاميركيين العاملين في المنطقة، وعي المؤسسات التعليمية الاميركية بأهمية انشاء فروع لها في العالم العربي، وخصوصاً الخليج واخيراً تحبيذ الدارس العربي للغة الانكليزية اللكنة الاميركية الاسهل والاكثر مرونة من نظيرتها البريطانية، فهو يجدها اقرب الى اسلوب تفكيره وترتيبه للمفردات من اللكنة البريطانية التي تعتبر بمثابة الفصحى في اللغة العربية ومن ذا الذي - لا أبا لك - يتمنطق لسانه ببلاغة العربية هذه الايام الغبراء الماحلة للتعبير عن مكنوناته بنمق الكلام وأعذبه!!!. ومهما كانت دوافع الاميركيين، والتي غالباً لا تخلو من جانب البراغماتية التجارية، تدل المؤشرات الى انهم حققوا خلال السنوات الاخيرة انتصارات تحمل اكثر من مغزى. فالمعركة الصامتة بين الطرفين انجلت في اولى جولاتها عن تراجع محسوس لعدد الدارسين الجدد في المراكز الثقافية البريطانية في المنطقة. ووفقاً لاحصائيات من مصادر موثوقة في دوائر التربية والتعليم السورية تراجع عدد الطلاب المستجدين في المركز الثقافي البريطاني في دمشق من 460 طالباً عام 1996 الى 250 في العام 1997. اما في الجانب الآخر فقد ازداد عدد الطلاب في المدرسة الاميركية في دمشق بنسبة تجاوزت ال 54 في المئة في الفترة نفسها! والحال يكاد يكون اكثر تطرفا اذا اتجهنا نحو منطقة الخليج العربي وخصوصاً المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة، حيث تدل المؤشرات، على رغم امتناع الاطراف كافة عن تقديم ارقام رسمية، الى ان تراجع نسبة الدارسين للغة الانكليزية في المعاهد البريطانية بات أمراً يؤرق مسؤولي المجالس الثقافية البريطانية بل وحتى سفارات المملكة المتحدة. فقد عمد احد سفراء بريطانيا في منطقة الخليج في احدى المناسبات الى التعبير عن عدم رضاه عن المستوى الذي وصلت اليه احدى اعرق المؤسسات التعليمية البريطانية في المنطقة، وعزا ذلك الى موضوع "أمركة" اللغة. وبالفعل نشطت في المنطقة اخيراً المعاهد التعليمية الاميركية والتي من ابرزها مراكز خدمات تعليم "اللغة الاميركية" التي تعرف بالاختصار ELS التي تتواجد معاهدها في السعودية والامارات والكويت والبحرين ومصر وتنتظر توسعات أخرى في لبنان وسورية وسلطنة عمان وغيرها من دول المنطقة. ويرافق هذه "الهجمة" ايضاً انتشار خجول لمعاهد اللغة الانكليزية الاسترالية الجنسية التي يبدو انه دخلت الساحة متأخرة بعض الشيء، من غير ادراك لمدى تراجع الطلب على اللهجة الانكليزية التي تعتمدها الانكليزية الاسترالية الى حد بعيد. وان كانت فرنسا دقت منذ زمن ناقوس الخطر على لغتها التي لم تعد تلقى الاهتمام الذي كان ايام زمان ولم تعد تغري الاجيال الجديدة التي لا ترضى الا بالانكليزية بعد اللغة الام بديلاً، فإن بريطانيا بدأت بإعداد العدة لمواجهة انحسار اقبال الناس على اللغة الانكليزية - البريطانية. اذ بدأت سلطات المجلس الثقافي البريطاني بوضع خطط استراتيجية طويلة الامد تهدف الى ترغيب الطلبة الجدد بالانضمام الى مراكزها من خلال وسائط الترويج التجاري والحملات الاعلانية والاعلامية المكثفة وتسخير ادوات التسويق في سبيل رفع عدد الطلاب. وتقدر المصادر المطلعة ميزانية هذه الخطة بما يتجاوز المئة مليون جنيه استرليني حتى العام 2001. من ناحيتها فإن مراكز تعليم اللغة الانكليزية - الاميركية لا تبذل كل هذه الاموال الطائلة فهي تدرك تماماً ان "منتجها" مطلوب بشدة. على سبيل المثال تعتزم مجموعة اميركية هي "بيرلتز العالمية لتعليم اللغات" افتتاح مركز لها في ابو ظبي قريباً كما جاء في بيان صادر عن المؤسسة اخيراً. هذا الاعلان جاء متزامناً مع خطط مراكز تعليم اللغة الانكليزية - الاميركية في الشرق الاوسط ELS للقيام بتوسعات جديدة في المنطقة بعد تواجد حضورها المكثف في الاماراتدبي وابو ظبي والعين. ويعزو خبير في السلوكيات اللغوية التحولات الجارية على خريطة اللغات العالمية من حيث هيمنة اللكنة الاميركية على حساب اللكنة البريطانية الى عوامل سيكولوجية، موضحاً ان الاقبال على كل ما هو اميركي، خصوصاً من اجيال الشباب، يعتبر العامل الاساسي في المد الهائل للكنة اليانكي في المنطقة، وهو امتداد طبيعي للسلوكيات الخارجية الاميركية الاصل ابتداء بطريقة الارتداء المقلوب لقبعة البيسبول مروراً باحتفائيات الهامبورغر واخيراً وليس آخراً الحضور الاميركي سينمائياً وتلفزيونياً وتفضيل العديد من الشباب متابعة الاخبار فضائياً عبر ال CNN وليس ال BBC WORLD! أما الطموحات الطلابية بالدراسة في الجامعات والمعاهد الاميركية فعامل آخر لسيطرة اللكنة الاميركية في اوساط معاهد تعليم الانكليزية في الشرق الاوسط. يضاف الى ذلك انتشار العديد من فروع "الجامعة الاميركية"، التي لها وجود تاريخي في بيروت، في السنوات الاخيرة في العديد من دول المنطقة وخصوصاً الامارات العربية المتحدة. المعركة لم تنجلِ بعد عن حسابات الربح والخسارة الا ان أحفاد شكسبير قلقون للغاية فيما اليانكي الاميركي واثق تمام الثقة من حسم المعركة لمصلحته والتي يراها ليست ببعيدة في ظل سياسات العولمة والهيمنة وأمركة كل مستعد للأمركة... وما هم بقليل!.