«أوبك+» تتجه إلى إلغاء تخفيضات الإنتاج الطوعية تدريجيًا بدءًا من أبريل 2025    لبنان: أعمال عنف توقع سبعة قتلى على حدود سورية    الأهلي والقادسية صراع على ذهب السيدات    أخضر الشاطئية يواصل استعداده في بتايا    الاتفاق يتمسك بالشهري بعقد جديد    لودي يرفض قرار جيسوس    تطوير المساجد التاريخية والإرث المستدام لأجيالنا    «شارع الأعشى» يثير الجدل ويتصدر المشاهدة..    تقرير «مؤتمر أجا التقني» على طاولة نائب أمير حائل    محافظ الطوال يشارك في الإفطار الرمضاني الجماعي للمحافظة    سعود بن بندر: المملكة أولت الأيتام عناية خاصة    ضمن مبادرة وزارة البلديات والإسكان    وزير الداخلية يرأس الاجتماع السنوي لأمراء المناطق    تنامي طلبات نزلاء فنادق مكة على «الأكلات الشعبية» يعزز توظيف السعوديات    سعود بن طلال: مسابقات القرآن والسنة تعزز القيم الإسلامية والوعي الديني    مشروع «تعظيم البلد الحرام».. 300 ساعة تطوعية لخدمة ضيوف الرحمن    مدرب الأخضر يعقد مؤتمراً صحفياً غداً بالرياض    الشؤون الإسلامية: يمنع التسول داخل المساجد وساحاتها    مباحثات هاتفية بين ترامب وبوتين لأكثر من ساعتين    السعودية للشحن: شحنات التمور ارتفعت 64 % وننقلها إلى أكثر من 45 وجهة عالمية    ارتفاع عدد الشهداء في غزة إلى 419 شهيدًا والجرحى إلى 528    ‏سمو ولي العهد‬⁩ يرأس جلسة مجلس الوزراء‬⁩    سمو ولي العهد يُطلِق خريطة "العمارة السعودية" لتعزيز الهوية العمرانية في المملكة    ديوانية غرفة تبوك الرمضانية بوابة لتعزيز الشراكات وترسيخ لثقافة المسؤولية الاجتماعية    السعودية تدين وتستنكر بأشد العبارات استنئاف قوات الاحتلال الإسرائيلية العدوان على غزة    تغير الدوام حل للغياب الجماعي    الخارجية الفلسطينية تُطالب المجتمع الدولي بوقف فوري للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة    استمرار هطول الأمطار الرعدية وزخات البرد على عدة مناطق في المملكة    "الكشافة في الحرم المكي" أيادٍ أمينة تحتضن الأطفال التائهين بحنان    مستشفى خميس مشيط العام يُنفّذ فعالية "الشهر العالمي للتغذية"    قطاع ومستشفى النماص يُنفّذ فعالية "اليوم العالمي لمكافحة السمنة"    "الثلاثي السعودي آسيوياً وفرق الشرق"    الاتحاد السعودي للهجن يختتم دورة تدريبية لمنسوبيه    230 مليون سهم تداولات السوق السعودي    أكد أن نظام الإعلام الجديد يحفز الاستثمارات.. الدوسري: لا يقلقني موت الصحافة الورقية.. يقلقني موت الصحفي    تأمينا لخطوط الملاحة البحرية وحركة التجارة العالمية.. أمريكا تواصل ضرباتها لإفقاد الحوثيين القدرة على استهداف السفن    تأهيل الرعاية الصحية بالقطاع.. عبد العاطي: مصر والأردن تدربان الشرطة الفلسطينية لنشرها بغزة    الاحتلال الإسرائيلي يواصل الاقتحامات والاعتداءات وإرهاب السكان.. 45 ألف نازح في جنين وطولكرم بالضفة الغربية    انتهاء مهلة تخفيض المخالفات المرورية 18 أبريل    الحج لضيوف الرحمن: تجنبوا تحويل الأموال إلى جهات مجهولة    جهاز داخل الرحم (2)    الأمير سعود بن نهار يستقبل مدير صندوق تنمية الموارد البشرية "هدف"    محافظ الطائف يكرّم 43 طالبًا وطالبة فائزين بجائزة "منافس"    تكفينا جنة الأعرابي    العتودي مساعدًا لرئيس بلدية بيش    8 خدمات نوعية للقطاع الوقفي    مسجد "عِتبان بن مالك الأنصاري" مَعْلمٌ تاريخي يرتبط بالسيرة النبوية في المدينة المنورة    الموهبة رائد عسيري: الصدفة قادتني إلى النجومية    أمسية شعرية ضمن أهلا رمضان    تطبيق العِمَارَة السعودية على رخص البناء الجديدة    78 مليونا لمستفيدي صندوق النفقة    تتبع وإعادة تدوير لوقف هدر الأدوية    العلم الذي لا يُنَكّس    وكيل وزارة الداخلية لشؤون الأفواج الأمنية يتفقّد قوات الأفواج بمنطقة نجران    طويق جازان في مبادرة إفطار مرابط بالحد الجنوبي    وفاة الأميرة نورة بنت بندر آل سعود    إطلاق 16 كائنًا فطريًا في محميات العلا    نائب أمير منطقة مكة يستقبل رئيس المحكمة الجزائية بجدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلمان رشدي العبد المعتق
نشر في الحياة يوم 07 - 02 - 1999

سئل سلمان رشدي ان كان نادماً على "الآيات الشيطانية"، فنفى نفياً قاطعاً، وسئل ان كان ثمة احتمال لسحب الكتاب، فلم يزد سوى أن أكد ان "لا سانحة من جهنم. ان واحداً ممن احتج عليها لم يقرأها وان فعل فلم يفهم". وسئل ان كان مسلماً، فصرخ: "ما ندمت إلا على جهد أضعته بحثاً عن عقيدة"2. وذكره أحد الصحافيين إذا كان ينوي ان يتمشى في شوارع برادفورد مدينة بريطانية يقطنها مسلمون مرة؟ فحاول سلمان رشدي أن يتذكر مترفعاً: "برادفورد؟ هل شوارعها جذابة؟ "الاندبندنت"، السبت 26/9/1998.
الحدود المفبركة والحدود الحقيقية
من أين أتت "الآيات الشيطانية" وكيف يستخدم رشدي حرية التعبير؟ يقول جونسون في "نيو انتر انترناشيونال" ما أن تقوضت الشيوعية وانقشعت الحرب الباردة حتى ادركنا، في أوروبا، سراعاً كم كان الفرق بين العالم الحر والستار الحديد مفبركاً. أدركنا ان تلك الحدود لم تكن يوماً حقيقة وأن الحدود الحقيقية هي بين الغرب المسيحي والعالم وراء الغرب، الإسلام" "نيوستيتسمان" 14 كانون الأول/ ديسمبر، آر. دبليو. جونسون، حروب الأديان.
ألهذا يحتفل بتجديف سلمان رشدي وبالإساءة إلى الإسلام؟ لماذا يكفر الدكتور جورج كيري اسقف ليدز وقتها، ورئيس الكنيسة الانكليزية حالياً حين زعم في ربيع 1996 ابان قداس عيد الفصح ان قيامة المسيح ليست سوى رمز، أكثر منها قيام المسيح بالفعل، فقامت الدنيا ولم تقعد حتى تاب وأناب واستغفر الفاتيكان.
ولماذا اوقف عرض مسرحية "التوبة" Contrition عام 1983 في ما اذكر بعد الليلة الأولى بتهمة التجديف بحق التوراة؟
ولماذا منع عرض فيلم "الاغراء الأخير" لظهور المسيح في حال شبق بمريم المجدلية، ولا تسمح ويلز حتى الآن بعرض الفيلم بعدما افرجت عنه منذ عامين أو أكثر لجنة رقابة المواد الثقافية؟ وكيف يقدم غارودي إلى المحاكمة بتهمة إعادة تفسير بعض نصوص التوراة، في حين مجد العالم سلمان رشدي وما برح وقد غدا أهم وأشهر وأغنى؟
أين يذهب الرعاع؟
غدا الاحتفال بسلمان رشدي شعيرة احتفالية تنتظم أهم المناسبات وتستقطب أكبر الشخصيات حتى رؤساء الدول الكبرى، ولم يكن غريباً أن تكتظ قاعة "الجمعية البريطانية الخلقية" المحاطة بقوات الأمن في تلك الأمسية الصيفية البديعة من تموز يوليو 1989 باعلام الفن والسياسة يقرأون لسلمان رشدي ويطنبون في فنه، ويتبارون في الدفاع عن حقه في إهانة مقدسات الناس فوق حق أصحاب المقدسات المهانة، وفي غيابهم المتقصد واقصائهم، فلم يكن بين مرتلي قراءات سلمان رشدي مسلم سوى اثنين، فيما قبعت حفنة من الرجال الآسيويين المسلمين منزوين تحت حائط القاعة القصي والشرطة تشكل سياجاً بينهم ومن فاضت به القاعة، وبمن وقف صفوفاً خارجها حتى مدخل ميدان الأسد الأحمر.
أطل علينا سلمان رشدي يتوسط القاعة بالألوان الطبيعية عبر شاشة تلفزيون هائلة يقرأ نفسه في اعتداد وحاجباه "المافستوفيسان" من مافيستوفيس - فاوست ترتفعان مستعليتين في تخفف، وقد انبسط جبينه الشاحب إلى الوراء بصلافة.
وإذ تواردت قراءات رشدية من "الأبيات الشيطانية"، خصصت لكل قارئ منهم سلفاً، يتمايل الجميع نشوة والعصرية الصيفية جميلة بارعة.
قبلت المشاركة بشرط ان أقول رأي بعد القراءة. وقبلوا الشرط. وليس ثمة حاجة لخيال واسع للتكهن بما عينوه لي من النص إذ لم يكن سوى المقاطع التي تصف سليمان الفارسي يحرف ما يمليه عليه النبي وتلك التي يتجاسر فيها رشدي عليه وعلى زوجاته؟ قرأت جزءاً منها ثم بدأت أقول رأي.
قلت إن من يزدري بثقافة عريقة كالثقافة الهندية وديناً عظيماً كالإسلام ليس سوى كاره لنفسه ويبتذلها. وان سلمان رشدي يزدري نفسه وتاريخه وثقافته العظيمة ودينه، إذ يتطاول عليهما لحساب أسياده. وقلت إن انساناً لا يفعل ذلك إلا تطلباً لمقابل مدفوع سلفاً. وان سلمان رشدي ليس سوى واحد من تلك الرهائن البلاطية المجعولة لخيانة بني قومها بحكم تربيته ودوره، وقد فرد تفريداً خارج ثقافته وتاريخه مثله كمثل عبد اعتق يتجرأ على ما لا يجرؤ أسياده عليه فيتطاول على مقدسات قومه نيابة عن أسياده ولصالحهم.
ولما لم يكن وارداً "وصمي" بالارهاب ولا بالتطرف الديني - وقد عز عليهم ان يكون ثمة مسلمون "علمانيون" - فقد اسقط في أيديهم ان ثمة "معتدلين" يملكون تكدير متعة امسيتهم تلك يستمعون فيها إلى درر سلمان رشدي متلذذين بإراقة دم المسلمين ووصمهم بالتوحش جميعاً. وحاجة لخيال واسع لتصور الهياج والمقاطعة المتكررة لولا تدخل رئيس الجلسة:
- اذهبي إلى بلدك. عودي إلى بلدك.
عجبت للديموقراطية المجتزأة تلك، وسألت أن كيف يتسنى لسمان رشدي ما تسنى لسلمان رشدي، دون غيره فيما يطلب مني الدفاع عما لا حق لي فيه، حرية التعبير التي كنت قد طلبتها سلفاً.
- عودي إلى بلدك، خذي أولادك وعودي إلى بلدك3.
صناعة القهر
ما بين صدور "الآيات الشيطانية" عام 1988 ثم اعتذار سلمان رشدي عنها إلى الدفاع عنها إلى الرغبة في التوبة بعد صدور فتوى الخميني إلى تبرع سلمان رشدي بخمسة آلاف جنيه لضحايا الزلزال في إيران، إلى العودة مجدداً إلى فكرة اعتناق الإسلام، إلى تجدد الفتوى عام 1990 تحول سلمان رشدي أو حول إلى أهم وأثمن فرد في العالم الحديث. ففيما تكلف حراسة سلمان رشدي دافع الضريبة البريطاني مليون جنيه سنوياً، يعرض الناشرون عليه أعلى مقابل يحصل عليه كاتب.
وعرض ناشر أميركي على سلمان رشدي ما أن أحرق بعض المسلمين "الآيات الشيطانية" في برادفورد، 800 ألف دولار عام 1989 مقابل كتاب لم يكتبه سلمان رشدي بعد. وأصبح سلمان رشدي يقابل رؤساء الوزارات والدول على بساط الرئاسة الأحمر، وغدا الاعتداء على حريته - دون غيره - في التعبير اعتداء على المبادئ الإنسانية التاريخية السامية وعلى مبادئ العالم الحر قاطبة، بل على هيبة الدول. فقد أعلن ميتران عام 1989 ان الفتوى وحرمان سلمان رشدي من حريته في الاساءة الى الاسلام بمثابة اعتداء على مبادئ الجمهورية المستقاة من الثورة الفرنسية نفسها، ومن ثم فقد حق ان توقع العقوبات على المسلمين وبأن تجمد الاموال الايرانية في الخارج مثلاً كالعادة في سياق اتصال القرصنة الرأسمالية ويوقع الحصار الاقتصادي بحق المسلمين في كل مكان لأقل هفوة، وبلا هفوة.
وتشكلت في المقابل لجنة عالمية للدفاع عن سلمان رشدي. وتحول المدافعون عنه الى قبيلة عالمية تعزل وتلحق وفق معيار يسقط به كل مسلم معتدل او غير معتدل في الامتحان الديموقراطية وحرية التعبير وبات الانتماء الى حركة الدفاع عن سلمان رشدي شارة قضية حرية التعبير والتحضر مقابل بربرية المخالفين مهما كان الاختلاف وغدا الدفاع عن سلمان رشدي بمثابة تثبيت أهمية هؤلاء المتحضرين ورمز جاههم.
وفيما تحولت لجنة الدفاع الى قبيلة او "عصبية" عالمية التزم اعضاؤها عداوة الاسلام اصبح هاجسهم اللامتحفظ الدفاع عن فرد من دون غيره، وانتشرت للجنة العالمية للدفاع عن سلمان رشدي فروع في كل بلد "متحضر" ينخرط في عضويتها المتحضرون وابرز واشهر الناس قاطبة واشدهم حماساً وتطرفاً في الدفاع عن ذلك الفرد المفرد.
وليست صدفة ان اللجنة العالمية وافرعها لا تضم - علناً على الاقل - مسلماً واحداً، ولا يفكر في كيف ان مسلماً واحداً لا يجد نفسه مستعداً للدفاع عن سلمان رشدي وكأن كافة المسلمين غير ديموقراطيين. ولما كان الكل ارهب فانبرى يدافع عن سلمان رشدي دفاعاً عن حرية التعبير فقد غدا البعض رهينة ان يلقي بنفسه تحت الريبة او ان يعبر عن رأيه في سلمان رشدي فيغامر بفقدان شرفه الديموقراطي واصدقائه معاً. واستقطب المسلمون بين عنف الرد على "الآيات الشيطانية" ومن انسحق تحت وطأة "الرأي العام" الساحق الماحق - وغاب او غيب كل نقد او رأي معتدل ولم يسمح اصلاً به، وراحت الصحف وشاشات التلفزيون تستعرض جحافل المسلمين متطرفين يضربون صدورهم فتسيل دماؤهم بوحشية.
الآيات الشيطانية ستار دخان مسلسل الكارثة
لم يكن أي مشروع أو خطاب ما بعد رأسمالي غربي يملك ان يتجاسر على المسلمين ومقدساتهم كما تجاسر سلمان رشدي على المسلمين ومقدساتهم. وما كان لمؤامرة او تدبير يقصد المسلمين ومقدراتهم قمين بان يلحق بالمسلمين ما الحقت بهم "الآيات الشيطانية" وما برحت تفعل. ففيما يلاحظ انه لم يكن غريباً ان تصدر "الآيات الشيطانية" في شتاء 1988 مصاحبة النهاية الممسرحة لحرب الخليج الاولى باسقاط طائرة ركاب بپ"خطأ فني" وقع من احدى قطع سلاح القواعد الاميركية في الخليج العربي ولا بوصف ان "الآيات الشيطانية" وفرت ستار دخان للمذبحة القومية التي راح ضحيتها مئات آلاف من أعضاء حزب تودة ولا المعاهدات التي اجبرت بعض الدول في المنطقة على توقيعها ابان تعقيد الموقف في الخليج مع فبركة "أزمة" المدفع العظيم فجأة، وما تلاها من بداية التحرش والحشد العسكري لحرب الخليج الثانية.
الفرد والحرية
من اين يأتي الرهائن البلاطيين والعبيد المعتقلين؟ من هم هؤلاء الافراد المفردين خارج سياق تاريخهم وثقافاتهم؟ وهل الفرد المفرد خارج سياق تاريخه وثقافته حر؟ ان عملية التفريد اذ تتم خارج سياقها وشروطها التاريخية لا تنتج افراداً أحراراً بتفريدهم وانما تفرز شروط استلاب اقرب الى الاستعباد شديد التركيبية.
يتسم تفريد الافراد خارج شروط تفريدهم بمعنى تحريرهم بابعاد شديدة بحيث يمكن التباس ما قد يبدو تفريداً تحريرياً باشكال قهرهم اي باضعافهم اجتماعياً واقتصادياً. ذلك ان الفرد اللامفرد بشد الراء وفتحها يبقى عضواً في جماعة او قبيلة او عشيرة او حتى مجتمع ما قبل طبقي. وانه بذلك يبقى فرداً من جماعة تحميه وتمنحه هويته. فعضوية الفرد في جماعته الاولى تحميه وتخلق له شبكة علاقات الوجه للوجه او العلاقات الاولية "سندا" اجتماعياً بالحد الادنى يحفظ له قدره وقيمته الاجتماعية كفرد لا مفرد، سوى ان ذلك الفرد اللامفرد يبقى "حراً" بالمعنى التقليدي للحرية في المجتمعات السابقة على الطبقات او التي ما برحت الطبقات فيها في حالة تحول موقتة او ترانزيت او هي في حالة سيولة.
ان الفرد - اللامفرد هو - بالضرورة - عضو في جماعة ينتمي اليها اثنياً ويحتل داخلها مرتبة ويلعب ادواراً تتصل بتراتبات الدم وقرابية الاحلاف والجوار بقرابات مفبركة.
من شروط "الحرية" عندنا في السودان مثلاً ان من لا عشيرة او اسرة ممتدة له او قبيلة يعتبر في حكم الارقاء بغير تلك الشروط للحرية فيسترخص، اذ يكون مستهدفاً للاستلاب الاقتصادي والاقتهار الاجتماعي والزراية. من اشكال الاقتهار الجماعي الانكسار والاذعان للمهانة الجماعية والتاريخية والثقافية. وما هو اشد مهانة من "الآيات الشيطانية" عدم الرد عليها الا بالعنف. أليس غريباً ان يرهب الكل فيدافع تحت الارهاب عن حرية تعبير سلمان رشدي؟ اثمة اشد تعبيراً عن محنة المسلمين استقطابهم بين معتدل يدافع بلا تحفظ سراً ومهاجم متطرف؟
من يدفع ثمن تفريد سلمان رشدي؟
يلاحظ بامعان النظر ان تنويعات الرهناء البلاطيين والعبيد المعتقين والعبيد المقاتلين والمحظيات الملكيات والارباب كثير في العصر الحديث. ويحدث في التاريخ ان ثمة حالات يغدو فيها الفرد المفرد محض عبد معتق أو أمة محررة فيقوم بدور محوري في ممارسات الاسياد الاستراتيجية. ومما يلاحظ ايضاً ان للعبد المعتق دوراً مهماً في تيسير الوراثات والسياسات الوعرة، وبخاصة تلك التي تتصل بقمع قوم العبد الاصليين. فالعبد المعتق او المقاتل اصلح من يقوم بخدمة اسياده ونيابة عنهم في اوقات الازمة. ويكون العبد من الغرباء بمعنى انه من خارج القبيلة او العشيرة البلاطية او الدائرة الداخلية للحكام التقليديين. ويغدو هؤلاء افراداً "وظيفيين" functional او يقومون بأدوار وظيفية في عملية تجديد السلطة او اعادة انتاجها او في تسميدها وتيسيرها. ويسود هؤلاء الغرباء او الارباب او المحظيات الملكيات احياناً على اسيادهم. وقد يبرع بعضهم في منافسة اسياده احياناً فيزاودون على اسيادهم. فقد يفوق العبيد المعتقون والمحظيات الملكيات والرهائن الملكيون والأرباب اسيادهم ذكاء - او حكمة. ذلك انهم زيادة على الذكاء الذهني يملكون ذكاء غريزياً ينميه الغريب في الغربة وبعد نظر توفره الغربة والاغتراب والجمع بين اكثر من "ثقافة" اثنية أو نوعية، ويترتب على تفريد ذلك الفرد المفرد لصالح أسياده أن يدفع أبناء جلدته أو قومه أو ثقافية جميعاً ثمن تفريد ذلك الفرد المفرد. فمقابل ان يلحق ذلك الفرد المفرد بالبلاط او بالقبيلة الملكية - بالقبيلة المكوننة تقدم اعداد لا محسوبة من قرابين البشرية على مذابح تعميده عضواً في الجماعات الممتازة وتهدر ثروات قومية الخ.
صناعة الاصنام وتهشيمها
يخلق من ذلك الفرد ايقونة "معبود" تقام له المحاريب، ويضاف الى الآلهة، يستغل المجتمع المتسيد والثقافة الغالبة ذلك "الغريب" فيوظف في مؤسسات السلطة، ولا يغفر له البلاط ولا المؤسسة الكهنوتية - لا تغفر الثقافة المتسيدة للغريب تميزه وامتيازاته، إذ لا تمنح الامتيازات لغير الاجناس الممتازة من أسياد العالمين الا بضغينة4. ويلاحظ ان الغرباء في وادي النيل الاسراتي كانوا يقتلون بسبب حكمتهم القابلة للاستغلال الانتقائي في تكريس كهنوتية غير شرعية لحساب جماعة او اخرى او تدشين حكومة او جماعة سلطوية على حساب أخرى. ويكفر الرهينة البلاطية العبد المعتق وتنويعاته فيقتل او يستباح دم الحاكم الغريب عاجلاً او آجلاً ليس لكونه غريباً وحسب - مما قد يبدو هكذا على السطح - اذ لم يكن الغريب الاجنبي مبربر في وادي النيل الاسراتي كما كان الحال في اليونان - وانما خشية ان يراود الغريب ادعاء حكمة كهنوتية او سلطة الهية يبزّ بها اسياده اذ ما ينفك الغريب يتنافس على السلطة مع الشرائح السلطوية التقليدية التاريخية5. وتقديري ان العد التنازلي للاطاحة بسلمان رشدي قد يبدأ قريباً فالرأسمالية - المكوننة تصنع بنفسها اصناماً وفرانكيشتانات لادوار ووظائف تكتيكية وتعود فتهمشها بنفسها اذ لا تترك صناع الاصناع ولا تهمشها لغيرها.
هوامش
1 - ارسلت مقالاً منذ اسبوع لجريدة "غارديان" البريطانية الليبرالية ولا اعتقد ان ثمة سانحة في جهنم ان ينشر.
2 - يلاحظ ان امثال سلمان رشدي - من تنويعات من الرهناء البلاطيين والعبيد المعتقين والمحظيات الملكيات - يتكاثرون في زمان الاباحية الاقتصادية والثقافية والتاريخية - الكوننة - فيشتهرون باستباحة كل شيء وعلى التحديد بالتشهير بثقافتهم ومعتقداتهم في ظل ذل؟ الكوننة الوريف. وبقدر شراسة التشهير ترتفع اسهمهم. وبقدر موهبتهم على مسخرة ثقافات اقوامهم وتاريخهم بقدر ما يصعد نجمهم. ف "نجوميتهم" تضطرد تناسبياً ودرجة تواقحهم على تاريخ وثقافات ومقدسات قومهم - الاعداء الازليين لأسيادهم - والزراية بها نيابة عن اسيادهم من دراسة في عنوان: "الاقتصاد السياسي للشهرة والتشهير".
3 - عادل درويش وانا.
4 - يعتبر نورمان تيبيت Norman Tibbet رئيس حزب المحافظين آنذاك من القلائل الذين هاجموا سلمان رشدي في مقال نشر في احدى الصحف العريضة عام 1989 اتهمه فيه بالجحود لأفضال بريطانيا عليه ولما قدمته له من خدمات فقد علّمته وأهّلته حتى صار كاتباً مرموقاً، وطالب سلمان رشدي بالعودة الى بلده. كما كان احد الاوروبيين الشرقيين وقد دعي - غب الثورات المخملية أو الثورات الديموقراطية في بداية التسعينات - خصيصاً للاشتراك في الدفاع عن سلمان رشدي - تلك المناسبات الفاخرة التي لا يحضرها سوى علية القوم من كل مكان - اشار الى الاستفزاز الذي تحتويه "الآيات الشيطانية" فما كان الا ان اختصرت كلمته فأبعد بصورة لا تخلو من عنف بعيداً عن الميكروفون وعن الكاميرات. قيل في ما بعد انه أُخرج من القاعة بكاملها.
5 - أكدتُ أني ليست لاجئة وقلت ان لي بلداً اعود اليه ولم اكن يومها احمل الجنسية البريطانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.