اتهم احد كبار الاكاديميين الاميركيين المتخصصين في قضايا الشرق الاوسط رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو بأنه اقنع الناخبين الاسرائيليين بامكان تحقيق السلام بثمن رخيص وقال ان نتانياهو يبقى حالة استثنائية في الحياة السياسية الاسرائيلية لأن مفهومه للتسوية محصور باطار يجعل السلام مستحيلاً. وأشار عضو مجلس العلاقات الخارجية في الولاياتالمتحدة مدير مشروع "الولاياتالمتحدة - الشرق الاوسط" في المجلس هنري سيغمان في مقابلة مع "الحياة" على هامش القمة السنوية لپ"المنتدى الاقتصادي العالمي" الى ان هناك ادراكاً واضحاً في الولاياتالمتحدة لاتباع سياسة اكثر توازناً في المنطقة والى ان موقف الرئيس كلينتون وادارته المتجاوب ازاء المطالب القومية العربية يعود في الدرجة الاولى الى سياسة نتانياهو وفقدانه الشعبية والقبول لدى الرأي العام الاميركي. وقال ان قيام دولة فلسطينية بات امراً حتمياً لانه لا يعقل ان يكون ثلاثة ملايين شخص تحت الاحتلال الاسرائيلي في القرن الواحد والعشرين محذراً من مصاعب تعترض منطقة الشرق الاوسط قبل تحقيق السلام. وفي ما يأتي نص الحوار: هل لك ان تعرفنا اولاً الى مجلس العلاقات الخارجية؟ - المجلس هو الهيئة البارزة غير الحكومية في مجال العلاقات الخارجية، وهو اساساً يدرس قضايا السياسة الخارجية ويحاول ان يستبق وقوع الاحداث من اجل مساعدة وزارة الخارجية وبقية الهيئات صانعة القرار في حكومتنا للتعامل مع ما نعتبر انها قضايا ملحة في السياسة الخارجية. والمجلس يتعامل اولاً مع وزير الخارجية ووزير الدفاع، وتقريباً كل كبار قادة الادارة في كلا الحزبين الجمهوري والديموقراطي هم اعضاء شخصياً في مجلس العلاقات الخارجية، وبالتالي هناك ترابط وثيق بين المجلس وكبار اعضائه لأن معظمهم في الواقع مسؤولون حكوميون سابقون في مرحلة "انتقالية" اي انهم ينتظرون عودة ادارة جديدة ليرجعوا الى السلطة. تمويل المجلس يتم من مصادر فردية، من عضويات شخصية ومن الشركات ومن دعم المؤسسات. وهناك دعم عربي ايضاً من السعودية والكويت والبحرين ودول اخرى. ولدينا مجلس دولي منفصل يشرف على مشروعي حول "الولاياتالمتحدة - الشرق الاوسط". وفي هذا المجلس هناك سعوديون ومصريون ولبنانيون واردنيون وغيرهم. وهم جميعاً معنيون وجميعاً ممثلون. هل يمكن ان يخرج من صفوف اليمين مرشح آخر غير نتانياهو. وكيف يمكن ان يتصرف رئيس الوزراء المقبل؟ - ليس هناك احد مثل بيبي نتانياهو يمكن ان يكون مرشحاً لليمين في الانتخابات وذلك لسببين: الاول هو انه ليس هناك من مرشح جدي، بخلاف نتانياهو، ليس ملتزماً بمسيرة السلام، ثانياً ليس هناك احد يشبه نتانياهو في الطريقة التي يتصرف بها. اذا عاد نتانياهو ستكون لدينا مشكلات كبيرة. ليس لأن نتانياهو لا يرغب شخصياً في السلام. المشكلة هي ان مفهومه للتسويات التي يمكنه القبول بها لتحقيق السلام محصورة في اطار يجعل السلام مستحيلاً لانه يؤمن بأن السلام هو لعبة مجموع محصلتها الاخير هو صفر، ويؤمن بأن اي تسوية يقوم بها تنتزع من قلب اسرائيل، ومما دفعت اسرائيل الدم ثمناً له. قد يتعين عليه ان يقوم بذلك ولكنه يفكر بهذه الطريقة. اي شخص ينظر الى مسيرة السلام بهذه الطريقة، من اجل تبسيط الامور، لا يمكن ان يولد سلاماً. على الصعيد الآخر، اذا فاز مرشح مثل ايهود باراك او مرشح من حزب الوسط الجديد فستكون القضية مختلفة تماماً. ليس لأنهم جاهزون لدفع الثمن الذي عليهم، في رأيي المتواضع، ان يدفعوه في شكل واقعي بمعنى ان تكون هناك دولة فلسطينية تملك القدرة فعلاً على البقاء على قيد الحياة، وليس بعض المناطق الموزعة هنا وهناك. الفارق هو انهم لا يرون ان التسوية وكامل المسيرة السلمية سينجزان على حساب روح اسرائيل ودمها. الامر ليس مجرد معروف يصطنع من طرف واحد. نتانياهو يقول: نعطي، نعطي، نعطي وهم يأخذون، يأخذون، يأخذون. هم لا يرون الامر بهذه الطريقة بل ان العطاء للفلسطينيين يصب في مصلحة اسرائيل. انهم لا يصنعون معروفاً مع احد ولا يقدمون اي نوع من العطاء المجاني. ألا تعتقد ان الولاياتالمتحدة والرأي العام فيها باتا يشعران بالملل من تحمل سياسات اسرائيل؟ - في نهاية المطاف، حجم التأثير الذي يمارس في واشنطن على صناعة القرار لا علاقة له بدافعي الضرائب، لأن اسرائيل تتمتع بشعبية في الولاياتالمتحدة وستواصل التمتع بهذه الشعبية وان كنت لا اعتقد بأن نتانياهو يحظى بذلك، بل ان دولة اسرائيل هي التي تحظى بالشعبية. هناك التزام طويل الأمد مقبول على نطاق واسع من قبل الولاياتالمتحدة تجاه ضمان امن اسرائيل ورفاهيتها في حال كان عرضة لخطر رئيسي. على الجانب الآخر هناك ادراك متزايد في الولاياتالمتحدة في كل الدوائر ان العالم تغير اليوم ولم تعد هناك حرب باردة ولم يعد هناك اتحاد سوفياتي وأن المصالح الاميركية تتعرض لتحد بطريقة مختلفة لم تعرفها من قبل. واعتقد في هذا الخصوص ان موقفاً على غرار الموقف الذي يمثل بيبي نتانياهو ليس شيئاً يمكن للجمهور الاميركي ان يرضى به بعد الآن. هذا ما اهلّ الرئيس كلينتون للقيام بما اعتقد انه كان عملاً ذا اهمية حينما توجه الى غزة. كانت البادرة رمزية لكنها لم تكن فارغة المحتوى بل كانت حافلة بالمعاني. قلة من الاشخاص كانت تتوقع ان الرئيس سيقوم بذلك قبل اسابيع فقط من زيارته هذه. هناك ادراك واضح انه لا بد من اقامة توازن في السياسة الاميركية في المنطقة. ليس فقط لأن دافع الضرائب الاميركي غير مسرور، اذ ان مثل هذا الامر يتعلق بكيفية تفهم الناس مصلحتهم الوطنية. هل تعتقد فعلاً ان لهذه البادرة الرمزية اي اهمية في الوقت الذي ترفض الحكومة الاسرائيلية الحالية مسيرة السلام؟ - لا اوافق على هذا الرأي. بعض التأثير الخاص بالزيارة ضاع بسبب المشاكل الشخصية للرئيس. لكن لا يمكن ان نلغي من صفحات التاريخ ان رئيساً اميركياً هبط في المطار مع حاشيته وتقبل مفهوم تحقيق التطلعات القومية العربية. هذا يغير تركيبة الوضع بطريقة ملحوظة، ويجعل من السهل، على كلينتون او اي رئيس يخلفه، متابعة ومواصلة الاهداف الاميركية في جو اقل تشنجاً على الصعيد الداخلي. التقيت العرب والاسرائيليين في دافوس. ماذا كان انطباعك وهل لك ان تقارن بين طريقة تفكير كل من الطرفين حالياً؟ - الاسرائيليون هنا في دافوس يرغبون بشكل ساحق في تغيير حكومتهم وهناك اشخاص غير مسرورين بالوضع الحالي، لأن قطاع الاعمال في اسرائيل متأثر في شكل عميق بسبب وجود قناعة تسود الرأي العام بأن مسيرة السلام لا تفضي الى اي نتيجة، لا بل هي تتراجع. هذا يضر بمصالح قطاع الاعمال وقدرته على التنبؤ والتوقع والتخطيط وهم فعلاً غير مسرورين بهذا الوضع. في هذا الاطار، وللمرة الاولى، عمد قطاع الاعمال في اسرائيل ابان الانتخابات الاخيرة التي فاز بها نتانياهو الى تبني موقف معلن ازاء الانتخابات. واشتروا صفحات اعلان بأكملها دعماً لمرشحي الحزب العمالي. لم يقوموا بذلك على الاطلاق من قبل، وقد فعلوه لأنهم كانوا يشعرون بقلق بالغ على التجارة والمبادلات الاقتصادية والاستثمار في حال كانت ستفوز حكومة يمكن لها ان تعرقل مسيرة السلام. لكن لا يمكن اعتبار رجال الاعمال هنا ممثلين للرأي العام الاسرائيلي. باستثناء العقائديين والايديولوجيين الذين يمثلون 20 في المئة في اقصى تقدير، فان 80 في المئة من الاسرائيليين، يرغبون في السلام. لكن كثيرين سقطوا في وهم الاعتقاد، وعلى يد ليكود خصوصاً، بأن من الممكن الحصول على السلام بكلفة رخيصة. وهذا بكل بساطة لن يحدث. ماذا عن الجانب العربي في دافوس؟ - وجدت ملفتاً في احدى الجلسات، ان وزير الخارجية المصري عمرو موسى، الذي كان على الدوام ينتقد بشدة التكتيكات الاسرائيلية في عملية السلام وصاحب العبارة الشهيرة في قمة عمان عن "الاستعجال وليس الهرولة"، انه ابدى تأييده القوي ودعمه للسماح بالانشطة الاقتصادية واجراء اتصالات بين رجال الاعمال والاستثمارات من اجل اخراج مسيرة السلام من عثرتها الحالية. وقال مراراً: اشعر بتفاؤل كبير بأننا سنصل الى غايتنا. اذاً، كانت هناك نبرة تفاؤل سارة قد يكون وراءها احتمال تغيير القيادة في اسرائيل. تداعيات الازمة العراقية ألا تعتقد انها يمكن ان تهدد توازن الانظمة المشرقية او العربية في حال تم تقسيم العراق؟ - من الامور المثيرة للاستغراب ان المنطقة كانت، في معنى من المعاني، احدى اكثر المناطق استقراراً في العالم. هناك زعماء وقادة موجودون في سدة الحكم منذ وقت طويل اكثر مما في اي منطقة اخرى في العالم. هذا صحيح في الاردن ومصر وغيرها من الدول. عندما ننظر الى هذا الوضع فاننا نكتشف انه لا ينسجم على الاطلاق مع الصورة التي تتم تغذيتها باستمرار بأن منطقة الشرق الاوسط هي احدى المناطق الاكثر اضطراباً والاصعب على التنبؤ من اي منطقة اخرى في العالم. هناك استقرار خارج المألوف ساد هذه المنطقة حتى الآن. المشكلة بالطبع ان هذا الاستقرار يعود في بعضه الى نقص في التغيير في الثقافة السياسية لهذه البلاد لكن هذا لا يعني انه لن يحدث تغيير خلال الفترة المقبلة. فهذه سنة الحياة. الا ان السؤال هو: ما مدى قوى التغيير التي ستحصل؟ وما هو تأثيرها في عملية السلام؟ في هذا الخصوص اقول انه في ما يتعلق بالسلام هناك وضعان ممكنان. واعتقد ان بعض المبادئ والاسس تغير في شكل نهائي. وبقصد التبسيط اقول انه لا احد في العالم العربي يتحدث بعد عن ازالة اسرائيل وطردها الى البحر. هذا تغير ومهما حدث لن يكون هذا الموضوع جزءاً من القضايا التي سيدور النقاش حولها وهذا التحول بالغ الاهمية. التغير الاساسي الثاني: ستكون هناك دولة فلسطينية في القرن الواحد والعشرين، اذ ان العقل لا يقبل ان يكون ثلاثة ملايين شخص خاضعين في شكل دائم الى الاحتلال العسكري. هذا لن يحدث. هذان التغيران اساسيان. ولكن السؤال هو اي ثمن يجب دفعه على المدى القصير وعلى المدى البعيد قبل بلوغ هاتين النقطتين. هناك احتمال لوقوع مزيد من المآسي والآلام وعلى صعيد استقرار الانظمة التي ستخضع للتغيير. هذا امر بالغ الاهمية وعلينا ان نستعد على المدى القصير للتعامل مع وضع صعب للغاية.