في شارع متفرع من منطقة ال"أونيسكو" في بيروت، وعلى مقربة من القصر الذي اعطاها الاسم، لوحة اعلانية لمترجم محلّف. وإذ تشرع العينان في البحث عن مكتبه، عساه يكون في احد الأبنية الفخمة المحيطة بالمكان سرعان ما تفاجآن بأنه ليس سوى "فان" أصفر متوقف في استمرار على يسار الرصيف. وعن هذه "الفكرة"، الطريفة جداً، يقول المترجم علي حمية انها راودته بعدما هُدم مكتب له في المكان نفسه، قبل ثلاثة اعوام بغية توسيع الطريق ومن دون اعطائة تعويضاً "وبما ان امكاناتي محدودة قررت شراء "كارافان" ليكون مكتباً بديلاً. لكن محافظ بيروت السابق اصدر قراراً يمنعني من توقيف ال"كارافان" على الرصيف والحجة انه يشوّه المنظر العام، فلجأت الى ال"فان" قبل عام تقريباً". وعلى حميّة من مواليد العام 1950 في طاريا البقاع وحائز اجازة في الأدب الفرنسي من الجامعة اللبنانية 1984، وخوفاً من صدور قرار يمنعه من مزاولة مهنته، تقدم الى مباراة الدخول في كلية الترجمة هذا العام فحل أوّل بين المتبارين. ولكن نظراً الى بعد مكان الجامعة وتعارض دوامها مع دوام عمله، لم يتسجل "فأنا اداوم من السابعة والنصف صباحاً الى الثانية والنصف بعد الظهر لتحصيل لقمة عيشي". يتقن علي سبع لغات، ويتكلم الفرنسية والانكليزية والألمانية والتركية بطلاقة. وأصبح معروفاً لدى السفارة التركية وينسّق معها في ترجمة وثائق ومعاملات من دون أن يتقاضى منها بدل اتعاب". يعمل علي حمية في ال"فان" صيفاً وشتاء وينصب شادراً يقيه رذاذ المطر ووهج الشمس ويعاونه في العمل صديق له يؤدي بوظيفة السكرتير.ومن الممكن اعتبار ال"فان" مكتباً جوّالاً، فهو يحوي رفوفاً خشبية يؤرشف عليها المعاملات والوثائق، وآلة كاتبة وهاتفين نقالين وهاتفاً عادياً يعلق هوائيه على شجرة، فضلاً عن القواميس، مع يقينه "بأن القاموس لا يصنع مترجماً، لكنه يبقى دليلاً". وعن مدى تقبّل الناس فكرة مترجم محلّف في "فان" يروي حمية انه استصعب الأمر في البداية، لكنه ما لبث اناعتاده. اما الناس فيشككون في البدء بخبرته ويتشجعون على مناقشته في أمور كثيرة "فأنا أُمتحن من الناس خلافاً للمترجمين الآخرين من اصحاب الكاتب، كأنني لا أتمنى أن يكون لي مكتبي الخاص وسكريتيرات لأترجم في هدوء، ولكن من قهر الى قهر، تعلمنا بصعوبة ولانزال نحصّل لقمة عيشنا بصعوبة". ويروي حمية حادثاً طريفاً حصل معه ومفاده ان السفارة التركية ارسلت اليه محاميها فرفض التعامل معه نظراً الى أن المكان لا يليق به كمحام. وعن الأجر الذي يتقاضاه يوضح أنه ملتزم التعرفة المتداولة بين المترجمين "كرمى للزملاء، وكي لا يفهم الزبون أني أقل شأناً من غيري". وللتعريف بنفسه يوزع بطاقة طبع عليها خريطة الموقع الذي يوقف فيه ال"فان"، ونقش أرزة مذهّبة "شهادة على وطنيته" عسى أن يعطى رخصة استثمار للأمتار الأربعة التي يشغلها.