بدأ القائمون على قطاع الصناعة في سورية الاستعداد لمواجهة تحديات الدخول في "العولمة الاقتصادية" بعد الاتفاقات التجارية التي وقعتها سورية مع أطراف في المنطقة مثل الاتفاق الجمركي مع لبنان، ومنطقة التجارة العربية الكبرى الحرة، او لجهة اتفاقات مقبلة مثل الشراكة الاوروبية - المتوسطية والانضمام الى منظمة التجارة الدولية. وبدأ هؤلاء وضع تصوراتهم للآثار الاقتصادية والاجتماعية تحسبا ً لمرحلة ازالة العقبات الجمركية التي ستمكن حرية انتقال البضائع لا سيما الاوروبية، الى سورية. ويبدو ان عدداً من الشركات مهدد بالاغلاق لعدم قدرته على المنافسة، وبالتالي بتسريح عدد من العمال. وفيما اعتبر مدراء لمؤسسات صناعية حكومية ان بعض الصناعات سيستفيد من الشراكة من خلال تطوير التقنية الحالية ونقلها الى مصافي التقنية المتقدمة القادرة على انتاج سلع بمواصفات عالية الجودة ترضي اذواق المستهلكين في الداخل والخارج، أبدى آخرون قلقهم "لاستحالة صمود الصناعة السورية امام السلع المنتجة في دول كالهند وباكستان وتركيا التي تعقد اتفاق شراكة مع دول الاتحاد الاوروبي وتعتبر سلعها منافساً كبيراً للصناعات السورية بسبب انخفاض أسعارها مع جودتها". وكان وزير الصناعة السوري السيد أحمد نظام الدين قدر حاجة الصناعة السورية لاعادة التأهيل بنحو 284 بليون ليرة سورية 6.167 بليون دولار اميركي، حتى تتمكن من المنافسة بعد توقيعها اتفاق الشراكة مع الاتحاد الاوروبي. ولفت الى ان برنامج تأهيل القطاع الصناعي العام والخاص يشمل تطوير البنية التحتية للصناعة والخدمات المرافقة وتطوير البرامج الوطنية للتأهيل وتطوير واحداث الهيئات والمراكز الداعمة للصناعة في مجال التدريب والتأهيل المهني والاداري والفني. وأوضح ان منهج التطوير يجب ان يشمل معايير ضبط الجودة والتكنولوجيا والمعلوماتية وسبل التسويق، اضافة الى استحداث مراكز متخصصة في مجال النسيج والصباغة الجلدية والمفروشات والألبسة. وأبدى الجانب الاوروبي استعداده، خلال الاجتماعات التمهيدية للشراكة الاوروبية - السورية في دمشق أخيراً، للمساعدة في مجالات تطوير برامج التأهيل وتمويل انشاء المناطق والمدن الصناعية بالاعتماد على "البنك الاوروبي للاستثمار". وكان موضوع الشراكة السورية - الاوروبية في مقدم المحادثات التي اجراها وزير الخارجية الالماني يوشكا فيشر الذي تترأس بلاده الدورة الحالية لمجلس الاتحاد الاوروبي، في دمشق منتصف الشهر الجاري. واتفق الجانبان على ان يتم الاجتماع المقبل بين سورية والاتحاد الاوروبي في بروكسيل خلال الأيام 16 و17 من الشهر المقبل، من اجل دفع سير المفاوضات للوصول الى اتفاق الشراكة المطلوب بين الجانبين، في اسرع وقت ممكن. وتوقع مسؤولون في "المؤسسة العامة للصناعة النسيجية" ان تنافس سلعهم نظيراتها الاوروبية، لا سيما بعد تحديث مصانع المؤسسة السورية، لتصبح مستويات الجودة مقبولة فيها. لكن المسؤولين في المؤسسة حضوا كذلك على ان تتخذ الدولة عددا من الاجراءات لخفض أكلاف الانتاج، لا سيما مع تدني الصادرات النسيجية بسبب ارتفاع كلفة انتاجها. وعزا المسؤولون ارتفاع الاسعار لاسباب عدة، منها تحميل منتجات المؤسسات العامة الصناعية ضريبة انتاج زراعي تبلغ 9.5 في المئة من قيمة المواد الأولية القطن، ما يؤدي الى زيادة كلفة كل كيلو غرام من الغزول القطنية بنحو تسع ليرات حسب الاسعار الجارية اضافة الى رسوم تصدير عدة تزيد على 12 في المئة من الكلفة. ويلعب سعر الصرف الذي تعتمده شركات الغزل والنسيج والألبسة دوراً في زيادة الأكلاف اذ يحتسب سعر البيع على اساس ان الدولار يساوي 42 ليرة فيما سعر الصرف في الدول المجاورة يزيد على خمسين ليرة سورية ما يؤدي الى ارتفاع سعر المنتج السوري قياساً بمثيله في الدول المجاورة . وترتبط المؤسسة التي تضم 26 شركة مع الاتحاد الاوروبي بعلاقات تبادل تجاري وتتجاوز قيمة صادراتها السنوية ملايين الدولارات. معاناة وتوقع المعنيون ان تعاني الصناعات السورية من مصاعب لدى دخولها أسواق الاتحاد الاوروبي اذا ازيلت الحماية الوطنية وتوقفت المزايا التي يمنحها الاخير لسورية مع بقاء الاسعار والأكلاف على حالها. وينجم عن تحميل كلفة صناعة النسيج السورية عدد من البنود التي لا ترتبط بالعملية الانتاجية وتضخيم أكلاف الانتاج وبالتالي تدعيم القدرة التنافسية للمنتج مع اوروبا. وقال أحد المديرين ان الصعوبات ستتفاقم لدى توقيع الاتحاد الاوروبي اتفاقات تبادل تجارية مع دول اخرى تنافس بضائعها السورية، مشيراً إلى أن السلع المماثلة المنتجة في اوروبا عالية الاكلاف وسعرها بالتالي مرتفع، مقارنة بالسلع السورية. ومن المؤسسات الاخرى التي ستتأثر بالشراكة الاوروبية - السورية، "المؤسسة العامة للصناعات الكيماوية" التي تضم 14 شركة. وقالت دراسة أخيرة ان معظم سلع المؤسسة سيجد صعوبة كبيرة في المنافسة لارتفاع الكلفة وتدني الجودة اذا ما قيست بالسلع المنتجة في دول الاتحاد الاوروبي، علمًا ان المؤسسة لم تصدر حتى الان اي سلعة الى دول الاتحاد فيما تجاوزت قيمة وارداتها 55 مليون دولار عام 1996. وتوقع الخبراء، في حال فتحت السوق السورية امام المنتجات الاوروبية، توقفاً كلياً أو جزئياً لأعمال بعض الشركات في القطر بسبب عدم القدرة على المنافسة ما قد ينجم عنه توقف ما يزيد على خمسة آلاف عامل وخسارة مادية لا تقل عن خمسة بلايين ليرة سورية. وتعتبر السلع التي تنتجها "المؤسسة العامة للصناعات الهندسية" بدائل للمستوردات وتعتمد اعتماداً كلياً على مواد أولية مستوردة لا يوجد فائض لدى "العامة للصناعات الهندسية" للتصدير حالياً، مع اعتبار عدم قدرة منتجات المؤسسة على المنافسة مقارنة بالسلع الاوروبية المماثلة لتدني جودة الاولى وارتفاع سعرها وتخلفها لجهة التطوير، عن السلع المثيلة والحديثة. وتضم المؤسسة 12 شركة ومصنعاً لانتاج الكيبلات والتلفزيونات والبرادات وافران الغاز والبطاريات السائلة والجافة والكبريت واقلام الرصاص والخشب المعاكس واللاتيه. ويتوقع ان تعاني الشركات التابعة ل "المؤسسة العامة للصناعات الهندسية" مصاعب لجهة تسويق انتاجها، حتى في السوق السورية، بعد تطبيق مبدأ التجارة الحرة مع البلدان الاوروبية، بسبب ارتفاع الاسعار وتدني حجم الانتاج للمؤسسة السورية. وترتبط المؤسسة بعلاقات واسعة مع الدول الاوروبية التي تعتبر المورد الاساسي للآلات والتجهيزات وقطع الغيار ومستلزمات الانتاج التي تحتاجها المؤسسة وشركاتها التابعة. وبلغت واردات "المؤسسة العامة للصناعات الهندسية" من الاتحاد الاوروبي في عام 1995 خمسة ملايين دولار. أما "المؤسسة العامة للاسمنت" التي تدير ثماني شركات فلا يكفي انتاجها السوق المحلية، وبالتالي لا يتوقع المعنيون ان تتأثر عمليات المؤسسة لدى انفتاح الاقتصاد السوري وتعامله بمبدأ التجارة الحرة مع اسواق الاتحاد على اعتبار ان الاسمنت ملوث للبيئة ومردوده قليل، ما سيرفع الطلب عليه في حال فتحت مصانع سورية. وينطبق الوضع على "المؤسسة العامة للسكر" لان انتاجها من السكر لا يغطي حاجة سورية، علمًا ان المؤسسة تنتج السكر من الشمندر السكري ومن تكرير السكر الخام ويبلغ انتاجها السنوي من السكر المستخلص من الشمندر عشرة آلاف طن ومن السكر الخام بعد تكريره 90 ألف طن. ويسوق كامل انتاج المؤسسة محلياً ولا يكفي حاجة البلاد التي تزيد على 300 ألف طن. في السياق ذاته، قدر خبراء ان تتعرض "المؤسسة العامة للصناعات الغذائية" لخسارة مادية تقدر بين 700 مليون وبليون ليرة وإلى تسريح نحو ألف عامل في حال تطبيق اتفاق الشراكة بين سورية والاتحاد الاوروبي. وترتبط الشركات التابعة للمؤسسة حالياً بعلاقات تبادل تجاري مع دول الاتحاد. وزادت قيمة صادراتها عام 1995 على عشرة ملايين دولار، كان اهمها اللفت والبصل المجفف والفستق السوداني. ووصلت واردات "المؤسسة العامة للصناعات الغذائية" من دول الاتحاد الاوروبي الى نحو ثمانية ملايين دولار سنوياً، وكان أهمها الحبيبات البلاستيكية والآلات والتجهيزات والزبدة وعطر الصابون. وتضم المؤسسة 25 شركة ومصنعاً ويزيد انتاجها على حاجة السوق سيما في ظل انتاج مشابه من القطاع الخاص. ولا يخشى القائمون على المؤسسة من المنافسة الشديدة التي سيواجهونها لجهة التغليف والتعبئة، لكنهم يطالبون "بتأمين الحماية اللازمة للصناعات الغذائية الوطنية في المراحل الاولى من انفتاح السوق السورية امام الصناعات الاوروبية، إضافة الى توطين التقنيات الحديثة لإنتاج الصناعات الغذائية في القطر، والاهتمام بالتعبئة لانتاج سلع ترضي ذوق المستهلك الاوروبي في المستقبل بما يكفل لها المنافسة". واقترح المعنيون على المفاوضين تعويض الشركات الصناعية المتضررة بما يغطي خسارتها المتوقعة بعد انفتاح السوق والتي قدرت بنحو عشرة بلايين ليرة اضافة الى تقلص فرص العمل في الصناعات السورية بسبب المنافسة والمقدرة بتسعة آلاف فرصة. واقترح خبراء على القائمين على الصناعة في سورية اعادة النظر في بنود التكاليف وحسابها وفق الاسس العلمية الصحيحة واستبعاد البنود التي لا ترتبط بالعملية الانتاجية وبالتالي تحديد الأسعار وفقاً لبنود الكلفة الفعلية. وأكد هؤلاء ان اعادة النظر في استهلاك الاصول الثابتة بما يتفق مع عمرها الانتاجي والزمني تقود الى خفض الكلفة ثم الاسعار وبالتالي زيادة قدرة المنتج على المنافسة مع التأكيد على ضرورة اعتماد سعر صرف واحد يتفق ويتساوى مع اسعار القطع في الدول المجاورة لتحسين فرص التصدير وزيادتها للصناعات السورية من دون تحمل اعباء اضافية. قطاع خاص وفي المقابل لا يبدي القطاع الخاص اهتماماً كبيراً للمقبل المجهول. وقال أحد الصناعيين في القطاع: "لست معنياً بالشراكة وغيرها، انا معني بيومي هذا وبالركود الذي نشهده وعندما تأتي الشراكة سنتدبر امرنا"! فيما قال آخر: "في واقعنا هذا لا نستطيع التنافس فكيف يمكننا ان ننافس بضائع اوروبية جودتها وأسعارها افضل في الغد". وطالب هؤلاء الحكومة بدفع تعويضات من أجل إعادة تأهيل القطاع الصناعي في سورية وتحديث الآلات، كما اعتبروا الفترة الانتقالية المتاحة غير كافية "واغلب صناعاتنا عليها السلام".