عندما عرفت الينا فيرنانديز ريبويلتا من امها هوية ابيها، شعرت، "كما لو ان عصا سحرية حولتني الى اميرة". طلبت من امها: "ماما اتصلي به فوراً، عندي الكثير لأقوله له". لكن في ذلك الوقت لم يكن البطل الثوري والحاكم الأوحد لكوبا، فيديل كاسترو، مستعداً للحديث مع عشيقته السابقة ناتي ريبويلتا، التي تنازلت عن كل ما تملكه من حلي ومجوهرات لكي يشتري اسلحة للثورة والنضال ضد الديكتاتور باتيستا. رغم رد الفعل السلبي للأب، بدأت الينا في الكتابة لأبيها "رسائل ابنة صغيرة حلوة، تلميذة نموذجية، طفلة شجاعة وحزينة. رسائل حبيبة سرية ومجروحة، ملفوفة بخيوط". لكن رسائل تلك العاشقة الصغيرة بقيت من دون جواب. نشرت الينا 41 عاما كتاباً في اسبانيا، هو عبارة عن رسالة طويلة الى الأب تحت عنوان: "الينا، ذكريات ابنة فيديل كاسترو المتمردة". كانت متمردة مثل ابيها، ولكن ليس بالاتجاه نفسه. فعانت في كوبا من حكومة كاسترو وتمردت ضد شعار القائد: "الاشتراكية او الموت". واعترافات ابنة كاسترو التي كتبتها في خمسة اسابيع اثناء اقامتها في برشلونة، ليست كتاباً سياسياً تحريضياً، او كتاباً يحتوي على شتائم ثأرية. فهذه الاعترافات هي كتاب تطوف المؤلفة من خلاله في خيالاتها، فتشق طريقها في العاصمة الكوبية هافانا تجمع المعلومات عن كوبا التي حولها الأب الى "بيت فقراء". وعلى طول صفحات الكتاب الپ239، لم تطلق على كاسترو تعبير "الأب". عندما كانت طالبة، كان عليها الكفاح، لكي يُسمح لها بحمل اسم كاسترو، وحين وافق "الكوماندانتي" على منحها اسمه، اعادت هي النظر في قرارها: فهي كانت، من دون لقب، تعيش عبئاً وراثياً، فكيف سيكون وضعها عندما تحمله! حاول كثيرون التقرب منها للحصول على بعض الامتيازات من الرجل القوي في كوبا. وعندما كانت تخيب ظنهم، ولا يحصلون على مبتغاهم يكرهونها ويشتمونها. هكذا لم يطل الوقت حتى شعرت بنفسها سجينة أبيها الذي احتفظ بها وحافظ عليها عن طريق استعباد نفسي وفيزيائي، لم تنته منه حتى قبل اربع سنوات، عندما استطاعت الهرب الى الولاياتالمتحدة، وحيث لا تزال تعيش في نيويورك. يبين تصويرها الذي لا يرحم، والذي غالباً ما يمتزج بالسخرية والكوميديا السوداء لأقارب وزملاء العاب الطفولة، كيف ان اعتق قائد شيوعي على الكرة الأرضية نجح حتى الآن، في التعتيم على حياته الشخصية بصورة جيدة. وما تفعله ألينا يزيل السحر في النهاية عن الأب، خصوصاً في تصويرها له، كشخص اناني يحب السلطة، غير قادر على منح الحب لا لأبنائه، ولا لأحد، والذي ظل محافظاً وبحماس على شخصية المتسلط العنيف: "لقد كلفني الكثير الاقتناع بأن فيديل بالذات، وباشارة من اصبعه، ارسل رفاقه القدامى للاعدام". تصف الينا فيرنانديز دخول الثوار المنتصرين الى هافانا في كانون الثاني يناير 1959 بعين الطفلة التي كانت في الثالثة آنذاك: "كنت اجلس امام التلفزيون بقبعة الكشافة وأعض على عظم من البلاستيك يعطونه للكلاب. وفجأة راح يتغلغل في الغرفة هتاف تعيش كوبا الحرة، ثم امتلأت شاشة التلفزيون بالرجال، بينما تعلقت بالعربات كتل متراصة مثل القرود، يشيعون الرعب في المرء، سيطروا على الشوارع تماماً. كانت العربات تسمى بدبابات شيرمان، تحمل متمردين بشعور طويلة. حينها اختفى دونالد داك وميكي ماوس للأبد، لنرى في التلفزيون ومنذ اربعين عاماً رجالاً ملتحين فقط". تروي الينا قصة اربعة اجيال من النساء الكوبيات. الجدة ناتيكا، التي يبلغ عمرها الآن 96 عاماً، والتي ما زالت تعيش مع ناتي هناك، والتي سمحت ذات مساء في بداية الخمسينات للسياسي الشاب المعارض فيديل كاسترو بالدخول الى بيتها برغم اعتراض طباخة العائلة البورجوازية السوداء التي صرخت: "لا تفتحي الباب، في الخارج يقف الشيطان". كان على العجوز ان تعاني بسبب مساعدتها، لناتي ولكاسترو ان يعيشا لحظة حب عابرة، وحين ولدت الينا في 9 آذار مارس 1956، اخذت ناتي التي كانت مسحورة بكاسترو ترسل ناتيكا الى سلسلة جبال سيبرامايسترا، حيث العشيق يهيئ مع رفاقه لاسقاط الديكتاتور باتيستا: "تحت الخطر، كانت ناتيكا تسلم فيديل المال وجبالاً من الشوكولاته. كان فيديل مدمناً على اكل شوكولاته ماركة برالين، المشهورة في الاحياء الأرستقراطية". لكن عطايا الحب تمنع فيديل من الوقوع في حب رفيقة النضال ثيليا سانشيز، "ساحرة شريرة"، كما كانت تسميها الصغيرة ألينا. تقول المؤلفة ان الكتاب الذي يضعه النقاد في مصاف مذكرات سفيتلانا، ابنة ستالين، انه : "الشيء الوحيد في حياتي الذي استطعت اتمامه"، وهي تأمل عن طريق كتابته ونشره بالحصول على وجود جديد لها من خلال الكتابة، والتمكن من تصفية حسابها مع اصلها، لأن الاب المتسلط هو، في عين ألينا، المذنب الوحيد الذي بسببه فشلت في كل شيء. كان فيديل يحتاج لكيميائيين فأرادت الام اجبارها على مزاولة هذه المهنة وانتزعتها من مدرسة الباليه، رغم ان ألينا كانت راقصة باليه موهوبة. رغم تسجيلها رقماً قياسياً في السباحة، لم يسمح لها بالدخول الى مدرسة الرياضة. وعندما درست الطب لمدة ثلاث سنوات، لم يسمح لها بالامتحان، لانها غابت مدة اسبوع ثم انتسبت الى المدرسة الديبلوماسية، لكنها طردت بعد سنة، بسبب رفضها المشاركة في تقريع علني لزميل، اراد مغادرة البلاد. بعد فترة قصيرة يجد لها الأب وظيفة في القصر، في مكتب هيئة استشارية قريبة منه. كان عليها تعلم الروسية والترجمة من الفرنسية التي تجيدها. تستمر الينا في وظيفتها هذه بسبب السهر الطويل في القصر، والمحادثات السياسية الليلية الطويلة. وحين اصبحت ألينا عارضة مشهورة ومسؤولة عن علاقات الترويج في بيت الموضة الكوبية، يأمر كاسترو باغلاق البيت. وأشد ما كان يرعب ألينا، هو تدخل ابيها في علاقاتها العاطفية. فهكذا فشلت زيجاتها الاربعة بسرعة. العريس الاول كان ضابطاً في الاستخبارات حاول ابوها اقناعها بعدم الزواج منه: "ربما لا تعرفين انه سبق وان سجن. انه ليس لصاً فقط، انما مغتصب! فمعروف عنه انه اغتصب سجناء بينما كان يحقق معهم". تأجل الزواج خمسة شهور ليتم الاحتفال بعدها بحضور الكومانداتي، شريطة ألا يحضر الحفل اصدقاء ألينا، ومن بينهم هيلديتا، ابنة تشي غيفارا. الزوج الثاني ارسله كاسترو الى الحرب في انغولا. وعندما حملت ألينا من زوجها الثالث، امرها ابوها بالاجهاض لأن اباه يعمل راقصاً. اما الزوج الرابع، فكان رجل اعمال من المكسيك، عندما حاول اخذ إلينا معه إلى بلاده كان عليه مغادرة كوبا دون ابنة القائد. ظلت ابنة كاسترو سجينة، وكل التماساتها بالسفر كانت تلاقي الرفض، ما حملها على حلق شعرها، تشبهاً بنزيلات السجون. كان جواسيس وزارة الداخلية يراقبونها، وكذلك الجيران وحتى الام التي ظلت متعصبة للثورة. الى ان تمكنت من مغادرة كوبا متنكرة وبجواز سفر امرأة اسبانية، في 19 كانون الاول ديسمبر 1993 تاركة السجن خلفها.