زارني منذ عهدٍ قريب أحد أصدقاء الطفولة هو اليوم شاب في مطلع العمر. كان صديقاً منذ أكثر من خمس عشرة سنة مضت. أتاني حاملاً معه صورة مرّ عليها الزمن دون أن يغيّر ألوانها. أعادتنا خمس عشرة سنة الى الوراء، عندما كنا نلعب في حديقة المنزل. كنا يومها صغاراً نفرح ونلهو غير عابئين بالغد. وللصغار عادة ضحكاتهم المشرقة خاصة عندما يلعبون أو عندما يُطلب منهم أن يبتسموا لعدسة الكاميرا. ما أدرانا يومها أن الغد سيفرقنا ويمحو تلك الابتسامات والنظرات الخاصة الى الأشياء. أخذتُ الصورة من يده ورحت أفكر في أيام الطفولة وفي السنين الطوال التي مضت. وهل الزمن فعلاً غيّر فينا كل شيء. أما هو فبادرني بالسؤال ان كنت أتذكره جيداً وهل ما زلت أعرف اسمه. كان امتحاناً صعباً أن أرجع بعقارب الزمن الى الوراء البعيد. لم أعد أعرفه إلا من خلال تلك الصورة التي بقيت في وقف الزمن هي هي لم تتغيّر، أما نحن فكلما تقدمنا في العمر تسارعت وتيرة اللحظات أكثر وأصبح لذكرياتنا رصيد. حينها راح يحكي قصته الطويلة وكيف سافر بعيداً هو وأهله. ماذا فعل طيلة هذه المدة وما الذي أتى به الى هنا بعد طول غياب. لكن، ما السر في تلك الصورة؟ سألته لعلني أستذكر جيداً أيام ولحظات لا ترجو منها البقاء إلا قليلاً. أجابني ضاحكاً إنها الشيء الوحيد الذي بقي في جعبته من سنين الطفولة. إنها الدليل الوحيد على صداقتنا. كلمات شعرت من خلالها بمحبة منذ أكثر من خمس عشرة سنة حملتني للإطمئنان على بقية أعضاء ذلك "الفريق الذهبي" فريق الطفولة، فرحت أسأله عن هذا وذاك لعله يملك الإجابة عن الأسماء الباقية. ماذا يفعلون وأين هي ديارهم؟ عرفت حينها السر في تلك الصورة: "البحث عن الطفولة في عمر الشباب". أما هو فغادر معاهداً نفسه أن يجمعنا من جديد ويلتقط لنا صورة أخرى، لكن، هذه المرة، ونحن أكبر بخمس عشرة مرة. تجربة أعادتني الى الوراء وطرحت في بالي ألف سؤال وسؤال. لكنها علمتني أننا مهما كبرنا ستشرق دائماً شمس الطفولة فينا، وأن الصداقة كلما عتقها الزمن أصبح طعمها أطيب. بيروت - جورج الحوراني