تدفق عشرات الآلاف من اليهود المتدينين المتزمتين ذوي القبعات السوداء الى شوارع مدينة القدس للتظاهر ضد المحكمة الاسرائيلية العليا، في سابقة ترى فيها الغالبية العلمانية خطراً يهدد "الحكم الديموقراطي" في الدولة اليهودية. وفي اطار عملية "الكهرباء الساكنة" للشرطة الاسرائيلية، تحوّل مقر المحكمة العليا الى ثكنة عسكرية تحسباً لوقوع هجمات محتملة من جانب المتدينين الحريديم على القضاة، فانتشر عدد من الجنود القناصة على سطح المبنى فيما انتشر اكثر من الفي شرطي في مناطق مختلفة في المدينة لمنع الاحتكاك بين الحريديم والعلمانيين الذين قاموا بتظاهرة مضادة تأييداً للمحكمة العليا. وجاءت التظاهرة في اعقاب الفتوى الدينية التي اعلن فيها الحاخام عوفاديا يوسف الزعيم الروحي لحركة "شاس" الدينية ان قضاة المحكمة العليا "اعداء" ويحاولون "تدمير اليهودية". وحاول الرئيس الاسرائيلي عيزرا وايزمن ورئيس وزرائه بنيامين نتانياهو حتى اللحظة الاخيرة منع التظاهرة التي شارك فيها، حسب تقديرات الشرطة، نحو 250 الف شخص، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل. وشارك في التظاهرة كبار الحاخامين اليهود على رغم ان المستشار القضائي للحكومة الياكيم روبنشتاين اصدر قراراً يحظر مشاركتهم فيها. وابرزت التظاهرة الضخمة مدى احتدام الحرب الثقافية بين المتدينين والعلمانيين حول طبيعة الحكم في الدولة اليهودية التي يشكل العلمانيون اكثر من 70 في المئة من سكانها اليهود وتتحكم الاقلية المتدينة بالشؤون الحياتية في مجتمعها. واتهمت اوساط العلمانيين اليهود المتدينين بشن "حملة تحريضية" ضد المحكمة العليا التي شرعت في الاشهر الاخيرة بالنظر في قضايا عدة يرى فيها المتدينون مسّاً بأحكام الديانة اليهودية وتشريعاتها. ومن هذه القضايا فتح المحلات التجارية ايام السبت خصوصاً في القرى الزراعية الكيبوتسات وبتّ مسائل التهود والاعتراف بالمتهودين كيهود رسميين وتسجيل ذلك في بطاقاتهم الشخصية والسماح للنساء اليهوديات بالصلاة الى جانب حائط المبكى البراق، كذلك في محاكمة زعيم حركة "شاس" الدينية أرييه درعي الذي يفترض ان تصدر المحكمة المركزية في القدس قريباً حكمها في حقه. واعرب العلمانيون في اكثر من مناسبة عن استيائهم من المتدينين الذين يرون في الدولة "بقرة حلوباً" يحاولون استغلالها، ولكنهم لا يريدون احترام قوانينها. ولا يتورع العلمانيون عن وصف المتدينين بأنهم "عالة على الدولة" و"يعيشون على حساب غيرهم"، فهم لا يخدمون في صفوف الجيش وفي الوقت ذاته يحصلون على مخصصات ضخمة من موازنة الدولة. وللمتدينين اليهود يشكلون 10 في المئة وزنهم في صنع القرار السياسي في اسرائيل، اذ ترجح اصواتهم في معظم الاحيان قرارات الجهاز التشريعي في اسرائيل الكنيست. وتنعكس تظاهرة المتدينين على جو الانتخابات النيابية المحموم، اذ يسعى المتدينون الى ابراز ثقلهم السياسي عشية هذه الانتخابات المقررة في السابع عشر من أيار مايو المقبل. وكانت فصول التصويت على موازنة الدولة في بداية الشهر الجاري شاهداً على ابتزاز الاحزاب الدينية في الكنيست للحكومة الاسرائيلية التي يتزعمها تكتل ليكود. ويذهب بعض العلمانيين الى القول ان نجاح المتدينين في ابتزاز الاموال من الاجهزة المالية في الدولة شجعهم على السعي الى اختبار قوتهم ضد الجهاز القضائي فيها. ويرى المراقبون في تظاهرة المتدينين التي رافقتها تظاهرة العلمانيين الضعيفة بالمقارنة، بداية لانقسام جديد في الدولة اليهودية التي تجد نفسها عند مفترق طرق بعد خمسين عاماً على قيامها.