حشرت حركة "شاس" الدينية المتزمتة رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك في الزاوية باعلانها انها ستنسحب من الائتلاف الحكومي، وذلك عشية التصويت على موازنة الدولة وقبل أيام من بدء الجولة الثانية من المفاوضات مع سورية في الولاياتالمتحدة. المفاجأة طالت جميع أقطاب الخارطة السياسية في اسرائيل وفي مقدمهم باراك نفسه الذي طلب من رئيس الحركة ايلي يشاي عندما ابلغه القرار الذي أوعز به زعيم الحركة الروحي الحاخام عوفاديا يوسف، اعطاءه مهلة 24 ساعة قبل أن ينفذ القرار. كما طالت المفاجأة الرئيس الاسرائيلي عيزر وايزمان الذي كان التقى الحاخام يوسف قبل أربع وعشرين ساعة من اعلان القرار ولم يعرف عنه شيئاً. وأكد يشاي فور انتهاء اجتماعه مع باراك في الكنيست الاسرائيلية البرلمان أن "قرار شاس نهائي ولا رجعة عنه الا اذا استجابت حكومة باراك مطالب الحركة كاملة". وأوضح أن القرار الذي اتخذ باجماع مجلس الحاخامات التابع للحركة جاء بعد التوصل الى قناعة "باننا لا نستطيع مواصلة العضوية في الائتلاف الحكومي ومساندة قرارات مصيرية ومهمة من دون أن يؤخذ رأينا فيها". وتتلخص مطالب "شاس" 17 نائبا بالحصول على مخصصات مالية لدعم المدارس الدينية التابعة لها وكذلك حصة الفئة التي تمثلها في المجتمع من موازنة الدولة المقرر أن يجري التصويت علىها في الكنيست بعد غد. وتعتبر "شاس" ثاني أكبر حزب مشارك في الائتلاف الحكومي بعد حركة "اسرائيل واحدة" التي يتزعمها باراك نفسه، وهي تمثل في معظمها اليهود الشرقيين الفقراء الذين أشارت الاحصاءات الاخيرة الى أنهم يتصدرون لائحة الاكثر فقراً وأقل حظاً في المجتمع الاسرائيلي. واذا ما نفذت "شاس" قرارها فسيبقى باراك في حكومة يدعمها 51 عضواً في الكنيست ويفقد الغالبية التي تتمتع بها حكومته. واعتبر محللون سياسيون خطوة "شاس" مناورة حزبية مدروسة اختير توقيتها بدقة، خصوصاً أن ممثلي الحركة أجروا اتصالاتهم الضرورية مع حزبي "ليكود" و"يهودات هتوراه" لضمان عدم انضمامهما لصفوف الائتلاف الحكومي في اللحظة التي تنسحب منها. واذا كان لحركة "شاس"، التي كانت جزءا من ائتلاف حكومة بنيامين نتانياهو اليمينية السابقة، مجال أوسع للمناورة في الحلبة الحزبية، فإن الاحزاب العربية الممثلة في الكنيست تفتقر لمثل هذا المجال بسبب التزامها التصويت لصالح قرارات الحكومة الاسرائيلية المتعلقة بالمسيرة السلمية على المسارات العربية الثلاثة الفلسطيني والسوري واللبناني. ويبلغ عدد النواب العرب في الكنيست عشرة أعضاء، الامر الذي قد يمكن باراك من تمرير مشروع الموازنة من دون "شاس"، لكنه لن يستطيع تمرير اتفاق مع سورية بغالبية يوفرها العرب له. ومن شبه المستحيل أن يلجأ باراك للاحزاب العربية أو يعرض ضمها لائتلافه الحكومي. ولهذا السبب سارع حزب "شينوي" العلماني المتطرف الى رمي "شبكة النجاة" لحكومة باراك وعرض "خدماته" على رئيس الوزراء "كي لا يخضع لابتزازات الاحزاب الدينية" على حد تعبير أحد زعمائه. والتزم مكتب باراك الصمت ازاء القرار الدراماتيكي الذي اتخذته "شاس" ورفض التعقيب، الا انه نسب الى مصادر قريبة من باراك نفسه قوله انه "ليس هناك ما يستدعي مثل هذا القرار وأن الامور ستجد لها حلاً قريباً". وفي واقع الامر واجهت "شاس" باراك بالمعادلة الدقيقة التي حكمت طبيعة مشاوراته الحزبية لتشكيل ائتلافه الوزاري منذ نجاحه في الانتخابات. اذ معروف وجود "حب مفقود" بين باراك والاحزاب الدينية المتهمة دوماً بأنها تشكل عبئاً على المجتمع، وبمحاولاتها المستمرة للابتزاز والحصول على أموال من خزانة الدولة في الوقت الذي لا يؤدي فيه أعضاؤها الخدمة العسكرية. غير أن باراك فضل ضم "شاس" لائتلافه الحكومي بسبب مواقفها المؤيدة للتوصل الى سلام مع الفلسطينيين والدول العربية، خصوصاً سورية التي يحتاج باراك لغالبية يهودية "خالصة" في الكنيست للاستمرار في مفاوضاته معها التي ستخرجه من "مستنقع" الجنوب اللبناني أيضا، وهو الحلم الذي يراود رئيس الحكومة، وزير الدفاع منذ زمن طويل. لكن من شبه المؤكد أن ينجح باراك بحل هذه الازمة التي وجد نفسه فيها، خصوصاً ان الجميع يعرف ما للمال من تأثير سحري في القرارات السياسية... والامر لا يتطلب سوى صرف المزيد من الاموال للمدارس الدينية.