تؤكد الأبحاث والدراسات أن معظم اعراض الاكتئاب أو الملل أو الضيق تنشأ من جراء الاستغراق في العمل الجاد بصورة دائمة، ما يجعل الانسان ضجراً، ملولاً، ثائراً، عصبي المزاج. والوصفة التي يصفها الجميع لمثل هذه الحال هي اللجوء الى الضحك. فالضحك يتيح للإنسان مواصلة عمله بروح معنوية مرتفعة، وفي حيوية ونشاط. ومن الناحية الفسيولوجية، يعد الضحك والابتسام تدليكا وتمرينا رائعا لعضلات الوجه، ويؤدي الى حال نفسية تساهم في بناء الانسان السوي. والشخصية الباسمة أقرب الى النجاح من غيرها، إذ تستطيع بسهولة غزو قلوب الآخرين. والانسان إذا كان في حال نفسية مرتفعة يكون اقدر على التفكير والاداء. والادب الشعبي مليء بالنكات والقفشات والقصص القصيرة المضحكة، والتي يسميها المصريون "النكتة". والطريف ان أول ما ينصح به الطبيب النفسي مريض الاكتئاب هو الاندماج مع اصدقاء مرحين يهوون الضحك. وقد يكون للضحك فوائد أخرى، فهناك النوادر، وهي اشبه بقصة قصيرة تثير الضحك، لكنها في الوقت نفسه نقد اجتماعي لسلوك شاذ أو غير مقبول. وأشهر النوادر تكون عن مواقف لأشخاص حمقى أو مغفلين أو بخلاء، وهي تتسم بخلوها من التعقيد حتى لا تضيع الضحكة أو البسمة وسط الإجهاد الذهني لفهم ما يراد منها. ومن اهم الشخصيات التي اشتهرت في هذا المجال "جحا". ولم تقتصر حكايات جحا على علاقاته بالآخرين لكنها ارتبطت ايضا بحماره الذي لم يكن يعامله معاملة الانسان للحيوان بل ارتقى به وجعله صديقاً له. والضحك احدى السمات التي تميز الانسان عن باقي الكائنات الحية. فالانسان هو المخلوق الوحيد الذي يعرف النكتة ويضحك لها ويتفنن في ايجاد اسباب الضحك. تقول استاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس الدكتورة سامية خضر إن "الفلاسفة اجتهدوا في وضع تفسيرات للضحك، كما ظهرت النظريات التي تشرحها وتبررها، وعدد من تلك النظريات يشير الى أن الضحك يعكس اتجاهاً عدوانياً، بينما يراه آخرون تعبيراً عن الحب. وكان افلاطون يؤمن بأن الضحك نوع من التأمل الماكر للآخرين، وارسطو كان يقول انه طريقة للتعامل مع الاشياء القبيحة"، فيما رأى فرويد "أن النكات التي تضحكنا إما عدوانية أو فاحشة". وقالت خضر: "إن عدداً من العلماء وصف الضحك بأنه اختلاجات عقلية تستهلك الكميات الفائضة من التوتر". واضافت ان "الضحك انواع: ضحك السرور والمزاح والسخرية والعجب والمفاجأة والعدوانية واللهو والترحيب واستقبال الاصدقاء والتوتر...". ويؤكد علماء الاجتماع أن الابتسامة والمرح والفكاهة والمزاح والدعابة والهزل والنكتة كلها ظواهر نفسية من فصيلة واحدة. واسباب الضحك تختلف من مجتمع لآخر، بل إنها تختلف في داخل المجتمع الواحد تبعاً للمستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. فالضحك ظاهرة نفسية وثيقة الصلة بكل ما يحيط بالفرد من ظروف. اما الفيلسوف نيتشه، فعلل الضحك بقوله ان "الإنسان أعمق المخلوقات ألماً، لذلك كان لا بد أن يعادل ذلك بالضحك". المركز في المخ اكدت الابحاث العلمية أن الدافع وراء الضحك ينتقل من خلال الأعصاب البصرية والسمعية إلى منطقة في المخ تسمى المنطقة الوسطى، وهي جزء مهم جداً في مخ الإنسان. وتبين أن الذين يعانون من خلل في هذا الجزء لا يجدون ما يبعث على الضحك. وتنصح الدكتورة خضر بالإكثار من الضحك لا سيما أمام المشاكل والهموم التي تصادف الإنسان. لكنها تنصح بعدم الإسراف في الضحك، فيما حذر علماء صينيون من الافراط في الضحك لأنه قد يسبب مشكلات للمصابين بضغط الدم ومرضى القلب والمخ والمصابين بالفتق، والذين يمرون بفترة النقاهة بعد العمليات الجراحية. إلا أن الواقع يشير الى أن أغلب الناس لا يقبلون على الضحك بقدر إقبالهم على الحزن والأسى. وثمة نصيحة شعبية تقول: "كل نصف ما اعتدت أن تأكل، ونم ضعف ما اعتدت أن تنام، واشرب من الماء ثلاثة أضعاف ما اعتدت أن تشرب، واضحك أربعة أضعاف ما اعتدت أن تضحك، وإن فعلت ذلك فستستمتع بأفضل سنوات العمر".