بعد فترة بسيطة من ولادة "اليورو" الحدث النقدي والاقتصادي والسياسي الابرز منذ ان انتزع الدولار العرش من الجنيه الاسترليني قبل نحو سبعين عاماً، وانحسار الضجيج الاعلامي الرسمي والخاص الذي رافقها، بدأت البلدان المرتبطة بعلاقات اقتصادية وتجارية مميزة مع دول الاتحاد الاوروبي اجراء حساباتها المستقبلية بموضوعية لا تخلو من البراغماتية. وتأتي في طليعة هذه البلدان، المملكة المغربية، التي تشكل الاستثمارات المباشرة في قطاعاتها المختلفة اكثر من نصف اجمالي الاستثمارات الاجنبية فيها وصلت الى 1.2 بليون دولار عام 1997 وتدنت بنسبة 40 في المئة العام الماضي اضافة الى ان عملات المجموعة الاوروبية تمثل 52 في المئة من العملات المتداولة على مستوى ميزان المدفوعات المغربي ونحواً من نصف الدين الخارجي البالغ 18 بليون دولار، كما ان دول الاتحاد هي المورد والمستورد الاول من المملكة. انطلاقاً من هذه المعطيات، يمكن قياس حجم الفرص التي يعطيها اليورو لهذا البلد العربي - المتوسطي، ليس على صعيد دائرة المنافسة فحسب، بل على مستوى انخراط اقتصادها في هذه المنطقة النقدية الجديدة بكل ما تحمله من تحديات وتأثيرات ومخاطر. حدود الانطلاق لا شك في ان التعامل باليورو عبر ادخال تسهيلات عملية على اقتصادات اوروبا حيال الاسواق المالية من جهة، وعبر تحسين فعالية السياسات المعتمدة من جهة اخرى ستكون له انعكاسات مباشرة ومهمة على اقتصاد المغرب. وفي هذا الاطار تشير الدراسات التي اعدتها وزارة الاقتصاد والمال تحت عنوان: "آثار اليورو على المغرب" الى ان تعزيز المنافسة في اوروبا، نتيجة الانطلاقة الصاخبة لليورو، من شأنها المساهمة في خفض الأسعار، ما يساعد الشركات المغربية على زيادة صادراتها باتجاه دول الاتحاد، ونحو دول شرق اوروبا التي تستعد لدخولها وبلدان حوض البحر الابيض المتوسط التي تتفاوض معها على صيغ مختلفة من الشراكة الاقتصادية. وهذه كلها من العوامل التي يمكن ان تساعد في المحافظة على معدلات من النمو ضمن مستويات معقولة، وان تعمل على ازالة المخاطر التي يمكن ان تتعرض لها الشركات المغربية نتيجة لجوئها، في بعض الحالات الى الاستدانة بعملة تختلف عن تلك التي تتشكل منها في الغالب عائداتها من الصادرات. ومن الايجابيات الاضافية نتيجة التعامل باليورو بالنسبة الى الاقتصاد المغربي، الحماية التي توفرها هذه العملة الموحدة في مواجهة حالات "الاغراق النقدي" الناجمة عن الخفض المفاجئ لقيمة عملات دول جنوب الاتحاد الاوروبي. مع ذلك، يرى الخبراء المغاربة وبعض محللي مصارف الاعمال الاوروبية ان من السابق لاوانه الاعتبار ان كل شيء حسم ابتداء من الاول من كانون الثاني يناير 1999، خصوصاً ان الاستحقاق المحدود من قبل جميع المعنيين بارساء قواعد اليورو في اوروبا والعالم، ومن ضمنها منطقة شمال افريقيا سيكون السنة 2002. لذا يبدو ان اليورو دخل من الآن وصاعداً في سباق مع الوقت، هدفه الاول والاخير كسب اقتصادات دول المغرب العربي لمنطقته من خلال تقريب اسواقها اكثر من 100 مليون مستهلك في السنة 2000 وبورصاتها الناشئة التي يمكن ان تستفيد من الازمات المالية الحاصة في العالم من الآليات المعتمدة من قبل المؤسسات الاوروبية. كما يتحتم على الشركات الاوروبية بذل جهود اكبر للحفاظ على وجودها في هذه البلدان. وتشير التقارير التي اعدتها اللجان المختصة في بروكسيل اخيراً الى ان ثلثي الاستثمارات الفرنسية في المغرب تعود لكبريات الشركات، ما يفسح المجال واسعاً امام الشركات المتوسطة والصغيرة الحجم لتجرب حظها وتتغلب على ترددها خصوصاً في ظل وجود قوانين ضريبية مشجعة وأيد عاملة متخصصة، رخيصة نسبياً، مقارنة مع تلك الموجودة في دول اوروبا حتى الشرقية منها. في المقابل، ستجد الشركات المغربية نفسها مضطرة، اكثر من اي وقت مضى، لمواجهة المنافسة الحادة من قبل الشركات الاوروبية خصوصاً ان الاولى لم تشرع بعد في تحسين مستوياتها طبقاً لملاحق اتفاقات الشراكة مع اوروبا التي لم يتم ابرامها حتى الآن بشكل نهائي، ومن جهة اخرى، لان انخفاض الكلفة التي ستحملها معها العملة الاوروبية الموحدة من شأنه ان يخلق مخاطر بالنسبة الى المصدرين المغاربة الذين لن يستطيعوا بعد الآن جني نفس الارباح الانتاجية التي يحققها منافسوهم الاوروبيون. الا انه من الممكن تسجيل تقدم اضافي في عدة مجالات مثل التخصيص وتحرير الاسعار، ما سيعزز اوضاع البيئة الاستثمارية، وبالتالي تحسين اداء الشركات المغربية لتتمكن من الاضطلاع بدورها المطلوب في مواجهة التحديات المفروضة عليها. ولقد كشفت الازمات المالية الاخيرة، خصوصاً في دول جنوب شرق آسيا وروسيا واخيراً البرازيل، ان دولاً عدة تابعة لمنطقة اليورو التي تعتبر من ابرز الشركاء التجاريين للمغرب، تأثرت بالصدمة المالية الحاصلة التي دفعتها الى ادخال تعديلات على اسعار صرف عملتها من اجل المحافظة على قدرتها التنافسية ودعم معدلات نموها. لذا، يتوجب على المغرب، والحالة هده، ان يعتمد بشكل ثابت سياسية التنويع حيال اسواقه الخارجية، داخل منطقة اليورو على وجه الخصوص. كما يتوجب على هيئاته المعنية ومصارفه تحديد كيفية دخول السوق الاوروبية الموحدة نقدياً والبلد القادر على لعب دور "المفتاح" كي تتمكن المؤسسات المغربية من التمركز في كافة انحاء هذه المنطقة المالية الجديدة. التريث سيد الموقف ان نشوء اليورو سيكون له من دون شك انعكاس مهم على اقتصاد المغرب في المرحلة المقبلة ذلك لناحية استخدامه في المجال التجاري وبشكل أدق على صعيد ميزان المدفوعات. فالدور المهيمن الذي يلعبه الدولار اليوم في عمليات التبادل التجاري التي تقوم بها المؤسسات المغربية - على رغم من اعتماد سلة العملات - يعكس في الواقع قوته كأساس للنظام النقدي السائد حالياً والمعتمد من قبل غالبية دول العالم. لكن تعزيز استخدام اليورو من قبل دول الاتحاد الاوروبي في تعاطيها التجاري مع المغرب - كما هو الحال الآن بالنسبة الى الدولار والفرنك الفرنسي - يمكن ان يكون ذاته تأثير سلبي اذ انه سيثقل من عبء الدين المحرر بهذه العملة الموحدة، كما سيزيد في الوقت نفسه من قيمة واردات المملكة من التجهيزات. من جهة اخرى سيجد المغرب نفسه ايضاً في مواجهة صعوبات تتعلق بتسديد ديونه التي سبقت اعتماد اليورو والمحررة بعملات ضعيفة نسبياً. في خضم هذه الاشكاليات، يمكن الاستنتاج بأن العجز الحاصل على صعيد التعاون النقدي العامودي بين المغرب والاتحاد الاوروبي والافقي بين المغرب ودول الضفة الجنوبية للمتوسط من شأنه اضعاف مشاريع الشراكة الاوروبية - المغاربية. ويتلخص هذا الاضعاف بفتح الطريق امام الخفض المتتالي لقيمة العملات المغاربية وتركها من دون تغطية في حال تعرضت لعمليات مضاربة. وتشير الاوساط المصرفية المغربية الى ان اعتماد اليورو يمكن ان يكون عديم الجدوى سواء بالنسبة الى استقرار الدرهم او سواء لجهة قدرته التنافسية، فالانتقال من الاستخدام التوافقي غير المعلن الى الربط المعلن باليورو لن يكون له اي تأثير فعال في سياسة سعر الصرف الحالي واهدافه. فالواضح ان ميزة الربط المعلن للدرهم باليورو تهدف بالدرجة الاولى الى تسهيل التحول نحو المقاييس الاوروبية المعتمدة في ادارة الاقتصاد الجمعي. لكن هذا التوجه سيحرم في المقابل الاقتصاد المغربي من اداة تصحيح في حال تعرضه لصدمة سلبية. امام حالة المد والجزر هذه وغياب تصور واضح مسبق لنتائج ربط العمليتين يطرح السؤال التالي: هل ستتمكن منطقة اليورو او اليورولاند من البقاء في موقع الشريك الاقتصادي الاول للمغرب؟ على هذا يجيب احد الوزراء المغاربة من غير المتفائلين بالقول: "هناك بالفعل صعوبة في ابقاء الوضع القائم على حاله نظراً الى ان المغرب ارتبط بالتزامات دولية بعد انضمامه الى منظمة التجارة الدولية، وهي التزامات فرضت شروطاً قاسية لا اعتقد بأن في امكان اليورو الالتفاف على مضامينها بسهولة حتى بعد السنة 2002". وعما اذا كان اعتماد اليورو سيفرض تغييرات على صعيد سعر صرف الدرهم، يجيب عمر علوي المدير العام لمكتب الصرف: "ان استبدال العملات الاوروبية بعملة موحدة يجب ان يدفع بالدول الشريكة للاتحاد الاوروبي الى اعادة صياغة آليات تحدد من خلال اسعاراً جديدة للصرف". مع ذلك يفترض بالسلطات النقدية المغربية ان تفاوض على سعر صرف للدرهم في مقابل اليورو، والتفاوض حول هوامش تحرك سعر الصرف المحدد نظراً الى ارتفاع قيمة الدرهم في مقابل بعض العملات الاوروبية التي يتألف منها اليورو مثل: الليرة الايطالية والبيزيتا الاسبانية والاسكودو البرتغالي. ولكن حتى الآن وعلى رغم قيام بعض المصارف المغربية بحملات اعلانية واسعة تدعو للتحول نحو التعامل باليورو، فان التردد لا يزال سيد الموقف. ففي حين يرى بعض الاقتصاديين المغاربة ان نشوء العملة الاوروبية الموحدة سيؤدي الى تعاون اوثق من شأنه ايجاد الحلول المشتركة للمشاكل الاقتصادية والسياسية القائمة مع المغرب، يعتبر البعض الآخر اليورو مشروعاً طموحاً لكنه سابق لاوانه. ويذهب هذا البعض الى حد القول ان الهدف من انشاء هذ العملة يهدف في الدرجة الاولى الى تحسين انتاجية الشركات الاوروبية وخفض تكاليفها في المدى المتوسط وتحصين اسواقها المالية في وجه العاتيات من حالات ركود وهزّات محتملة! حتى ولو كان ذلك على حساب الشركاء واستقرار اقتصادهم. والحال ينطبق هنا على دول شمال افريقيا وفي طليعتها المغرب. فالواضح حتى الآن ان التريث هو سيد المواقف بالنسبة الى الحكومة والمؤسسات المغربية على السواء. فالاتجاه العام هو التريث وانتظار ما ستسفر عنه المفاوضات الجارية على قدم وساق، حتى الآن من دون نتيجة، من اجل تسريع الخطوات المتعلقة باتفاق الشراكة ان المغرب يربط التحول في اتجاه الاعتماد التدريجي لليورو بالتقدم الجدي على مسار الالتزام الاوروبي بملاحقة اتفاقات الشراكة. فاذا لم تسارع دول الاتحاد بتسديد التزاماتها لناحية مساعدة الشركات المغربية على تحسين مستوياتها من جهة وتعويض الخزينة خسائرها من جراء رفع الحواجز الجمركية من جهة اخرى، فان مستقبل اليورو المغربي لن يكون زاهراً كما ترغب به كل من فرنسا وايطاليا واسبانيا والبرتغال. فالعقبات الالمانية والبريطانية لا تزال تعيق التقدم في مشروع الشراكة على رغم كون اوروبا اطلقت عملتها الموحدة وتسعى الى ادخالها اسواق الشركاء. استناداً لما تقدم يمكن القول ان انعكاسات اليورو على المغرب صعبة التوقع. لذا هناك تحفظ من الجميع حيال اتخاذ المبادرات المسبقة حتى ولو كانت هنالك قناعة ضمنية بضرورة الاستفادة من بعض الفرص التي توفرها هذه العملة الموحدة الجديدة . فالبديل لا يزال اذن سابقاً لأوانه. * اقتصادي لبناني.