أمير الشرقية يستقبل سفير الجمهورية القيرغيزية لدى المملكة    الأردن تدين تصريحات متطرفة لوزير إسرائيلي تدعو لضم الأرض الفلسطينية المحتلة وتوسيع الاستيطان    محمد نور: لا أعرف ما الذي يرونه في رينارد    القيادة تهنئ رئيس جمهورية التشيك بذكرى اليوم الوطني لبلاده    شركة القحطاني للمزادات تعلن عن مزادها القادم للشركة السعودية للكهرباء    الهلال الأحمر بالطائف يرفع جاهزيته بالتزامن مع الحالة المطرية المتوقعة    انطلاق فعاليات معرض ⁧‫إبداع تعليم الطائف 2025‬⁩ للطلاب والطالبات    مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يُعلن أسماء الفائزين بجائزته في دورتها الثالثة    «الصمعاني» يشارك في الاجتماع ال 34 لوزراء العدل بدول مجلس التعاون    انطلاق النسخة الأولى من الملتقى الدولي للمسؤولية الاجتماعية 2024    السجل العقاري يطلق إستراتيجية تمكين شركات التقنية العقارية    لأول مرة في الشرق الأوسط..التخصصي ينجح في استئصال بؤرة صرعية عنيدة باستخدام الترددات الراديوية الحرارية    بيبان 24 .. باب الامتياز التجاري يعزز دعم القطاع ب 70 علامة مشاركة    وزير الخارجية يتلقى اتصالاً هاتفياً من وزير خارجية اليابان    إحباط تهريب أكثر من 2,4 مليون حبة "كبتاجون" بميناء جدة الإسلامي    الفل الجيزاني استخدامه في الصناعات الغذائية والعطرية بما يعزز مكانة المملكة في الأسواق العالمية    تحويل الدراسة والاختبارات العملية اليوم عن بعد في المدارس المسائية والتعليم المستمر بالعاصمة المقدسة ومحافظات الجموم وبحرة والكامل    "وفاة واحدة "من كل 6 وفيات بين النساء سببها "سرطان الثدي"    وصول الطائرة الإغاثية ال15 لمساعدة اللبنانيين    تراجع اسعار الذهب إلى 2732.90 دولار للأوقية    "الأرصاد"هطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    «ميتا» تكافح الاحتيال بميزة بصمة الوجه    قدمت 51 مليون دولار.. وتقدير بالغ لدورها الإنساني.. المملكة تحشد جهود المانحين للاجئي "الساحل وبحيرة تشاد"    الحزب الحاكم في اليابان يخسر أغلبيته في البرلمان للمرة الأولى منذ 2009    إزالة مبانٍ لصالح جسر الأمير ماجد مع «صاري»    مذكرة تفاهم بين محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية    "الإحصاء" تنشر مؤشر الرقم القياسي لأسعار العقارات    الأنظار تتجه لباريس في حفل جوائز الكرة الذهبية.. فينيسيوس يحسمها.. وغوارديولا ينافس أنشيلوتي كأفضل مدرب    في دور ال 16 من كأس خادم الحرمين الشريفين.. الاتحاد يواجه الجندل.. وديربي بين الرياض والشباب    تجسّد العمق التاريخي للمملكة.. اعتماد 500 موقع في سجل التراث العمراني    عبدالرحمن المريخي.. رائد مسرح الطفل في السعودية والخليج    السرطان يصيب هارفي واينستين داخل السجن    كبسولة النمو المالي    شتّان بين الضغائن والخصومات    8 أمور إذا شعرت بها.. غيِّر أصدقاءك فوراً !    الإعلام الرياضي والمجتمع    5 أطعمة غنية بالدهون الصحية    «خير المملكة» يتواصل في اليمن وسورية    وحدات الأحوال تقدم خدماتها في 49 موقعًا    "اتحاد القدم" يختتم دورة الرخصة التدريبية الآسيوية "A"    وكيل الأزهر يشيد بجهود مجمع الملك فهد لطباعة المصحف    أمير الرياض يستقبل السفير الياباني.. ويعزي الدغيثر    قيمة استثنائية    «التنفس المخلوي».. الوقاية بالتوعية    إنقاذ حياة فتاة بتدخل جراحي    مستشفى الأسياح يدشن مبادرة "نهتم بصحة أسنانك"    السني مديراً للموارد البشرية بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل    انتخاب ناصر الدوسري رئيساً للجنة العمالية بسابك    «موسم الرياض» يطرح تذاكر منطقة «وندر جاردن»    71%من الصادرات منتجات معدنية    «بلان» أمامك أسبوع امتحان    أنا والعذاب وهواك في تكريم عبدالوهاب..!    إسرائيل.. ولعنة لبنان!    إطلاق 15 ظبياً في واحة بريدة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    جلوي بن عبدالعزيز يواسي آل سليم وآل بحري    ختام الدورة العلمية التأصيلية للدعاة والأئمة في المالديف    سموه عقد اجتماعًا مع رؤساء كبرى الشركات الصناعية.. وزير الدفاع ونظيره الإيطالي يبحثان تطوير التعاون الدفاعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الياس ديب الرسام العائد من باريس : تجريبية تؤالف بين عناصر الشكل واللون
نشر في الحياة يوم 11 - 02 - 1999

عودة الفنان الياس ديب الى التصوير، وبهذه الوفرة في المعارض، رافقت عودته الى لبنان، من باريس، حيث درس وعمل وعرض. وهي أكثر من عودة، إذ أن الفنان اللبناني، الذي يمثل خيرة خريجي "معهد الفنون الجميلة" في الجامعة اللبنانية في عهدها "الذهبي"، أي قبل الحرب، أقبل على عرض وتجريب ممارسات في الفن تتعدى ما كان يعمل وفقه في باريس، وتحيي العروض التشكيلية في بيروت، بعد أن استقرت على تجارب فردية، لا تنبىء بكثير من التجريب أحياناً.
فبعد معرضه الأخير في "المركز الثقافي الفرنسي"، قبل نيف وشهر، عرض ديب مجموعة كبيرة من الأعمال 50 عملاً في صالة عرض "ستاسيون دي زار" محطة الفنون، بين الثامن والعشرين من الشهر المنصرم والعشرين من الشهر الجاري.
والمعرضان يلتقيان ويتمايزان، أي تبدو الصلة أكيدة بينهما في غير أمر، ويبدو التمايز مطلوباً كذلك، إد أن الأعمال المعروضة تبدو أشبه بتمرينات على ما سبق للفنان أن عرضه في صورته البحثية المتقدمة في معرضه السابق. وقيام الفنان ديب بهذا المعرض الجديد، ووفق صورته الحالية، يعكس المشاكل التي قد تنجم - وهي تنجم غالباً - عن انصراف الفنانين الى أعمال تجريبية، ولا سيما "التركيبية" منها التي لا تصلح غالباً للبيع، عدا أنها صعبة العرض في البيوت غالباً. وهو ما يواجهه الفنانون في غير مكان في العالم، والذي لا يعوض عنه سوى إقبال المؤسسات، لا الأفراد، على شراء الأعمال في غالب الأحيان. لهذا بدت مبادرة ديب الى عرض أعماله، ذات القياسات الصغيرة، والمناسبة أكثر للشراء، وذات الأسعار المتهاودة، حلاً فردياً لما يمكن أن ينجم عليه العمل التجريبي والتركيبي من صعوبات في "استقبال" المجتمع والجماعات والمؤسسات له، ولا سيما في بلاد قلما تحفل برعاية أعمال كهذه.
والأعمال المعروضة تتوزع بين ممارسات مختلفة، تجمع في قسم منها بين الألوان الدهنية "أكريليك" والورق، وبين هاتين المادتين والمادة الزجاجية "البلكسيكلاس"، بالإضافة الي أعمال منفذة بالألوان الدهنية على القماشة، فضلاً عن عمل "تركيبي" واحد. ولو نظرنا الى الأعمال مجموعة لوجدنا صلات قربى بينة وقوية بين هذه وغيرها، وهي قربى ترقى الى أسباب وأوجه مختلفة، منها ما يتصل بإلحاحات بعض الألوان أو المناخات اللونية، أو بعض الأشكال، ومنها ما يتصل خصوصاً بطبيعة العلاقات المطلوبة بين النظر والعرض في أعمال ديب.
هذا ما نراه في الطلب على ألوان بعينها أكثر من غيرها، مثل مشتقات الأزرق في درجاته المعتمة خصوصاً، أو في التأكيد على الدائرة شكلاً مستوعباً لغيرها من الأشكال والموضوعات، أو في تحليل الجسد الى تراكيب هندسية وغيرها. لا بل نجد أن الوقوف على المسألة الهندسية في أعمال ديب ضروري للغاية في فهم هذه الأعمال: هذا ما تحقق في سابق سنوات الفنان وتجريباته الباريسية في عمله "الاستثماري" على ممكنات رقعة الشطرنج، بشخوصها وتلاوينها وبقعها الهندسية واللونية المتناوبة، وهو ما استمر في الأشكال الدائرية والشرائط الطولية أو العرضية التي تنتظم أعماله.
إلا أن هذه التحققات وغيرها، في اللون أو الشكل، تأتي في تجربة ديب لتؤكد وتعزز وتعرض لأسباب علاقة طلبها الفنان مع التصوير، بل مع إعداد العمل الفني. وهي علاقة تحليلية في منشأها، تتوخى استبيان مسبق لما يعرض للعين لاحقاً، وذلك في تناولات اختبارية يدرس الفنان فيها هذا العنصر أو ذاك من عناصر العمل الفني، في علاقاته بغيره، في تشابهاته واختلافاته معها. ذلك أن ديب لا يصور، بل يجمع، أو يؤلف ويؤالف بالأحرى بين عناصر، شكلية ولونية وغيرها. وأشد ما يثير الانتباه في معرضه الحالي هو التحميل الشديد للعمل الفني: تحميله عناصر وعناصر، ما يفيض عنه، أو ما لا يحتاجه أحياناً، وفي ذلك يتوصل ديب الى الخروج على ما تنتهي اليه تصوراته التحليلية المسبقة غالباً للعمل الفني. وهو ما نراه جلياً في التباين بين "تخطيطية" العمل الفني، أي استناده الى بناء هندسي جلي "يموضع" العناصر التشكيلية ويعين علاقاته بعضها ببعض، وبين اشتغال لاحق على البناء هذا، يتيح تحريكاً "عصبياً" له، بل زعزعة له، ما يعطي العمل هيئة حافظة لمقادير من الانفعال الوجداني، ويخفف بالتالي من صرامته وتقشفه وبرودته التحليلية.
وتجريب ديب هذا يجعله يقف في وسط أساليب ونزعات فنية متعددة، ما قد يوحي للبعض بأنه ينتسب الى تيار ما بعد الحداثة الذي أصبح في تجارب وكتابات بعضهم أشبه ب"الكشكول"، الذي يجمع كل شيء وأي شيء، فيما تستجمع أعمال الياس ديب، واقعاً، وتؤالف بين تجاربه المختلفة: ففي أعماله الجديدة ما يشير الى لوحاته الزيتية في مطالع السبعينيات، وفي بعضها الآخر الى تجارب العمل على الشطرنج، وفي غيرها الى تأطير السطح التصويري في دوائر وشرئط متطاولة...
وعلينا أن نضيف في الوقت عينه الى أن استجماع ديب لهذه العناصر يستجيب كذلك الى نزعة فنية وأسلوبية سارية باتت لا تجد حرجاً في إنتاج فن "هجين"، أي غير واحدي الأسلوب، بل متعدد الأنساب، بين تشبيهي وتجريدي وتحليلي وغيرها. وهو ما قاله ديب في محاضرة له، خلال معرضه السابق، في هذه العبارات: "الحداثة وقعت في خمود اللوحة، والتجريدية صارت صنمها". ذلك أن ديب خرج من إطار اللوحة "اللازم" في معرضه السابق وعاد اليه في المعرض الحالي في الوقت عينه، عدا أنه عاد من جديد الى التشبيهية ممثلة بالمرأة خصوصاً بعد طول اعتياد، في باريس خصوصاً، على الحروفية والهندسية.
والعمل المعروض عند ديب هو "حاصل" علاقة وعمل ونظر، على أن عين الفنان "تنتهي" الى إقرار ما يعرض لها في العمل، بعد أن وصلت اليه وجربته و"قلبته" في أحوال ومشاهدات مختلفة، ولكن في صيغة متباينة عما هي عليه اللوحة الانطباعية وغيرها كذلك. فاللوحة هذه تحمل في طبقاتها المادية الكثيفة من جراء تكرار الأشكال والألوان فوق السطح التصويري ما يشير الى عمل الفنان المتمادي عليها، وما يعكس تنقله بين صيغ وصيغ لها، الى أن "يقر" بإحدى هذه الصيغ، وهو الصيغة النهائية بالتالي و"الشرعية" أو الثبوتية، إذا جاز القول.
وهو ما ظهرت عليه أعماله في "المركز الثقافي الفرنسي: تمثل للناظر "نظيفة"، من دون خدوش، أو رتق أو تراكب بين مواد مختلفة ومتعاقبة. هو العمل في صورته "المستقرة" التي خلص اليها الفنان في تحاليله، في توصلاته، معتمداً إحدى الصيغ، وهو ما يعطي أعمال ديب هذا الجلاء الناجز، إذ أن صورتها مدروسة، وإن قامت على مواد ذات حركية مثل الماء، أو على علاقات بين العناصر تقوم على الاستنسابية و"اللعب" كذلك. أما في أعماله الحالية، فالعلاقة تختلف بعض الشيء بين العين والعمل، إذ أن العين تنطلق من معطى بنائي عام للوحة، لكنها تعمل في مجريات تحقيقه على تعديله، بل على إخفاء صدوره عن مبنى تحليلي المنشأ. وهذا كله يشير الى أن تجربة الياس ديب تبلغ درجات من الاختمار والتأكد إذ تستحضر ما سبق لها أن قامت به فتنقله وتعدله في الوقت عينه، عدا أنها باتت مالكة لحلول متوالدة ومتباينة في عدتها العملية وذات تدبيرات متنوعة.
والفنان من مواليد بيروت في العام 1945، خريح "معهد الفنون الجميلة" في الجامعة اللبنانية 1973، تابع دراسات عليا في الفنون التشكيلية بباريس في "المدرسة الوطنية العليا للفنون الزخرفية"، وفي السوربون الجديدة - باريس الأولى، قبل أن ينصرف بدوره الى تدريس مواد الفن في "معهد الفنون الجميلة" في لبنان، وله معارض فردية وجماعية عديدة، بين لبنان وفرنسا وتونس وغيرها مند مطالع السبعينيات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.