الخريّف: المسؤولية الاجتماعية ركيزة لتحقيق استدامة القطاع الصناعي والتعديني    الابتكار ركيزة أساسية لتحقيق رؤية 2030    المملكة تحقق قفزة خضراء جديدة بانضمام محميتين للقائمة العالمية    انطلاق منتدى أسماك ومصايد الشُعب المرجانية غدًا بجدة    وزير البلديات والإسكان يكرم الأندلس العقارية    أمين جامعة الدول العربية: العجز الدولي جعل الاحتلال الإسرائيلي يتوسع في الحرب    مانشستر يونايتد يُعلن إقالة تن هاغ    وزير الدولة للشؤون الخارجية يستقبل سفراء دول الاتحاد الأوروبي لدى المملكة    أمطار غزيرة مصحوبة بعواصف رعدية على مكة    تعليم البكيرية يقيم برامج توعوية عن "سرطان الثدي" في مدارس البنات    الهلال الأحمر بنجران تعلن عن إحصائياتها للربع الثالث من العام الحالي    مجلس الشورى يطالب "الإحصاء" التوسع في الربط التقني اللازم لجمع بيانات الأسعار    إحباط محاولة تهريب أكثر من 2.4 مليون حبة «كبتاجون» في ميناء جدة الإسلامي    «البيئة»: 8 مناطق تسجل هطول الأمطار في 36 محطة والباحة تتصدر ب 17.3 ملم    الأمين العام لمجلس التعاون: لجنة وزراء العدل أسهمت في تعزيز وتقريب القوانين والأنظمة    وزارة الصحة تعتبر التوعية بشأنه أمرًا ضروريًا للحد من انتشاره وآثاره    القيادة تهنئ رئيس جمهورية التشيك بذكرى اليوم الوطني لبلاده    أمير الشرقية يستقبل سفير الجمهورية القيرغيزية لدى المملكة    شركة القحطاني للمزادات تعلن عن مزادها القادم للشركة السعودية للكهرباء    الأردن تدين تصريحات متطرفة لوزير إسرائيلي تدعو لضم الأرض الفلسطينية المحتلة وتوسيع الاستيطان    انطلاق فعاليات معرض ⁧‫إبداع تعليم الطائف 2025‬⁩ للطلاب والطالبات    مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يُعلن أسماء الفائزين بجائزته في دورتها الثالثة    محمد نور: لا أعرف ما الذي يرونه في رينارد    لأول مرة في الشرق الأوسط..التخصصي ينجح في استئصال بؤرة صرعية عنيدة باستخدام الترددات الراديوية الحرارية    وصول الطائرة الإغاثية ال15 لمساعدة اللبنانيين    "الأرصاد"هطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    تراجع اسعار الذهب إلى 2732.90 دولار للأوقية    الأنظار تتجه لباريس في حفل جوائز الكرة الذهبية.. فينيسيوس يحسمها.. وغوارديولا ينافس أنشيلوتي كأفضل مدرب    في دور ال 16 من كأس خادم الحرمين الشريفين.. الاتحاد يواجه الجندل.. وديربي بين الرياض والشباب    قدمت 51 مليون دولار.. وتقدير بالغ لدورها الإنساني.. المملكة تحشد جهود المانحين للاجئي "الساحل وبحيرة تشاد"    مذكرة تفاهم بين محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية    "الإحصاء" تنشر مؤشر الرقم القياسي لأسعار العقارات    تجسّد العمق التاريخي للمملكة.. اعتماد 500 موقع في سجل التراث العمراني    عبدالرحمن المريخي.. رائد مسرح الطفل في السعودية والخليج    السرطان يصيب هارفي واينستين داخل السجن    كبسولة النمو المالي    شتّان بين الضغائن والخصومات    8 أمور إذا شعرت بها.. غيِّر أصدقاءك فوراً !    إزالة مبانٍ لصالح جسر الأمير ماجد مع «صاري»    «ميتا» تكافح الاحتيال بميزة بصمة الوجه    5 أطعمة غنية بالدهون الصحية    وكيل الأزهر يشيد بجهود مجمع الملك فهد لطباعة المصحف    "اتحاد القدم" يختتم دورة الرخصة التدريبية الآسيوية "A"    أمير الرياض يستقبل السفير الياباني.. ويعزي الدغيثر    قيمة استثنائية    إنقاذ حياة فتاة بتدخل جراحي    مستشفى الأسياح يدشن مبادرة "نهتم بصحة أسنانك"    «موسم الرياض» يطرح تذاكر منطقة «وندر جاردن»    انتخاب ناصر الدوسري رئيساً للجنة العمالية بسابك    أنا والعذاب وهواك في تكريم عبدالوهاب..!    «بلان» أمامك أسبوع امتحان    إسرائيل.. ولعنة لبنان!    كيف يستعد الأوروبيون لترمب؟    71%من الصادرات منتجات معدنية    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    جلوي بن عبدالعزيز يواسي آل سليم وآل بحري    ختام الدورة العلمية التأصيلية للدعاة والأئمة في المالديف    سموه عقد اجتماعًا مع رؤساء كبرى الشركات الصناعية.. وزير الدفاع ونظيره الإيطالي يبحثان تطوير التعاون الدفاعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الياس ديب وعادل قديح من التجريديين الجدد . مربعات تتلاحم وتجهيزات تحتفل بالماء
نشر في الحياة يوم 06 - 01 - 1999

معرضان تشكيليان في بيروت، لاثنين من جماعة التجريديين الجدد هما الياس ديب وعادل قديح يعكسان بعضاً من افاق التجريد الحديث، الذي يحمل اسئلة العصر وقلقه وتحدياته، لا سيما وان الفنانين ينتميان لجيل السبعينات، وعاشا ذروة انتشار افكار مدرسة باريس في بيروت عبر انجازات اساتذتهما الكبار، ثم خاضا في صراعات مرحلة ما بعد الحداثة في منفاهما الباريسي اثناء الحرب، ليجدا طريقهما من جديد في التجريد كخيار قابل للاحتمالات، يعارض المبدأ القائل بوصول التجريد للحائط المسدود.
/ تجارب عادل قديح
في 80 لوحة منفذة على أحجام متنوعة وبتقنيات مختلطة على قماش وخشب وورق وكرتون يسعى قديح في معرضه الذي أقامه في غاليري "ستاسيون دي زار" لتأكيد اسلوبه التجريدي الذي يتبنّى منطلقات جمالية راسخة في التكوين التشكيلي للعناصر الخطية واللونية، بما يكفل استمرارية اللغة التصاعدية التي تربط تجاربه السابقة بالحاضرة. فهو غالباً ما يميل الى تقطيع المساحة الى مربعات تشكل نافذة كبيرة تتيح لقراءة انواع العلاقات اللونية وطبقاتها ومستوياتها، وهي تتقدم وتتجاور وتتجاذب مثل خلية مربعة ونواة دائرية. وتتموّج الخلايا على السطح بما يشبه جلد اللوحة ومسامها وخطوطها وما يعترض جريانها وهبوطها، في مسار نسيج متلاحم كسجادة شرقية.
هذا المنحى يسير عكس الاتجاه الثاني الذي يتبعه في تأليف يعتمد على التوزيع الكتلوي للون في علاقته بالفراغ.. الا ان المعالجة اللونية في سلوك قديح، تعتمد على وجود شكل هندسي يتقاطع مع آخر ويندمج فيه، أو هيئة شبحية لانسان أو لشجرة وبيت قروي ضمن نطاق ذاكرة لأمكنة حميمة. الا ان تقاطعات الخطوط من شأنها ان تحدد مجالات الرؤية بعيداً من رحابة التأمل فهو ما زال يتساءل حول الشكل والمنظر والطبيعة وما وراءهم في الذاكرة والمتخيل، فضلاً عن التجريب في المواد والتقنيات لاعطاء القماشة ايحاءاتها البصرية. الا ان الابصار يلعب دوراً خفياً لانه لا يتجرأ بل يتنازل دوماً لصالح الاسلوب، كأن العين تحت مجهر العقل. لذلك تظل أحلام الفنان اكثر من عطاءات يديه.
ويختار عادل قديح في معرضه ألوان التدرجات الناعمة والباردة الى حدٍ ما، لابتعادها عن الأضداد، مما يوحي بالطمأنينة والسلام الداخلي، واللافت هو اللون الابيض الذي يلبس شتى التعبيرات والايهامات، فهو ذو حجم وثقل في تأليف كتلوي مشدود الى عصب انساني، كما يدل على الفراغ في الممرات الهوائية والضوئية التي تفصل بين المساحات اللونية، ويتراءى الابيض كغيوم حفيفة في عبق الاخضر والاصفر والبرتقالي، كما يهيمن احياناً على كلية اللوحة ليصير مناخاً ضبابياً شفافاً يذكر بألوان الطبيعة وفصولها الخريفية.
وهي عبارة عن 14 عملاً فنياً تبتعد عن التعليق الحائطي، لتنتمي الى التركيب الوضعي الذي ينجذب الى الارض والى النظرة المتساقطة عمودياً وليس افقياً. فصالة المركز الثقافي الفرنسي أتاحت بامكاناتها إظهار افكار المعرض الذي حمل عنوان "سُلالات الماء"، حيث يتألف العمل المركّب الواحد من عناصر تشكيلية ووحدات "شيئية" متلازمة في حقل النظر وقوامها وعاء كروي الشكل من زجاج شفاف يحتوي على ماء مع زيت أو نفط لحل الألوان وعلى أنابيب مخبرية مستطيلة صغيرة مقفلة تستريح فيها المواد والمساحيق الملونة كما هي قبل الاستعمال. وينطلق من داخل الوعاء شريط ملوّن فيمتد الى السطح التجريبي الذي تتم فوقه التجربة التقنية المخبرية بعد وضع ومزج المساحيق والمواد بالماء على الورق أو القماش. المجموعة هذه موجودة امام لوحة فنية منفذة بتلك المواد المعروضة.
يهدف هذا المنحى التأملي التجريبي لتوضيح العلاقة بين المادة الاساس لانتاج العمل الفني "الماء" والمواد التشكيلية الاخرى التي تتفاعل معها اي المساحيق والمواد المختلفة والأصباغ، ضمن مشاركة الناظر لعمل الفنان التي تمر عبر الماء. ويعتبر الياس ديب الشريط الملون بمثابة "حبل السرة" الذي يربط الجنين في رحم أمه قبل ولادته برحلة الحياة، أما اللوحات التي تحمل شكل الغيوم وضبابيتها خلف الأوعية فهي ترمز الى الروح بعد دخولها عجين الفكر الابداعي.
ويتساءل ديب في معرضه حول ماهية ما بعد الحداثة وقدرة الفنان على استنباط رؤى جديدة تنقذه من كوابيس الحداثة القديمة" ويجيب بانه يصعب نقل هذه المعادلة في لوحة وهمية الابعاد وآحادية الرؤية ولكن تسهل رؤيتها في الاعمال المركبة في الفضاء، ضمن طريقة عرض غير تقليدية. ذلك لاعتقاده بان مفهوم العمل الفني المعاصر مفتوح على الاحتمالات الابداعية المتحركة والمتحررة من كل القيود، بينما الحداثة وقعت في جمود اللوحة والتجريدية صارت صنمها. فالاعمال المسندة الى جدران القاعة بعيدة عن عرشها أي غير معلقة على الجدار انما هي تعبّر عن قوة الانطلاق العمودي مع المسطح الأفقي للارض وعن النهوض من الكبوة التي أصيب بها الانسان في مجال الفن. فالفن لم يعد وسيلة للمتعة بل سبيلاً للأرق وعبئاً وثقلاً وقيوداً.
في أعماله التي تتقاسمها اللوحات مع المعروضات، يستعيد الياس ديب شبكة مربعاته الشطرنجية مستبدلاً أحجارها بأوعية زجاجية، في محاولة لاعطاء المسطح الصراعي سابقاً لتقاطع الاشكال الهندسية بعداً تقنياً محضاً. فاطلالة المنظر الكوني لغيوم بيضاء على سواد ليلي في اللوحة تبعث على شاعرية التأمل في المواد والاشكال، أعمق من الشرح التفصيلي والنمذجة والتفسير المباشر، رغم الدهشة التي يمكن ان تثيرها العناصر الهندسية تنويعات الدائرة والمربع مع الزجاج والماء في نفس المُشاهد العادي، الا ان الخروج عن المألوف في تأليف بصري يستمد قوامه من اللوحة التجريدية لم يصل الى موقف محدد ومعلن من اللوحة المعلقة على الجدار التي ما زال الفنان يتبناها ولو جزئياً. فمسايرة التيارات الجديدة في التعبيرات العالمية الشابة، هي جزء من طبيعة المثقف في شخص الياس ديب الذي لا يستسلم للثوابت ويطمح لتجديد لغته التشكيلية من الداخل وإن كانت لم تنضج في الوصول الى رؤيتها وادواتها. اذ مهما بدت الاشياء التي يتحدث عنها ديب عادية فهو يخرجها من عاديتها وبديهياتها كلما اعطاها منظوراً عميقاً وتحليلياً.
وحين يصوغ افكاره يصيغها في اطار فلسفي وجمالي فني ويسرف في اعطائها ابعاداً تنظيرية ربما اكبر مما يحتمله انتاجه الفني. الا ان محاولة التجريب والاصلاح والتغيير هي ميزة الجرأة في فن الياس ديب. تلك الميزة التي يفتقدها بعض فناني جيله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.