محمد الصالح يحياوي شخصية أساسية في حزب جبهة التحرير الوطني، أعرق الأحزاب الجزائرية. من مواليد 1937 في باتنة شرقي الجزائر، التحق بالكفاح المسلح ضد الفرنسيين وهو طالب في الثانوية. تقليد مناصب قيادية عدة إبان الثورة. تخاصم مع الرئيس أحمد بن بلة في شأن بعض الأفكار والاجراءات المتخدة من دون استشارة اللجنة المركزية للحزب. تولى إدارة كلية شرشال العسكرية لمدة تسع سنوات، أصبح بعدها مسؤولاً تنفيذياً في حزب جبهة التحرير. حاورته "الحياة" عن تجربته الحزبية، وعن الخلاف بينه وبين المرشح القوي للرئاسة عبدالعزيز بوتفليقة. فأكد انه لا خلاف بينه وبين بوتفليقة "فهو صديق قديم" يحترمه، وان الخلاف ينحصر في طريقة ترشحه. وهنا نص الحوار: لماذا تريدون اليوم ان تغيروا من مسار حزب جبهة التحرير الوطني، وتجعلوا منه حزباً مستقلاً، مع أنكم كنتم عبر كل المسار التاريخي للحزب تكرسون "التبعية" والأحادية؟ - جبهة التحرير الوطني رمز وليس تجمعاً، يشع بكل أبعاد الكفاح والنضال والتضحية، لكن مع الأسف عندما نعود الى التاريخ نجد ان هذا الحزب عمل كجهاز وليس كحزب. فالحزب هو الذي يتلقى الإشارات من تحت وليس من فوق، أما الجهاز فالإرسال يكون فوقياً. في أواخر السبعينات حاولنا ان نعيد الاعتبار للجبهة كحزب، بحيث تكون وفية لرغبات المناضلين وتطلعاتهم. لكن للأسف فشلنا و"عادت عمتي حليمة الى عادتها القديمة". كنت الوحيد في مجلس الثورة في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين أتحدث إليه بصراحة، وقلت له يوماً: "سيدي الرئيس اشتغلنا معك طيلة هذه المرحلة بأسلوب الموافقة ترضية لك، أو عن طيب خاطر أو خوفاً منك... لكننا نريد اليوم ان نتحول الى سياسة المشاركة". القائد الناجح هو الذي يشتغل مع الناس وليس بالناس. معنى هذا أنك ضد "المكايسة والمهادنة"؟ - نحن نريد ان تتغير الأساليب. لسنا ضد الأشخاص. فكثير من القيادات التي تعاقبت كانت تكرس "الاشتغال بالناس" و"ليس مع الناس" وهذا ما يؤلمني. فأنت تلاحظ كل مرة عبر مساري الحياتي كلما دعوت الى التغيير الذي يخدم وطني أُنعت مرة بپ"الشيوعي" وأخرى بپ"الاخوانجي". لكن بعضهم يقول ان يحياوي رجل غامض... ولا يمكن معرفة موقعه مسبقاً... ويقيسون ذلك بأنك حتى مع دعوة تغيير الأمين العام السابق عبدالحميد مهري لپ"الحزب" من حيث الآليات لم تقف في "خندقه"، لماذا؟ - الإختلاف مع مهري كان في قضية روما أو ما يسمى ب "سانت ايجيديو" حين اتخذ قرارات في غياب المكتب السياسي. وللتاريخ أقول أن مهري زارني في بيتي. وكنا نرى آنذاك ان حل الأزمة تم عبر الجبهات الثلاث الكبرى جبهة التحرير، الجبهة الاسلامية للانقاذ، جبهة القوى الاشتراكية. وكانت فكرتنا ان نتعامل مع عقلاء الجبهة الاسلامية المنحلة، الذين ينبذون العنف ويتبنون الحوار غير المشروط. لكن ما عرفته هو ان مهري التقى حسين آيت أحمد في باريس وأدخلا أطرافاً أخرى في معادلة الحل غير المتفق عليها... أي من دون استشارة المكتب السياسي. واستغربنا كيف ان كل الذين حضروا لقاء روما كانوا ممثلين باثنين أو ثلاثة، إلا مهري كان لوحده. الى جانب ذلك، كنت أرفض ان يجري هذا اللقاء في أرض غير أرض الجزائر، والذي عقّد سوء التفاهم ايضاً الأرضية التي خرج بها اللقاء. كل ما حدث ليس له علاقة بأدبيات جبهة التحرير الوطني، ولا بفكرها أو مشروعها. في "أرضية" أو "وثيقة" روما تحدثوا عن الانقلاب العسكري، ونحن نرفض هذه التسمية. ونرى ولا زلنا نرى، ان الجيش الوطني الشعبي رقم مهم وأساسي في معادلة حل الأزمة، فهل يمكن الحديث عن مصالحة أو حوار في غياب هذه المؤسسة الاساسية! أضف الى ذلك أن "الأرضية" الخاصة بالحل المقترحة في "روما"، جاء في مادة من موادها "إدانة قتل المدني والاجنبي"، وهذه المادة وكأنها فتوى بقتل ما عدا ذلك... وهذا نرفضه بشدة. فطرح جبهة التحرير الوطني ضد إراقة كل قطرة دم أي جزائري مهما كان... صحافياً أو موظفاً أو جندياً أو شرطياً .... هل يمكن ان توضح أكثر موضوع من كان من الرؤساء يخدم بپ"الناس"! - كل رئيس له ايجابياته وسلبياته. واذا حاولنا أن نعيد قراءة "خارطة" مسيرة رؤساء الجزائر، فأقول، ان فترة بن بلة كانت قصيرة ولا يمكننا ان نقومها بشيء من التفصيل. لكن المعروف عنه انه لم يكن يتعمق في كثير من القضايا، كما أنه كان يرتجل في أفعاله، ومتأثر بتجارب الآخرين. أما الراحل هواري بومدين فقد كان منشغلاً ببناء الدولة على حساب التفكير في بناء الحزب. وقد شرحت له مراراً ان مكاسب الدولة لا يمكن الحفاظ عليها إلا بحزب قوي، أو قوة سياسية. من هنا فقط بدأ يعطي أهمية للحزب... أما الشاذلي بن جديد فقد جاء في سياق سياسة "الموافقة". يقول كثيرون ان الصراع على السلطة في الجزائر اشتد بعد وفاة الرئيس هواري بومدين، وأن صراعاً ساخناً حدث بينك وبين عبدالعزبز بوتفليقة على خلافة الرئيس الراحل. - هذا غير صحيح. بعد وفاة بومدين حُسم موقف جبهة التحرير الوطني لمصلحة الرئيس الشاذلي بن جديد. وقال قال لي بوتفليقة آنذاك: "أرفض الدخول في قفص ولو من ذهب". بعضهم يريد إثارة الرماد بين وبين بوتفليقة. علاقتي به طيبة، يزورني وأزوره. لكن ما يعرف في الساحة اليوم أنك شبه غاضب على ترشح بوتفليقة، مع انه رجل من الوزن السياسي الثقيل، وله علاقات دولية كبيرة كما أنه ابن جبهة التحرير. - أنا لست ضد ترشح بوتفليقة. أنا ضد الأسلوب الذي جرى به تزكية الرجل.،.. كنا نرى ان نذهب الى مؤتمر استثنائي لجبهة التحرير ليترشح... واذا كان له حظ في الشارع فمرحباً به. كنا نريد ان يتوجه جميع المناضلين في جبهة التحرير وجهة واحدة، بدل ان يترشح أكثر من اسم، هم كل ابنائها: مولود حمروش وأحمد طالب الابراهيمي وبلعيد عبدالسلام وبوتفليقة... الخ. اعتقد ان الذهاب بكل هذه الأسماء المرشحة يخدم أحزاباً أخرى وبرامج ربما تتنافى وبرامج جبهة التحرير. من حق بوتفليقة ان يترشح، لكننا كنا نتمنى ان يتكلم باسم الجبهة ويفكر برؤاها. ما نشهده اليوم هو ان رصيد بوتفليقة في تصاعد من خلال كثافة لجان المساندة أو من خلال ما نسمعه في الشارع، في حين ان أطرافاً في جبهة التحرير كانت في السلطة وهي التي تهاجم المترشح... - ربما لأن الشيء المتداول هو أنه مرشح السلطة. لو قدّر لبوتفليقة ان يصبح رئيساً وطلب خدماتك، هل تقبل؟ - اسمح لي ان أعود للوراء. قل لي بالله عليك، الرئيس المرشح الذي يرفع شعار الجامع والمصالح، عليه ان يبدأ المصالحة في حزبه أولاً بحكم الأقربون أولى بالمعروف، ثم نعمم المصالحة على كل الجزائر... وبخصوص التعاون معه، نحن دوماً جنود لهذا الوطن، ومستعدون للتعاون مع بوتفليقة أو مع أي رئيس آخر، والشهية تأتي مع الأكل. وما أؤكد عليه هو ان "الرّجل بالرّجال". أتعاون مع كل الغيورين لخدمة الوطن، لكن من دون قيد أو شرط. هل من كلمة للرئيس المقبل؟ - أطلب منه ان يعيد ما لله لله وما لقيصر لقيصر، وان يعمل على حل الملف الأمني ويعمم السلم ويحقن دماء الجزائريين ويحفظ كرامتهم وان يخدم الشعب بصدق، وان يستبدل سياسة الموافقة بالمشاركة. فالرئاسة ليست غاية، بل هي وسيلة لحل متاعب الجزائر.