على الشاطئ اللازوردي في الجنوب الفرنسي، وقف ملك شاب أنيق ومهذب أمام الصحافيين يوم 9 كانون الأول ديسمبر 1925، ليعلن انه اكتفى من الغربة بعد أن أمضى نحو 13 شهراً في هذا المكان الجميل، وانه قد قرر العودة الى طهران ليستأنف حياته كعاهل لايران، ويستعيد مكانته في قصره وبين أعيان المملكة. لم يكن ذلك الملك الشاه الشاب منفياً ولا مخلوعاً. كل ما في الأمر انه كان ثمة شبه اتفاق على ان يخلي المكان موقتاً لزعيم صاعد هو رضا خان ريثما يتمكن هذا من توطيد الأمور الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في بلد تهزه الأزمات وتعصف به السياسات الخارجية. واليوم، وقد هدأت الأوضاع وتمكن رضا خان من تحقيق رهانه، لم يبق أمام الشاه إلا ان يعود ليستأنف مسيرة الحكم، مكملاً سلالة القجر التي كانت تحكم ايران منذ مئات السنين. ولكن في ذلك اليوم بالذات، أعلم الشاه أن ما يعلن عنه لن يكون أكثر من أضغاث أحلام. وأُكد له، أن عودته باتت غير ممكنة، لأنه لن يستطيع ان يكون ذا وزن على الإطلاق في مواجهة رضا خان الذي أصبح الرجل القوي في البلاد. قيل للشاه بكل وضوح، انه بات الشاه الأخير في سلالة القجر، وان حكمه انتهى، ومن الأفضل له - من الآن فصاعداً - أن يدبر شؤون عيشه في فرنسا، أو في أي بلد آخر يختاره… باستثناء ايران. وعلى ذلك النحو انتهى عهد عريق، ليبدأ عهد جديد في ايران بعد ذلك بفترة يسيرة. فالحال، ان ما قيل لأحمد شاه، في ذلك اليوم همساً وأحزنه، سيتحول الى خبر شغل الصحافة العالمية بعد ذلك بأيام قليلة، اذ في الثالث عشر من ذلك الشهر نفسه صوت البرلمان الايراني المجلس على قانون يقضي بخلع سلالة القجر كلها وبالتالي آخر شاهاتها أحمد شاه، كما صوت على قانون آخر ينص على وضع سلالة آل بهلوي على العرش الايراني، في شخص رضا خان الذي كان بدأ صعوده منذ سنوات وراح يسجل الانتصار تلو الآخر، ويدعو الى تحديث ايران والى ادخالها العصور الحديثة. في ذلك اليوم اذن، انتهى عهد أحمد شاه، وبدأ عهد رضا شاه، ولئن كان العرف يقضي بأن يطلق على رضا شاه لقب شاهنشاه، أي ملك الملوك، فإن هذا العاهل الجديد رفض هذا "التفخيم المبالغ فيه" مكتفياً بلقب "شاه". اذن، في الوقت الذي جلس فيه أحمد شاه في الجنوب الفرنسي يتأمل حزيناً في المصير الذي آل اليه، غريبا عن وطنه، كان الشاه الجديد، رجل ايران القوي، يدخل المجلس، وفي يده مصحف كريم. وما ان وصل الى المكان المخصص له أمام النواب حتى خر على ركبتيه وأقسم على المصحف معلناً بذلك تبوئه عرش ايران. وكان رضا خان، تبعاً للقانون الصادر في الرابع من حزيران من ذلك العام نفسه والذي ينص على انه يتعين على كل ايراني ان يختار لنفسه اسم عائلة، كان قد اختار اسم "بهلوي" فهلوي الذي يحيل الى لغة الساسانيين القديمة، "الساسانيين الفرسان الشجعان" الذين لم يتردد الفردوسي عن امتداحهم وامتداح شجاعاتهم وبطولتهم في كتابه الشهير "الشاهنامه". وبذلك الاختيار يكون رضا خان قد اخترع لنفسه سلالة عريقة ما اضفى على تبوئه العرش شرعية كان يفتقر اليها، هو الفارس المجهول الآتي من القوقاز، ومن اصول غير واضحة ليصبح سيد البلاد بلا منازع. اذن، في ذلك اليوم حلت اسرة محل اسرة، وحل شاه محل شاه. لكن الأمر لم يفاجئ احداً لا في داخل ايران ولا في خارجها. اذ منذ سنواكان من المعروف ان هذا سوف يحصل، لذلك ما ان اعلن ذلك كله، وحدد شهر نيسان ابريل المقبل موعداً للتتويج حتى راحت قوى ايران وفاعلياتها تتبارى في ابداء الولاء ازاء الشاه الجديد، في الوقت الذي كان فيه حزن الشاه القديم يشتد. وسوف يقال لاحقاً ان ايران كلها أيدت ذلك التبدل، باستثناء رجل واحد، كان لا يزال شاباً في ذلك الحين، لا يعرف عنه أحد شيئاً، اسمه محمد مصدق. غير ان مصدق لم يعارض حباً في الشاه القديم واملاً في ان تظل سلالة القجر في الحكم، بل بكل بساطة لأنه كان يتطلع الى ان تصبح ايران جمهورية. الصورة: أحمد شاه، ازيح عن العرش وهو في فرنسا