نائب وزير البيئة يؤكد أهمية الشراكات مع القطاع غير الربحي    بسبب خروقات الاحتلال.. استشهاد 386 فلسطينيا في غزة    أمير منطقة تبوك يكرم الفائزين بجائزة "تبوك للعمل التطوعي" في دورتها الثانية    الأبيض يرافق النشامى    ترامب يدعو أوكرانيا إلى إجراء انتخابات    اختتام أعمال منتدى اليوم الدولي لمكافحة الفساد 2025    هاتفياً... ولي العهد ورئيس إندونيسيا يستعرضان العلاقات الثنائية وسبل دعم مجالات التعاون    ألونسو تحت الضغط لكنه متفائل قبل مواجهة مانشستر سيتي    التزام سعودي - إيراني بتنفيذ اتفاق بكين    رئيس لجنة النقل بغرفة الأحساء: القطار الكهربائي بين المملكة وقطر خطوة استراتيجية تنموية كبيرة    القبض على مواطنين بتبوك لترويج الحشيش وأقراص خاضعة للتداول الطبي    أمطار الرحمة تعانق المسجد النبوي    الشورى السعودي يوقع مذكرة تفاهم مع نظيره القطري    أمير جازان يكرّم الطالبة لانا أبوطالب لتحقيقها الميدالية الذهبية في معرض سيئول للاختراعات 2025    ولي العهد يفتتح مرافق قاعدة الملك سلمان الجوية    فيصل بن مشعل يستقبل مالك نادي الخلود بالرس    الجامعة العربية تدين اقتحام القوات الإسرائيلية مقر "الأونروا" بالقدس الشرقية    القادسية يفكر في لاعب فلامنغو    زيلينسكي يصل روما لمناقشة خطة السلام    أمانة جدة تباشر جهودها الميدانية للتعامل مع الحالة المطرية    رصد أكثر من 10 آلاف طائر مائي في محمية جزر فرسان    شمال جدة يسجل أعلى هطول أمطار في السعودية خلال 5 ساعات    وزارة الثقافة توقع مذكرة تفاهم مع مركز الملك فيصل لتعزيز التعاون العلمي والثقافي    انطلاق ملتقى هيئات التطوير تحت شعار «نخطط مدن لمستقبل مزدهر»    تعليم الطائف يُطلق حملة 10KSA الدولية    صحفيو مكة يستضيفون عبدالعزيز خوجة في لقاء عن الصحافة السعودية    توسع شركة الفنار للمشاريع عالميا بافتتاح مكاتب جديدة في الصين والمملكة المتحدة    حي حراء الثقافي يعزّز التجربة السياحية    تراجع أسعار النفط    أمطار على منطقة القصيم    الرعاية المنزلية: خدمة إنسانية تقلل عبء المستشفيات    موجز    إطلاق 37 كائناً فطرياً في «محمية الحجر»    متحدث الجوازات: تفعيل الجواز شرط للسفر بالهوية الوطنية بعد التجديد.. ولا يشمل الإصدار لأول مرة    تمطيط    حماس منفتحة على مناقشة تجميد السلاح.. إسرائيل تضع حدوداً جديدة لغزة ب«خط أصفر»    هل ينشر الإنترنت الجهل؟    منتخب عمان يتغلب على جزر القمر ويودع كأس العرب    برعاية وزير الرياضة| انطلاق بطولة مهد الدولية للقارات في نسختها الثانية    القوات الخاصة للأمن البيئي تشارك في معرض (واحة الأمن) بمهرجان الملك عبدالعزيز للإبل ال (10) بالصياهد    الرسالة الأهم.. أنت تختلف عنهم    ماجدة زكي تبدأ تصوير رأس الأفعى    «مندوب الليل» يجسد أحلام الطبقة الشعبية    تركها زوجها وحيدة .. أسترالية تموت «متجمدة»    «الشمالية».. محطة الطيور المهاجرة    إطلاق «هداية ثون» لتطوير الخدمات الرقمية بالحرمين    4.8 % نمو الناتج المحلي    الميكروبات المقاومة للعلاج (3)    إحالة منشأة إلى النيابة لبيعها أجهزة طبية مخالفة    "التخصصي" يتوّج بثلاث جوائز    إحالة منشأة إلى النيابة لتداول أجهزة طبية مخالفة    الاجتماع الأول للجنة الصحة المدرسية لمناقشة مهامها ضمن إطار انضمام محافظة بيش لبرنامج المدن الصحية    الرياض أول مدينة سعودية تنضم رسميًا إلى شبكة المدن العالمية    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل رئيس مجلس إدارة جمعية الذوق العام    ⁨الإسلام دين السلام لا إرهاب وعنف⁩    لا تلوموني في هواها    هيئة «الشورى» تحيل تقارير ثلاث جامعات للمجلس    نائب أمير الشرقية يطلع على أعمال فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهوية الإيرانية من «الساسانية» إلى «نظام الملالي»
نشر في الرياض يوم 10 - 01 - 2018

لو طرحنا سؤالأ محددا وهو: من هم الايرانيون؟ لوجدنا في الحقيقة صعوبة في الاجابة على هذا السؤال. فقد مرت ايران خلال القرن الماضي بالكثير من التحولات الاجتماعية والسياسية، التي أثرت وبشكل واضح على مكونات الهوية الإيرانية. حيث كان هناك ذلك الصراع بين التراث الفارسي قبل الإسلام الذي تم تصويره على أنه المصدر الأصيل للهوية في عصر "الشاهات"، وبين إيران "الإسلامية" والتي ستبرز كردة فعل مع قيام ثورة الخميني في عام 1979م.
التاريخ الفارسي القديم
والهوية الإيرانية
لم يغب تاريخ الفرس القديم لاسيما تاريخ الساسانيين "226-651م"، عن تشكيل الهوية الايرانية المعاصرة منذ عهد الدولة البهلوية "1925-1979م". فمنذ عهد حكم رضاه شاه بهلوي "1926-1941م"، كان هناك محاولات قسرية لبناء هوية ايرانية تستوعب الماضي الساساني بكل قوة. وكان هذا يعني فرض هذه الهوية الجديدة على الكثير من الاثنيات والعرقيات في إيران وعلى حساب هذه الهويات واحترامها وحقوقها. ويمكن أن نرى ذلك من خلال تمجيد الامبراطوريات الفارسية القديمة لاسيما الامبراطورية الساسانية من قبل رضا شاه. ثم قام بعد ذلك بالعمل على تقليص سلطة رجال الدين وكذلك السلطات المحلية وطبقة الملاك في مناطق هذه الأقليات. وفي سبيل إبراز تفوق العنصر الفارسي على من حوله من الأعراق تم ربط أصل الايرانيين بالآريين من خلال مايعرف في الدراسات التاريخية بالنظرية الآرية. لقد انكب المثقفون الإيرانيون على قراءة كتب المفكرين الغربيين وخاصة مايتعلق منها بالتقسيمات اللغوية والعرقية، والتي قسمت لغات العالم الى عوائل لغوية مختلفة "language families". حيث تم تقسيم هذه اللغات إلى اللغات السامية واللغات الهندوأوروبية، وتم تصنيف اللغة الفارسية ضمن القسم الأخير. وقد بني على هذا التقسيم اللغوي تقسيم عرقي للشعوب، بحيث تم تصنيف كل الشعوب التي تنتمي إلى مجموعة لغوية معينة. وبذلك جاءت إيران ضمن الشعوب الهندوأوربية مما يعني أنهم أصبحوا مع الأوروبيين في السلالة الآرية التي كانت تصور على أنها السلالة المتميزة جينيا وحضارياً عن بقية السلالات "Master race". وترتب على هذا خلق نظرة دونية وعدائية للعرب الذين اصبح ينظر اليهم على انهم من عوامل "التخلف" الإيراني. وبناء على كل هذا تم تغيير اسم البلاد من فارس إلى إيران "بلاد الآريين" منذ العام 1935م. حيث نعلم أن مندوبية إيران في برلين قد قامت بإرسال مقترح نازي إلى وزارة الخارجية في طهران بتغيير اسم الدولة من فارس "Persia" الى إيران "Iran" لأن إيران هي الموطن الأصلي للعرق الآري. وقد تبنى ملك إيران آنذاك، رضا شاه بهلوي، هذا المقترح، وتم تغيير الاسم فعلا. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تم استبعاد التقويم الإسلامي ليحل محله التقويم الفارسي الشمسي. وكذلك منع الحجاب في الأماكن العامة. وكان من الطبيعي ان يصاحب كل ذلك هجوم حاد على العرب وإرثهم الحضاري الكبير في ايران بصفتهم غزاة محتلين. وقد لعبت الملكية دورا في التأكيد على استمرار الهوية الإيرانية من العصر الساساني الى عهد الشاه. ثم اتخذ لقب ملوك فارس القبلي "بهلوي". ويمكن أن نرى الدوافع هنا وراء اتخاذ رضا شاه لهذا اللقب فيما ذكره محمد رضا شاه حيث قال: "يحتل اسم بهلوي جذورا عريقة في تاريخ بلادنا"، إنه اسم الموظفين والأباطرة خلال الحقبة الساسانية". وتأكيدا على سياسة اسرة الشاه في الحفاظ على هذا اللقب لمافيه من قيمة تاريخية تؤكد على ارتباط الهوية الايرانية الحديثة بالهوية الساسانية نجده يقول: "انه اسم والدي الذي تركه لي والذي سأورثه إلى أبنائي". ومن مظاهر احياء التراث الفارسي قبل الإسلام اتخاذ محمد رضا لقب "شاهنشاه آريامهر" "ملك الملوك" وهو لقب تشريفي تم تتويجه به في طهران العام 1976م. ومن مظاهر هذا الإحياء كذلك الاحتفال المعروف "جشن سده" "احتفال المائة" الموغل في القدم في تشك تشك قرب مدينة يزد على أطراف الصحراء الإيرانية الكبرى. حيث تذكر الأسطورة أن البنت الكبرى لآخر ملوك الساسانيين يزدجرد الثالث واسمها مهربانو قد قادت جماعة من المقاتلين لقتال جيوش الفتح الإسلامي واستمرت هذه المعارك لمدة 15 سنة. وأخيرا وأمام تقدم الجيوش الإسلامية فقد اختفت هذه الأميرة في الجبل الأجرد. وتستمر الأسطورة لتذكر إن شجرتين نبتتا لتظليل قبرها كما تفجّر نبع ليذرف الدموع عليه. ومع أن الحج الى هذا المزار كان من قبل الزرداشتيين منذ عصر الفتوحات الإسلامية الا ان هناك الكثير من الحجاج الإيرانيين الذين يشاركون فيه اليوم. ومن مظاهر انغماس الهوية الإيرانية في التاريخ الإيراني السابق على الإسلام الاحتفال المعروف ب "تشارشنبه" أي احتفال النار والذي يقفز فيه الإيرانيون فوق النار وينشدون أناشيد تعود إلى عصر ما قبل الفتح الإسلامي.
العنصرية "العرقية الفارسية والدينية الشيعية" لعنة تطارد إيران
كل هذا الانغماس في التاريخ الإيراني القديم كان يعني محاولة "تطهير" التاريخ الإيراني والهوية الإيرانية من كل ماجاء به العرب المسلمون إلى إيران. وكان يقف على رأس هذه الجوانب الإسلام نفسه، والذي كان معضلة في طريق الشاه الذي حاول قدر الامكان من تقليل دور هذا الدين في إيران أو القضاء على هذا الدور ان امكنه ذلك. فالإسلام في نظر رضا شاه كان يعاني من عدة مشاكل منها أنه كان عربيا وليس فارسيا، وكذلك لايعترف بتاريخ إيران السابق عليه وأخيرا فهو يتناقض مع الحداثة التي تحمس لها الشاه كثيرا. ومن هنا نجد رضا شاه يقوم بعملية أفرسة كبيرة حيث غير أسماء الكثير من المدن إلى أسماء فارسية ثم وجه بعد ذلك باعتبار اللغة الفارسية هي اللغة الوحيدة الرسمية في إيران. كما حاول مسح الكلمات العربية من اللغة الفارسية لكي لايبقي أي أثر ممكن للعرب وثقافتهم في ايران، باعتبار أن العرب قد اغتصبوا اللغة الفارسية ودنسوها.
ثورة 1979م ومأزق الهوية
الإيرانية مهما يكن من أمر فإن محاولات رضا شاه وابنه محمد لخلق هوية إيرانية جامعة وبالقوة، كانت تحمل في طياتها بذور الفشل. فمن ناحية لم تنجح هذه المحاولات في استيعاب الاثنيات الأخرى التي رأت في هذه الهوية الفارسية سطوا صريحا على ثقافاتها وتاريخها. ومن ناحية أخرى فشل هذه المحاولات في اقناع معارضيها بأنها الطريق الأمثل لبناء دولة ايرانية وطنية وقوية. وهذا ما جعل منتقديها لاسيما من الاسلام الراديكالي ينتقدونها وبشدة بل ويعارضون "أفرسة" الهوية والثقافة الايرانية، وكسلاح يستخدم ضد هذه التوجه من قبل رضا شاه وابنه محمد نادى هؤلاء الاسلاميون الرادكاليون ب "أسلمة" الهوية والثقافة الايرانية. يقول الخميني:"قبل الإسلام عانت الأراضي التي بوركت الآن بالدين الحق بشدة من الجهل والقسوة. ليس هناك مايستحق التمجيد في هذا الماضي". ومن هنا فقد قام نظام الملالي بالعمل على القضاء على مظاهر الهوية والثقافة العلمانية التي كانت سائدة في عهد الشاهات. فأغلقت الجامعات لمدة سنتين من اجل "تنقية المناهج". وفرض الزي "الاسلامي" كالزي الرسمي الوحيد في البلاد. وحارب في بدايته المظاهر الاحتفالية القديمة والسابقة على الاسلام كالاحتفال بعيد النيروز وغيره. لكن المشكلة الكبرى أن نظام الملالي قد وجد نفسه أمام مأزق كبير، مما قاده إلى الوقع في مأزق أكبر (Iranian Identity Crisis). حيث فاقم قيام الجمهورية الاسلامية من التصدعات القائمة اساساً في جدار الهوية الإيرانية ولم ينجح المشروع الذي جاء به الملالي من أجل خلق هوية جامعة وقوية لإيران. فكان الانفصال واضحاً ومنذ البداية بين الإسلام والحداثة وكذلك بين الإسلام والآخر الغير المسلم، بل وبين المسلم الشيعي والمسلم السني. حيث لم يعمل نظام الملالي على محاولة استيعاب الآخر المختلف في ايران من أجل بناء الهوية الجامعة. كما لم يعمل هذا النظام على محاولة التعايش السلمي مع الجوار والآخر المختلف خارج حدود الدولة. فقد حدث العكس تماماً حيث قام هذا النظام على خلق رؤية خاطئة عن الماضي وكراهية للجوار وتصور خاطئ حول وظيفة الدولة. وهنا وجدت ايران نفسها امام نقطة مفصلية وهامة في التاريخ الايراني الحديث وهو الأمر الذي سيكون له تبعاته اللاحقة وهو تغير مفهوم دور الدولة. ففي عهد رضا شاه وابنه كان الهدف الأسمى للدولة هو بناء دولة قوية قادرة على الدفاع عن حدودها واراضيها. أما مع صعود الاسلام الراديكالي مع ثورة الخميني فقد أصبحت وظيفة الدولة نشر "الأفكار الاسلامية" إلى خاج الحدود وهو مايعرف بتصدير الثورة ( Export of revolution ). والحقيقة ان هذا المبدأ الأصيل في الدستور الإيراني الذي ينص على "تحقيق الحكومة العالمية العادلة" قد جاء ليحقق العديد من الأهداف، منها: انه يحقق الرضا النفسي لنظام الملالي الذي لايستطيع العيش في جو من الأمن والاستقرار. ثم انه وسيلة جيدة لنظام الملالي للهروب من مشاكلهم الداخلية وتوجيه انظار الشعب الإيراني الى الخارج بدلا من الداخل. حيث يتم شحن الجمهور الإيراني بضرورة محاربة "العدو الخارجي" الذي كان في بعض الأحيان عدوا متوهما وفي أحيان أخرى تم صنعه من قبل نظام الملالي. ومن هنا كان دائما مايتم تجاهل مشاكل الفقر والبطالة والإدمان..الخ. وأخيرا فهو وسيلة لتفكيك الدول المجاورة والسيطرة عليها. إن عدم قدرة نظام الملالي وكما هو الحال مع نظام الشاهات من قبلهم على استيعاب الاثنيات المختلفة والبحث عن المشترك بينها داخل هوية ايرانية جامعة من ناحية، وتبنيهم لمبدأ تصدير الثورة من ناحية أخرى، كانتا السبب وراء اندلاع المظاهرات العارمة التي شهدتها ايران مؤخراً. فخطاب نظام الملالي الذي أراد دغدغة مشاعر الايرانيين بالحديث عن هوية اسلامية سرعان ماسقط أمام تمييز العنصر الفارسي ومنحه كافة الحقوق والصلاحيات على حساب بقية مكونات الشعب الإيراني. وكذلك تمييز المسلم الشيعي على حساب غيره من اصحاب المذاهب الإسلامية الأخرى. ومهما حاولت إيران فإنها لن تنفك من "لعنة الهوية" إلا بتخليها عن العنصرية سواء العنصرية العرقية او العنصرية الدينية.
صورة توضح تناقضات الهوية في إيران
الشاه محمد رضا بهلوي
الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران
Your browser does not support the video tag.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.