تستعد اليابانوكوريا الشمالية لطي آخر ورقة في ملف الحرب الباردة بمعاودة العلاقات الديبلوماسية بينهما بعد سنوات من القطيعة والأجواء المشحونة بالريبة والمخاوف. فاليابانيون يخشون من الصواريخ الكورية ذات الأذرع الطويلة والتي تشكل مع القوة النووية الصينية أكبر خطر يهدد أمنهم. والكوريون لم ينسوا سنوات الاحتلال الياباني وما زالوا يرون في اليابانيين أصحاب مشروع "امبريالي" في آسيا أقله في المجال الاقتصادي. في هذا الاطار يبدو التقارب الياباني - الكوري الشمالي خطوة ذات دلالة في اسقاط جدار برلين الآسيوي ودفع المياه الى التدفق مجدداً في قنوات الحوار بين عدوي الأمس طوكيو وبيونغ يانغ، خصوصاً أن تلك العداوة غذَّت برامج التسلح المكلفة للشعبين ودفعت الى إنشاء جيوش جرارة تحسباً لأي مجابهة عسكرية مع "الخصم الاستراتيجي"، أو في الأقل لتكريس مبدأ الردع المتبادل. وتزامن التقارب الحالي مع زيارة وفد برلماني ياباني التقى نظراءه في الحزب الواحد في كوريا الشمالية وأصدرا بياناً حضا فيه على بدء محادثات في أقرب الآجال لمعاودة العلاقات الديبلوماسية، إلا أنه حمل دلالات فرعية في مقدمها ان السلام مع كوريا بات مطلباً يحظى بإجماع اليابانيين كون الوفد ضم ممثلين لجميع الأحزاب اليابانية الممثلة في البرلمان. طبعاً لن يؤدي التطبيع الى توقف سباق التسلح في شرق آسيا والذي تشكل اليابان "المسالمة" أحد أعمدته الرئيسية كونها ثاني قوة عسكرية تقليدية في القارة على رغم أن دستورها يحظر على جيشها، الذي يسمى "قوات الدفاع الذاتي"، القيام بأي مهمة عسكرية في الخارج. إلا أن الثابت ان السباق سيخف وأن الولاياتالمتحدة التي تتولى "حماية" اليابان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ستجد مبررات أقل للمحافظة على قواعدها في أوكيناوا وأساطيلها في بحر الصين. والثابت أيضاً أن نزعات تعديل الدستور الياباني لتشريع القيام بمهمات تخرج عن اطار الدفاع ستفقد مبرراتها أيضاً إذا ما انتهت الحرب الباردة بين اليابان من جهة وكوريا الشماليةوالصين من جهة ثانية. أبعد من مجرد التطبيع مع كوريا الشمالية، الذي يساعد نظامها الستاليني على الخروج من عزلته، ترمي السياسة اليابانية الجديدة الى إحلال مناخ مطمئن لجيرانها الكبار أملاً بالانتقال من موقع القوة الاقتصادية الى موقع القوة السياسية الدولية وتهيئة الشروط للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن. ويبدو أن الخطوات التي قطعتها حتى الآن لتكريس دور دولي، ان على صعيد المشاركة في إطفاء النزاعات بما في ذلك إرسال قوات مراقبين للأمم المتحدة أو على صعيد قيادة المنظمات الدولية، بدأت تعطي أكلها خصوصاً أنها تستند الى قدرة كبيرة على منح القروض والمساعدات لم تعد متوافرة لسواها. والأرجح أن العام المقبل الذي ستدشنه اليابان ببدء مفاوضات التطبيع مع كوريا سيتوجه بإقرار دولي بحقها في شغل مقعد عضو دائم في مجلس الأمن.