عندما أطلقت جنرال موتورز علبة السرعات الأوتوماتيكية الأولى في 1941 علبة "هايدراماتيك" عبر فرعها أولدزموبيل، ثم علبة "داينافلو" التي جُهّزَت بأول محوّل للعزم Torque converter عبر فرعها الآخر بويك في 1948، شكّلت تلك التقنية نقلة نوعية مهمّة أراحَت السائق من جهدَي تشغيل دوّاسة التعشيق والتنبّه الى ملاءمة النسبة المعشّقة أو "المركّبة" في التعبير الدارج لكل من السرعة والحمولة وجملة ظروف أخرى منها إنحدار الطريق مثلاً. كم من سائق تنفّس الصعداء منذ إطلاق العلبة الأوتوماتيكية؟ لكن بعد تطوّرها منذ أكثر من نصف قرن، لم تعد هناك علبة أوتوماتيكية واحدة اليوم، بل مجموعة تقنيات طوّرت المبدأ ذاته لتجاوز العلبة البسيطة التي تنوب عن السائق في إنتقاء النسبة الملائمة، الى علب أخرى مُبرمجة، منذ أواخر الثمانينات، لأخذ معايير مختلفة في حساباتها قبل تحديد أفضل نسبة ممكنة للظرف المعيّن. فإذا رصدت أجهزة التحسس مثلاً عودة دوّاسة الوقود فجأة الى وضعيتها الأساسية، مع ضغط مفاجئ لدوّاسة الكبح خلال مهلة قصيرة، بينما تشير أجهزة رصد وضعية الهيكل الى نزوله في منحدر بجهاز يعتمد مبدأ الزئبق، "يُدرك" برنامج التحكّم بالإدارة الإلكترونية لوظائف البخ والإشعال وضبط العلبة، أن المطلوب نسبة أقصر من الحالية، خلافاً لسلوك العلب الأوتوماتيكية التقليدية التي كانت تغيّر الى نسبة أطول فور رفع السائق قدمه عن دوّاسة الوقود، أياً تكن ظروف الطريق أو القيادة. لكن تخيير العلبة الأوتوماتيكية العصرية سائقَها بين تركها تغيّر وحدها تماماً، أو تركه هو يغيّر النسب يدوياً من دون دوّاسة تعشيق، من نسبة الى التالية لها صعوداً أو هبوطاً، شكل آخر مراحل التطوّر الذي يمكن أن تبلغه العلبة الأوتوماتيكية ذات النسب الثابتة التي تعتمد كل منها ترساً خاصاً بقطر معيّن وعدد محدد من الأسنان. صحيح أن هذه العلب أصبحت أكثر إغراء مع زيادة إنتشار خيارات الغيار بواسطة بضعة أزرار في المقود، كما يتوافر الأمر خصوصاً في السيارات الألمانية، لكن التقنية ذاتها بلغت ما يمكن أن تبلغه ميكانيكياً وإلكترونياً، في إنتظار نقلة تالية. آودي "مالتيترونيك" هنا تدخل علبة آودي "مالتيترونيك" ذات النسبة الأمامية المتبدّلة بإستمرار، أي من دون تروس ثابتة لكل نسبة. ليس هذا النوع من العلب، وهو يُعرَف بتسمية علبة النسبة الدائمة التبدّل Continuously Variable Transmission, CVT، جديداً بل هو معروف منذ سنوات عدة في بعض السيارات الصغيرة في أوروبا واليابان، لكن نقطة ضعف هذه العلبة بقيت مشتركة: أولاً، لم يمكن إعتمادها مع غير المحرّكات الصغيرة، ثم ضجيجها الواضح، وشعور السائق غالباً بميوعة التعشيق في بداية ضغط دوّاسة الوقود، فترتفع سرعة دوران المحرّك بقوة نسبياً قبل إنتقال العزم فعلاً الى العجلات. لكن راحة هذه العلب كانت من المتعة ما كفى سائقين عدة لم يشكّل الصوت مشكلة كبيرة لهم في سيارة صغيرة ومضجّة أساساً. وبعدما قرّرت نيسان حديثاً إطلاق تقنية علبة النسبة الدائمة التبدّل مع محرّك ال0.2 ليتر في موديل "بريميرا"، ما يمثّل قفزة نوعية مهمّة مقارنة بإعتمادها سابقاً مع محرّكات صغيرة ستطلق نيسان هذه التقنية أيضاً في محركات أكبر تصل سعتها الى 0.3 ليتر، ستدخل آودي نهاية السنة الجارية بعلبتها "مالتيترونيك" الإلكترونية الضبط، مع محرّك بست أسطوانات سعتها 8.2 ليتر، ولا يقل عزم دورانه عن 280 نيوتون-متر قوة 193 حصاناً. مع أن "مالتيترونيك" تعتمد المبدأ المعروف بتبدّل النسبة بإستمرار، تختلف وسائلها كثيراً عن العلب المشابهة الدور والتي إعتمدت حتى الآن مبدأ الحزام الرابط لبكَرَتين، أولاهما خاضعة لحركة العمود المرفقي، والثانية تشغّل محور نقل الحركة الى عجلتَي الدفع، بعد مرورها بعلبة التروس التفاضلية. دور "مالتيترونيك" ماذا تقدّم علبة "مالتيترونيك"؟ دورها الأساسي منح السائق خياراً من إثنين: إما تركها تغيّر أوتوماتيكياً، لكن من دون النتعات المعروفة مع العلب العادية أو الأوتوماتيكية التقليدية التي تعتمد عدداً محدداً من النسب الخاضعة لمقاييس تروس معيّنة، أو يغيّر السائقُ بين ست نسب أمامية محددة إلكترونياً، فلا يحصل غيار بين تروس حقيقية... بل وهمية، أي بين ست "محطات" أو معايير ثابتة ومحددة مسبقاً في البرمجة الإلكترونية، لتشبه أداء العلبة التقليدية لمحبي القيادة الرياضية، لكن من دون دوّاسة تعشيق أو تروس فعلية. من ناحية الأداء، تعد آودي بتلبية تفوق ما تتيحه حتى أنسب العلب الأوتوماتيكية الحالية وأكثرها تطوّراً، مع إستهلاك أقل منها، وخصوصاً من دون حصول أي نتعة غيار، لمجرّد غياب التروس المألوفة في العلب العادية. بل حتى في المقارنة مع أداء المحرّك ذاته بعلبة يدوية بحتة، تتفوّق "مالتيترونيك" حسب أرقام آودي بهامش بسيط جداً في مجالَي التلبية والإستهلاك. وللمقارنة، تبلغ "آي 6-8.2 مالتيترونيك" سرعة المئة كلم/ساعة بعد الإنطلاق في مهلة تقل 3.1 ثانية عن التي تتطلبها السيارة بالمحرّك ذاته مع علبة أوتوماتيكية، و1.0 ثانية عن التي تتطلبها مع علبة يدوية تلبية مشابهة عملياً. وحتى في إستهلاك البنزين، تكتفي الأولى بكمية تقل 9.0 ليتر عن الثانية كل مئة كلم، و2.0 ليتر عن اليدوية. وستُباع "آي 6-8.2 مالتيترونيك" في ألمانيا لقاء 71050 ماركاً 36448 يورو بهيكل الصالون، و74780 ماركاً بهيكل الواغن "أفانت" 38362 يورو. كيف تعمل علبة "مالتيترونيك"؟ خلافاً لعلب السرعات المألوفة التي ضمّت حتى اليوم مجموعة من التروس المختلفة المقاييس، تعتمد "مالتيترونيك" ترسَين أساسيين، يتلقى أولهما عزم المحرّك قبل تحويله، بواسطة سلسلة الوصل الفولاذية راجع الرسم الى ترس ثاني ينقل عزم الدوران الى بقية نظام نقل الحركة الى عجلتَي أو عجلات الدفع. ويخضع كل من الترسَين لوحدة ضغط متحرّكة، تتقدّم أو تتراجع بضغط هيدروليكي تحدده وحدة إلكترونية خاصة حسب المعلومات المتوافرة عن السرعة ووضعية دوّاستَي الوقود والكبح، ونزول السيارة أو صعودها أو إنعطافها، وحمولتها. وهنا تحديداً يحصل التبدّل الدائم للنسبة: فكلّما إزداد الضغط المطلوب من المحرّك من خلال دوّاسة الوقود، ومعلومات الحمولة... ألخ، يرتفع الضغط الهيدروليكي فينضغط جزءا مبدّل النسب Variator على سلسة الوصل الفولاذية، في الجهة الناقلة للعزم الى نظام نقل الحركة الى عجلتَي الدفع، بينما يخف الضغط عن سلسلة الوصل في مبدّل النسب المتلقي لعزم المحرّك. وكلّما إرتفعت السرعة وخفّ الطلب على ضغط المحرّك مع تزايد السرعة، يزداد الضغط على سلسلة الوصل الفولاذية بين فكَّي المبدّل المتلقي للعزم، ويخف عنها بين فكَّي المبدّل الناقل للعزم في إتجاه عجلتَي الدفع. وفي تباين الضغط الهيدروليكي على كل من فكَّي المبدّلين، تتباين نسب نقل الحركة وكأن هناك مجموعة لامتناهية من التروس المتقاربة النسب، عوضاً عن خمس نسب أو ست مثلاً، فلا يشعر المرء بأي غيار لأن ليست هناك تروس بنسب ثابتة. وفي القيادة بسرعة ثابتة أي من دون طلب ضغط قوي من المحرّك فوق 60 كلم/ساعة، تتحوّل النسبة من المجالات المقصّرة أي المتدنية، والمطلوبة لزيادة قدرة السحب، الى المجالات المُضاعفة للسرعة أوفردرايف، لتخفيف إستهلاك الوقود. ونظراً الى أهمية دور سلسلة الوصل الفولاذية، تؤكّد آودي نجاح معدنّها المقوّى في تخطي مختلف إختبارات الخدمة القاسية الممكن تعرّضها لها، من دون بلى المعدن أكثر من 2.0 ملم في نهاية الخدمة المتوقّعة للسيارة نحو 160 ألف كلم عموماً في حساب الصانعين، ما لا يؤثّر في الأداء بنسبة ملحوظة، حسب آودي، حتى بعد تلك الخدمة. ويلعب معشّق الإنطلاق Starting clutch يقع وظيفياً بين العمود المرفقي ومبدّل النسب المتلقي لعزم المحرّك في "مالتيترونيك" دور مضاعف العزم Torque converter المعروف في العلب الأوتوماتيكية العادية. وهو يفصل عزم دوران المحرّك عن علبة "مالتيترونيك" قبل الإنطلاق، أو عند الوقوف أمام إشارة السير مثلاً، كما يتميّز عن مضاعف العزم التقليدي بسرعة إستجابته يخضع للضبط الإلكتروني في نقل المقدار الملائم من عزم المحرّك، وفي مهلة قصيرة جداً، عند الإنطلاق بنعومة أو بضغط قاسٍ على دوّاسة الوقود. ويحظى النظام الهيدروليكي لعلبة "مالتيترونيك" بمضخّتين، توفّر أولاهما الضغط اللازم بين 20 و60 بار لتحريك مبدّلَي النسب وحشر سلسلة الوصل الفولاذية، بينما تتولّى الثانية مهمة ضخ الزيت لتبريد المعشّق.