إذا كان بدء المفاوضات السورية - الاسرائيلية أصعب من اختتامها، فإنه لا يتبع هذا المنطق ان نجاح المفاوضات أمر محسوم، لأن احتمال الفشل يظل قائماً حتى لو كان أصغر من احتمال النجاح. إذا انتهت المفاوضات بالفشل، فسيكون السبب موقف اسرائيل لا سورية، فالأولى لها قائمة مطالب لا تنتهي، في حين ان للثانية مطلب واحد هو الانسحاب من أرضها المحتلة. ولعل وزير الخارجية السوري فاروق الشرع يعرف الصعوبات أكثر من غيره، فهو خلال يومين من المفاوضات مع رئيس وزراء اسرائيل ايهود باراك في واشنطن، كان يطالب بالانسحاب فيرد عليه الجانب الاسرائيلي بالحديث عن الترتيبات الأمنية والماء وغير ذلك. وعاد باراك الى اسرائيل ليقول في مجلس الوزراء الاسرائيلي وفي مقابلات تلفزيونية محلية وخارجية ان حكومته لم تقدم اي تعهد مسبق للسوريين، وهو اعتبر المحادثات الحالية استمراراً لمحادثات كثيرة سابقة بين الطرفين، من مؤتمر مدريد سنة 1991 مع رئيس الوزراء في حينه اسحق شامير، وبين 1993 و1996 مع رابين ووزير خارجيته شمعون بيريز، ثم الاتصالات السرية مع حكومة بنيامين نتانياهو، حتى خسارته الانتخابات هذه السنة. وهو ربط في مقابلاته التلفزيونية بين "نهاية المأساة" في لبنان واتفاق سلام مع سورية، ويبدو انه يتوقع ان يصل الى اتفاق مع لبنان من دون مفاوضات فعلية، وانما تكون المفاوضات مع سورية، والاتفاق مع لبنان جزءاً لها أو هامشاً. ربط الاتفاقين اللبناني والسوري يفيد باراك، ويخدم موقفه، فهناك معارضة للانسحاب من الجولان كله، وقد اظهر الاسرائيليون في استفتاء كبير في نهاية الاسبوع نشرت نتائجه قبل يومين ان غالبية كبرى من الاسرائيليين اليهود تؤيد الانسحاب من "الجولان كله تقريباً". ولكن الاسرائيليين ينقسمون بين مؤيد ومعارض في الانسحاب من "الجولان كله". فإذا زيد الاتفاق مع لبنان على السؤال تزداد نسبة التأييد كثيراً، لأن أكبر غالبية اسرائيلية معروفة تؤيد هذا الانسحاب. طبعاً الاسرائيليون لن يستطيعوا عقد اتفاق مع لبنان من دون الاتفاق مع سورية، وباراك يدرك هذا، لذلك ربما كان يأمل ان يعطيه نجاح المفاوضات مع سورية مخرجاً يحفظ ماء الوجه بعد خسارة المواجهة مع المقاومة في جنوبلبنان، بل ربما كانت استراتيجيته التفاوضية تشمل الفلسطينيين، رغم الظواهر. وكان مناحيم بيغن أراد عزل الفلسطينيين، وتحويلهم الى خدم داخل بلادهم للاسرائيليين، بتوقيع اتفاقات سلام مع مصر وسورية والأردن، إلا ان الرئيس حافظ الأسد امتنع عن دخول المشروع في حينه، واليوم تقول مصادر استخبارات الجيش الاسرائيلي ان الرئيس الأسد يريد السلام فعلاً لأسباب شخصية وداخلية ودولية، ما يمكن باراك من استئناف مشروع بيغن بعزل الفلسطينيين. باراك أفضل من بيغن، فهو لا يريد الفلسطينيين خدماً أو عمالة رخيصة، وانما يريد عزلهم داخل 15 في المئة فقط من الضفة الغربية، من دون اقتصاد مستقل أو ماء أو حدود، ما يجعلهم تحت رحمة اسرائيل الى ما لا نهاية. غير ان التفكير السائد ان الاتفاق مع سورية سيضعف موقف الفلسطينيين، يجد من يناقضه بالقول ان أي اتفاق مع سورية على الانسحاب من الجولان كله سيجعل الجانب الفلسطيني يتشدد للحصول على اتفاق أفضل، فيصرّ أبو عمار على القدس وعودة اللاجئين والانسحابات. وهناك في الجانب الفلسطيني مسؤولون كثيرون يحثون الرئيس عرفات على التشدد، فهم يقولون ان النزاع في النهاية هو على القضية الفلسطينية، ولا شيء آخر، فإذا لم يحلّ هذا النزاع فإن كل تسوية اخرى تظل ناقصة. والأرجح ان باراك يدرك هذا جيداً، وانه يريد حلاً مع الفلسطينيين، يجعله يقطف ثمار الاتفاقات الأخرى، فهو قال في مقابلتين تلفزيونيتين ما خلاصته "ثمة فرصة لنضع خلفنا النزاع مع سورية ولبنان، وبعدهما البحرين والسعودية... ولست أعمى إزاء هذه الفرصة التاريخية". وهكذا فرئيس وزراء اسرائيل يريد من الاتفاق مع لبنان وسورية ان يفتح لاسرائيل الباب لعقد صلح كامل مع البلدان العربية كلها، وهذا يعني تسوية القضية الفلسطينية بشكل نهائي. وننتظر لنرى ان كان طمع الاسرائيليين بفوائد السلام مع كل العرب يفوق طمعهم بأراضي الفلسطينيين، أو اذا كان باراك يعتقد انه يستطيع الحصول على الاثنين. وهو في المقابلات التلفزيونية أكمل قائلاً "اننا ندخل مباحثات نوعية لفتح الحدود وانشاء سفارات ووضع ترتيبات أمنية..." من دون ان يحدد ثمن ذلك انسحابات. وكل هذا ممكن الا ان عليه ان يدرك ان الانسحاب من الجولان كله، والاتفاق مع لبنان، وقيام الدولة الفلسطينية، يجب ان تسبق هذه الطموحات، لا ان تتبعها، والمفاوضات لن تنجح الا عندما يصل الى هذه القناعة.