الكتاب: الشبهات الثلاثون المثارة لإنكار السُنة النبوية. المؤلف: عبدالعظيم المطعني. الناشر: مكتبة وهبة - القاهرة 1999. اشتد خصوم الإسلام في هجومهم على السنة النبوية لأنها تمثل عندهم عنصرين من عناصر القوة في الإسلام وهما: الثروة الحديثية النبوية، شخصية النبي العلمية، وهذه أولويات وضعها هؤلاء للقضاء على الإسلام، وهم استسهلوا الهجوم على السنة واضعين في حسابهم أنهم إذا اسقطوا السنة من حياة المسلمين اسقطوا معها القرآن من دون أن يمسوه بقول، لأن المسلمين لا يستطيعون أن يقيموا القرآن إلا بإقامة السنة، فهي البيان الذي لا بد منه لما جاء في القرآن الكريم. وتابع المؤلف ما كتبه خصوم الإسلام وما رددوه فوجدهم يرددون ثلاثاً وثلاثين شبهة كلها موجهة للنيل من السنة الشريفة المطهرة. كما تابع الردود السديدة التي كتبها أهل العلم على تلك الشبهات، ولاحظ أنها لم تستوعب كل ما أثاره الخصوم من شبهات، لذلك كانت هذه الدراسة التي تنقسم الى ثلاثة أقسام من حيث الأهداف المرادة من كل شبهة. الأول: شبهات يراد بها مجرد التشكيك في صحة الاحاديث النبوية، وفي نسبة صدورها من النبي صلى الله علىه وسلم مثل شبهتي ندرة الصحيح في محفوظ الإمام البخاري رضي الله عنه، وندرة الاحتكام الى السنة عند الإمام أبي حنيفة. الثاني: وهو شبهات يراد بها محو السنة من الأساس، مثل شبهتي نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة السنة، وادعاء أن القرآن الكريم نهى عن الإيمان بالسنة والعمل بها. القم الثالث: شبهات أرادوا منها عزل السنة عن حياة المسلمين حتى وإن صحت كل الأحاديث المروية فيها وذلك مثل شبهتي القرآن وحده فيه كفاية للأمة عن كل ما سواه. وفي ما يلي عرض لأبرز الشبهات التي ناقشها الكتاب وفندها ونقضها: يستند منكرو السنة النبوية الى الحديث الذي ورد في النهي عن كتابة الحديث النبوي وجمعه وتدوينه في صحف خاصة به، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تكتبوا عني شيئاً إلا القرآن، ومن كتب عني شيئاً فليمحه". ويرى البعض أنه لو أن السنة كانت من أصول الدين لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابتها وجمعها في صحف كما كان يصنع مع القرآن حين ينزل، أما وأنه نهى عن كتابتها فهذا دليل على أنها ليست من الدين في شيء، ويفند المؤلف هذه الشبهة بالإشارة الى أن أبو داود والحاكم وغيرهما عن عبدالله بن عمرو بن العاص، قال "قلت يا رسول الله: إني اسمع منك الشيء فأكتبه. قال: نعم. قلت: في الغضب والرضا؟ قال: نعم فإني لا أقول فيهما إلا حقاً". أما علماء الأمة فلهم موقف سديد من حديث النهي هذا، وخلاصة موقفهم أن سببه كان خشية اختلاط الحديث بالقرآن أولاً لأنه الأصل، ولما حصل التمييز الكامل بين اسلوب القرآن واسلوب الحديث النبوي ارتفع الحظر فأذن عليه السلام برواية أحاديثه وكتابتها. ومن الشبهات التي يعول عليها منكرو السنة كثيراً في تحقيق أغراضهم التأخير في تدوين السنة فهم يقولون: لو كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون للسنة أهمية في الدين لعجلوا بجمعها وكتابتها كما صنعوا بالقرآن، ولكن الصحابة أهملوها ولم تدون في حياتهم، بل إن التدوين تم في القرن الثالث الهجري. ويشير المؤلف في تفنيده لهذه الشبهة الى أنه ليس صحيحاً أن عصر صدر الإسلام خلا تماماً من تدوين السنة، إذ من المعلوم أن أجزاءً من السنة تم تدوينها في حياة الرسول نفسه وبتوجيه مباشر منه، من ذلك كتبه ورسائله لرؤساء الشعوب وزعماء القبائل والاتفاقات والمعاهدات التي جرت في حياته، وممن عرفوا بكتابة الحديث في صدر الإسلام الأول عبدالله بن عباس وسعيد بن جبير وابن هشام، ولكن ما هي أسباب قلة التدوين في العصر النبوي؟ ذلك أن رجال القرن الأول كانوا إما من الصحابة وإما من كبار التابعين الطبقة الأولى وكان هذا القرن يتميز بميزتين: الأولى أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القولية كانت محفوظة في صدور الرجال فلم تدع ضرورة الى كتابتها وتدوينها. الثانية: أن الصحابة كانوا محيطين إحاطة كاملة بالسنة العملية يهتدون بها وبالسنة القولية من دون الحاجة الى الرجوع الى كتاب مكتوب. وربما كان الصحابة وكبار التابعين يتذاكرون هذه السنن في ما بينهم، أو يسأل من جهل شيئاً من السنن من هو عالم بها. وكل هذا قام مقام التدوين فلم يحتج اليه، ويضاف الى هاتين الميزتين ميزة ثالثة لا تقل عنهما قيمة وجلالاً وهي أن السنة خلال القرن الأول كانت صافية نقية محفوظة في الصدور على الصورة التي سُمعت بها من الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن الشبهات التي يتلقفها منكرو السنة ظنية السنة، وتفصيل ذلك أن علماء الحديث، رضي الله عنهم، قسموا الحديث المقبول الى اقسام ثلاثة: الحديث الصحيح وهو أعلى الأقسام الثلاثة، الحديث الحسن وهو يلي الحديث الصحيح في القوة، الحديث الضعيف، ويأتي في الدرجة الثالثة في قوة السند. ثم قسموه تقسيماً ثنائيا باعتبار عدد رواة الحديث وهما: الحديث المتواتر وهو ما رواه جماعة مستفيضة عن مثلهم من بداية السند الى نهايته مع استواء العدد في كل حلقة. حديث الأحاد وهو ما كان رواته أقل عدداً من رواة الحديث المتواتر. وحمل الورع والتقوى هؤلاء العلماء على أن يقولوا إن دلالة حديث الاحاد هي الظن لا القطع قالوا هذا الكلام، لا عن تقصير ولكن إبراء للذمة بينهم وبين الله عز وجل. وذلك القول ليس لجميع المحدثين لأن منهم من يذهب الى أن حديث الاحاد المستوفي بشروط الرواية سندا ومتنا يفيد اليقين وليس الظن ولكن المشهور هو القول الأول، وهو لا يعدو تفويض الأمر الى الله كما يقول المفتي الواثق من صحة فتواه بعد أن يفتي بها "والله أعلم" مفوضاً الأمر لله وحده. وتلقف منكرو السنة هذا القول الذي هو مجرد احتراز، ووظفوه في إنكار الاستدلال بالسنة مهما بلغت من القوة واستندوا في ترويجهم لرفضهم هذا الى بعض الآيات القرآنية التي اساءوا فهمها أو عبثوا بدلالتها عمداً، لكي يوهموا الناس بما يقولون، من هذه الآيات قوله تعالى: "وإن تطع أكثر مَن في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتّبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون"، الأنعام 116، يعنون ان الله ذم الذين يتبعون الظن، والسنة ظن - وقوله تعالى: "وما لهم به من علم إن يتّبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً" النجم 28 يعنون من هذه الآية أن الله ذم من يتبع الظن ثم قضى بأن الظن لا يغني عن الحق شيئاً، ويرتبون على هذا أن من يتبع السنة وهي ظن مذموم عند الله وهو على باطل في مسعاه، فكيف تكون السنة مصدراً من مصادر التشريع الإسلامي وهذا هو حالها؟ وعن تفنيد هذه الشبهة ونقضها يذكر المؤلف أن منكري السنة لم يذكروا دليلاً واحداً يؤيد دعواهم وأن كل ما ذكروه هو من قبيل شبهات وأوهام، الباعث عليها الجهل، وذلك لأن: ظنية السنة اصطلاح خاص بعلماء الحديث الذي دعاهم الى القول به هو شدة التحري والورع كما تقدم، وإبراء الذمة أمام الله بتفويض الأمر إليه تأدباً معه عز وجل، إذ أحكم علماء الحديث عملهم الظاهري في تحري الصحة في ما ينسب الى النبي صلى الله عليه وسلم، فهم من حيث الظاهر على يقين، أما الباطن فموكول علمه الى الله، ولذلك قالوا في بيان هذا: "قد يكون في الواقع ونفس الأمر على غير ما ظهر لنا"، وهم قالوا على سبيل الاحتياط وشدة التحري. أضف الى ذلك أن القرآن الكريم في صريح لفظه ومعناه جعل الظن المجرد أساساً لحكم شرعي بناه عليه، وذلك في قوله تعالى: "فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره فإن طلقها فلا جُناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله" البقرة 230 فقد أباح للزوجين اللذين بينهما طلاق أن يعودا الى الاقتران مرة أخرى إذا ظن كل منهما استقرار الحياة الزوجية الجديدة. فما هو رأي منكري السنة، والقرآن نفسه جعل الظن هنا أساساً للحكم الشرعي؟