اُضيف اُخيراً الى قاموس مفردات النزاع العربي - الاسرائيلي مصطلح مختصر جديد هو "دي دي آي بي" DDIB. ويتعلق هذا المصطلح، انسجاماً مع روح العصر الذي نعيشه، بالمال. "دي دي آي بي"، او "رقم لا يقل عن عشرة بلايين"، مختصر صاغه ديبلوماسيون اميركيون لإعطاء فكرة عن المبلغ الذي سيتعيّن على الولاياتالمتحدة ان تقدمه، لتأمين اتفاق بين الرئيس السوري حافظ الاسد ورئىس الوزراء الاسرائيلي إيهود باراك. وكانت الولاياتالمتحدة اكتسبت بجدارة شهرتها كممول لمساعي التفاوض بين العرب واسرائيل، ابتداءً ببلايين الدولارات التي لا تزال تُنفق كجزء من جهود الرئىس جيمي كارتر في صوغ معاهدة بين اسرائيل ومصر في كامب ديفيد، ووصولاً الى تغطية كلفة الاتفاقات التي ابرمتها اسرائيل قبل وقت اقرب مع الاردنيين والفلسطينيين. يقال ان كلفة التوصل الى صفقة بين باراك والاسد ستضاهي عشرات بلايين الدولارات التي اُغدقت على اسرائيل ومصر على امتداد السنوات العشرين الماضية. ويشير مصطلح "دي دي آي بي" الى مبلغ لا يقل عن عشرة بلايين دولار، لكن بعض التقديرات لكلفة هذه القطعة الاخيرة في أحجيّة السلام العربية - الاسرائيلية يصل الى 80 بليون دولار. وتكتسب هذه المساعدة اهمية فائقة بالنسبة الى كلٍ من اللاعبين الرئيسيين في هذه الدراما التي تتكشف فصولها تدريجاً. فمن دون الوعد المضمون ب "ارباح سلام" كهذه من الرئيس كلينتون سيكون من المستبعد التوصل الى اتفاق لانسحاب اسرائيل من مرتفعات الجولان وما يتبع ذلك من إعادة نشر للجيشين السوري والاسرائيلي على السواء. وقدمت اسرائيل المبررات الاكثر تفصيلاً لفاتورة ال "دي دي آي بي". فقد بحث باراك مع كلينتون، خلال زيارته الى واشنطن الصيف الماضي، كلفة عملية إعادة الانتشار الضخمة التي يتعين تنفيذها كي تسحب اسرائيل قواتها غرباً وتعيد بناء مجموعة واسعة من منشآت الاستخبارات والانذار المبكر. ويشكل الاهتمام الذي توليه اسرائيل لجعل الدعم المالي الاميركي المباشر احد العناصر المتكاملة في السلام مع سورية جزءاً من مسعى شامل لإقامة تحالف استراتيجي مع الولاياتالمتحدة موجه ضد ايران والعراق. وتعكس التغيرات الاخيرة في الطريقة التي تقدم بها المساعدات الاميركية سنوياً لاسرائيل الرغبة المتزايدة لدى الكونغرس في إعادة صوغ مساعدات صُممت وفقاً لاتفاق سلام مع مصر مضى عليه الآن عشرون عاماً. فالمساعدات التي تبلغ قيمتها 2،1 بليون دولار وكان كلينتون وعد بها اسرائيل في اطار اتفاق "واي"، والتي اُقرّت اخيراً ولو بشيء من التذمر في الكونغرس، كانت مرتبطة، على سبيل المثال، بهذه الشراكة الناشئة ضد بغداد وطهران اكثر من ارتباطها بكلفة اعادة انتشار القوات الاسرائيلية وانسحابها من 13 في المئة من الضفة الغربية. وعلى نحو مماثل، سيساعد التوصل الى اتفاق مع سورية على جعل المساعدات العسكرية الاميركية لاسرائيل تقوم على اساس جديد واكثر متانة، في الكونغرس وفي الولاياتالمتحدة بصورة عامة، مقارنة بالتعليل الشائخ المرتبط باتفاق كامب ديفيد. فربط انفاق بلايين لا تعد ولا تحصى من الدولارات باستراتيجية شاملة تقودها الولاياتالمتحدة لاحتواء "الانظمة المارقة" لصدام حسين ورجال الدين في ايران، يجعل تعزيز القدرة العسكرية لاسرائيل امراً مستساغاً بدرجة اكبر بكثير بالنسبة الى الاميركيين من شتى الاتجاهات السياسية. اما تقديم "دي دي آي بي" لنظام حافظ الاسد، الذي يملك قلة من الاصدقاء في الكونغرس او في الصحف الاميركية، فإنه يمثل مشكلة سياسية اكثر صعوبة بالنسبة الى الرئيس كلينتون. ومع ذلك، فقد عرض كلينتون، في سياق المساعي الديبلوماسية الشخصية المكثفة التي بذلها مع الزعيم السوري منذ انتخاب باراك، حسب مصادر سورية مطلعة، رزمة واسعة من الحوافز الاقتصادية والعسكرية لا تقل تنوعاً عن تلك التي قُدمت لمصر في عهد السادات، لتحلية الاتفاق مع اسرائيل. ولن يكون رفع دمشق من لائحة الدول المشجعة على الارهاب الاّ واحداً من منافع وفيرة يُقال انها تتضمن استثمارات على نطاق واسع ومساعدات وحتى معدات عسكرية. ويضع كلا الزعيمين السوري والاسرائيلي ثقة كبيرة في صدقية الرئىس كلينتون في أن يفي بتعهداته. لكن يتعيّن على كلينتون، وهو في السنة الاخيرة من رئاسته، ان يقنع الكونغرس الخاضع لهيمنة الجمهوريين، الذين صوت كثيرون منهم لاقالته من منصبه قبل وقت غير طويل، بالموافقة على ال "دي دي آي بي". وهم، عندما ينجزون هذه الخطوة، لن يكونوا قد اقروا ضخ بلايين الدولارات الى المنطقة حتى بعدما يكون معظمهم اُحيل على المعاش فحسب، بل سيمكّنون كلينتون من ان ينسب لنفسه انجازاً تاريخياً يأمل في ان يمحو عار اجراءات الاقالة. وفي مثل هذه الظروف، قد يكون التوصل الى اتفاق بين باراك والاسد اقل صعوبة من كسب تأييد الاميركيين لدفع كلفته.