رفض تام لتهجير أهل غزة وتحرك برلماني عربي دولي لوأد مقترح ترمب    مقتل شخص وإصابة 5 شرطيين إثر عملية طعن في فرنسا    «حكام الإمارات» يهنئون القيادة بمناسبة ذكرى يوم التأسيس    منيرة آل غالب إلى رحمة الله    أمير الرياض: «تسمية الميادين» بأسماء الأئمة والملوك ترسيخ لإرثهم في تأسيس المملكة    ب 10 لاعبين... التعاون يفرض التعادل على الشباب في مباراة مثيرة    أمير القصيم يُطلق مسيرة يوم التأسيس بمشاركة الهجانة والخيالة    إسرائيل تؤجل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين    د. عادل عزت يشكر المعزين في وفاة والده    الشرقية تكتسي بأعلام الوطن ولوحات التعبيرية والإنارات الجمالية احتفاء بيوم التأسيس    «مستقبل الاستثمار».. شراكات عالمية في التقنية والذكاء الاصطناعي وريادة الأعمال    «الأحمر» ينسف نجومية دوران    فريق الوعي الصحي التابع لجمعية واعي يحتفي بيوم التاسيس في الراشد مول    التشكيل المتوقع لكلاسيكو الاتحاد والهلال    ترمب يطلب من ماسك المضي بقوة أكبر في تنفيذ الإصلاحات    نائب رئيس مجلس الشورى يوم التأسيس: تاريخٌ خالد ومستقبلٌ واعد    وزارة الداخلية تطلق ختمًا خاصًا بمناسبة ذكرى "يوم التأسيس"    واكاثون لولو الثاني يحتفل بيوم تأسيس المملكة العربية السعودية ويعزز رسالة الأستدامة    مدير عام مكتب التربية العربي : الاحتفاء بيوم التأسيس اعتزاز بالجذور الراسخة لهذه الدولة المباركة    قُتِل بغارة شمال سورية.. واشنطن تكشف هوية قيادي «القاعدة»    «الدباغ القابضة» تتقدم بالتهاني لمقام خادم الحرمين وولي عهده بمناسبة ذكرى يوم التأسيس    ضبط أكثر من 21 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    عقد ورشة عمل "الممارسات الكشفية للفتيات في الجامعات"    فرع هيئة الهلال الأحمر السعودي بعسير يكمل استعداداته في يوم التأسيس    أسرة حسام الدين تحتفي بعقد قران أحمد ويوسف    القيادة الإماراتية تهنئ خادم الحرمين وولي العهد بمناسبة ذكرى يوم التأسيس    رباعي هجوم الاتحاد .. الأقوى    "السعودية في العصر الرقمي: من جذور التأسيس إلى ريادة المستقبل"    وزارة الداخلية تحصل على جائزة المنتدى السعودي للإعلام (2025) في مسار الأنشطة الاتصالية الإعلامية عن حملة "لا حج بلا تصريح"    اكتشاف النفط.. قصة إرادة التنمية السعودية    كأس السعودية للخيل| "سكوتلاند يارد" يتألق بلقب كأس طويق    الملاكمون يواجهون الميزان في الرياض قبل ليلة الحسم لنزال "The Last Crescendo" اليوم السبت    القيادة الكويتية تهنئ خادم الحرمين وولي العهد بمناسبة ذكرى يوم التأسيس    السعودية.. أعظم وحدة في العصر الحديث    العز والعزوة.. فخر وانتماء    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق تداولاتها على تراجع    الدرعية.. ابتدينا واعتلينا    تنبع من تراث الدولة السعودية.. 5 عناصر في «شعار التأسيس» تعكس الأصالة    «الأسواق الناشئة».. السعودية تعالج تحديات اقتصاد العالم    انخفاض درجات الحرارة في عدد من مناطق المملكة    الدبلوماسية السعودية.. إطفاء الحرائق وتعزيز الشراكات    «أنوار المباني» شاهد عيان على التنمية المستدامة    يوم التأسيس.. جذور التاريخ ورؤية المستقبل    لائحة الأحوال الشخصية تنظم «العضل» و«المهور» ونفقة «المحضون» وغياب الولي    الدولة الأولى ورعاية الحرمين    غبار المكابح أخطر من عادم السيارات    السعودية منارة الأمل والتميز الطبي    رئيس فلسطين يهنئ خادم الحرمين وولي العهد بمناسبة ذكرى يوم التأسيس    الماضي ومسؤولية المستقبل    من الدرعية إلى الأفق.. يوم التأسيس ورحلة المجد السعودي    في يوم التأسيس نستذكر تاريخ هذه الدولة العريق وأمجادها الشامخة    وزارة الشؤون الإسلامية تنظم ندوة علميّة تزامناً مع ذكرى يوم التأسيس    قرارات ترمب المتطرفة تفاقم العزلة الدولية وتشعل التهديدات الداخلية    كبار علماء الأمة يثمنون رعاية خادم الحرمين لمؤتمر بناء الجسور بين المذاهب    احتمالية الإصابة بالسرطان قد تتحدد قبل الولادة    الهرمونات البديلة علاج توقف تبويض للإناث    الصداع العنقودي أشد إيلاما    قطر تؤكد أن استقرار المنطقة والعالم مرتبط بحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نهاية دولة الامويين في الاندلس . الفتوحات السهلة والمقاومة الصعبة 1
نشر في الحياة يوم 16 - 12 - 1999

} تناول مقال الامس العوامل الخارجية والداخلية التي اجتمعت في الاندلس وانتهت الى انهيار الدولة الاموية ونهوض دويلات الطوائف. ويتحدث مقال اليوم وغداً عن تاريخية نشوء الدولة الاموية في الاندلس والعناصر الذاتية التي ساهمت في تفككها.
لم يلق المسلمون صعوبات كبيرة في فتح الاندلس، فالصعوبات جاءت لاحقاً حين انهار مركز الدولة في دمشق وانتقلت الخلافة من الأمويين الى العباسيين واستقلت الاندلس عن بغداد وخلافتها. فشكل هذا الانتقال نقطة تحول في تاريخ المغرب - الاندلس حين نجحت الإمارة الاموية المستقلة عن المركز العباسي في تشكيل قوة ضاغطة في الطرف الغربي من العالم الاسلامي.
قبل تلك الفترة كانت الاندلس ولاية تابعة للخلافة الاموية في دمشق منذ ان نجح طارق بن زياد في 92 هجرية 711م في دخول تلك البلاد على رأس قوات لا يزيد عددها عن سبعة آلاف معظمهم من قبائل البربر المغربية ثم التحق به خمسة آلاف. بعدها انضم الكثير من المتطوعين بينهم حوالى ثلاثة آلاف من العرب. وقام القائد العام للحملة موسى بن نصير بارسال قوة عسكرية في 93 هجرية تزيد على 1800 لتعزيز جيش ابن زياد بنخبة من العناصر العربية بينها شريحة من أشراف العرب وبعض التابعين. وفي ولاية الحر بن عبدالرحمن الثقفي 97 هجرية/716م تعزز الوجود العربي حين استقدم من المغرب 400 من نخبة العرب لتسريع عملية التعريب والأسلمة. فمن ناحية الأسلمة بدأ الدين ينتشر بسرعة بعد تولي القاضي مهدي بن مسلم الافتاء سنة 121 هجرية 738م. وتعزز نفوذ الاسلام مع تولي معاوية بن مصالح منصب الافتاء بعد وصوله من الشام عام 123 هجرية 740م. وحين تولى الافتاء قاضي قرطبة صعصعة بن سلام قام بنشر مذهب الإمام الاوزاعي توفي 157 هجرية السائد آنذاك في بلاد الشام. ومن ناحية التعريب استخدمت الإمارة في مطلع عهدها اللاتينية لسك نقودها فظهرت أول قطعة نقد في السنوات الأولى للفتح باللاتينية في العامين 93 و94 هجرية 711 - 713م ثم اصبحت بلغتين عام 98 هجرية 717م واخيراً ظهرت بلغة واحدة العربية ابتداء من 102 هجرية 720 - 721م.
وتعكس سرعة تبدل الكتابة على النقود السهولة القصوى في نجاح سياسة التعريب والأسلمة. فالنقد هو وجه من وجوه التعبير عن تبدل موازين القوى التي مالت ومن دون ممانعة داخلية من كفة اللاتينية الى العربية في فترة لا تزيد عن عقد من الزمن.
آنذاك رجح الطابع العربي للامارة حين استقدم السمح بن مالك الخولاني 100 هجرية/ 719م في ولايته نواة جيش مؤلفة من 500 من نخبة العرب لتثبيت دعائم الدولة من خلال تقوية عناصرها الموالية للخلافة الاموية. وأدى تسريع وتيرة التعريب الى ردة فعل في الاندلس قادها بعض الولاة البربر في سنة 122 هجرية 740م فوجه الخليفة هشام بن عبدالملك حملة عسكرية ضمت 30 ألفاً من أهل الشام فأخمدت الفتنة في مهدها وتواصلت سياسة التعريب الى جانب الأسلمة بوتيرة اسرع من السابق فتجددت الفتنة، فانتدب والي المغرب حسام بن ضرار الكلبي 125 هجرية/743م والياً على الاندلس فضبط الوضع الأمني وأعاد تنظيم ادارة البلاد وقسم الجيش الاندلسي على أجناد خمسة على غرار أجناد الشام الاموية.
وبعد العام 125 هجرية ترسخ الوجود العربي في الاندلس بسبب نزوح أهل الشام الى البلاد هرباً من الفتنة الأموية على اثر مقتل الخليفة الوليد بن يزيد بن عبدالملك. فنزل أهل دمشق في البيرة، وأهل حمص في اشبيلية، واهل قنسرين في حسان، وأهل الأردن في ريّة مالقة، واهل فلسطين في شدونة سريش، بينما نزل أهل مصر في تدمير. وازدادت الهجرة العربية بعد تزعزع الدولة الأموية في عهد يزيد بن الوليد بن عبدالملك دامت ولايته شهرين وسبعة أيام، ثم في عهد ابراهيم بن الوليد بن عبدالملك فخلع بعد شهرين و11 يوماً. فتولى الخلافة مروان بن محمد فقتل في سنة 131 هجرية بعد خمس سنوات وشهرين من خلافته في معركة فاصلة مع العباسيين. وبوفاته اضمحلت الدولة الأموية في الشام ليعاد تأسيسها في الاندلس بقيادة عبدالرحمن بن معاوية بن هشام بن عبدالملك الهارب من ملاحقة القوات العباسية.
استفاد عبدالرحمن الداخل الأموي من اقتسام الإمارة الاندلسية بين القبائل المضرية واليمنية فقام بنشر الدعوة الاموية بين القبائل اليمنية، فمالت الى تأييده مستقوياً بوزن أهل الشام وتمركزهم في المناطق الحيوية. وحين رجحت كفة الدعوة الأموية اخذت القبائل المضرية تميل اليه باستثناء الفهرية والقيسية.
وبتناصر القبائل المضرية واليمنية مدعومة بقوة أهل الشام، نهضت الدولة الأموية متسلحة بالشوكة العربية والروح الاسلامية مستخدمة مذهب الإمام الاوزاعي في القضاء والإدارة والجباية والدفاع.
وبوحدة الدين والدولة استقر حكم عبدالرحمن الداخل مدة 33 سنة ونجح المؤسس في منع امتداد النفوذ العباسي الى الاندلس، بل نافس بغداد واخذ يتصارع معها للسيطرة على بلاد المغرب. وباتت الإمارة الاموية في قرطبة قوة سياسية نافذة لا تقل أهمية عن الخلافة العباسية في بغداد. وبرحيل المؤسس عبدالرحمن الداخل سنة 172 هجرية اندلع صراع الاخوة احتجاجاً على تولي هشام بن عبدالرحمن هشام الأول إمارة والده فتمرد عليه شقيقه سليمان والي طليطلة والتحق به شقيقه عبدالله. واحتفظ هشام بولايته ثماني سنوات الى حين وفاته في 180 هجرية وهي مدة غير كافية بمقاييس ذاك الزمن لترسيخ ملكه، فورث الولاية الحكم بن هشام بن عبدالرحمن الحكم الأول فاندلعت في عهده ثورة البُهلول، وثورة قرطبة، ووقعة الربض سنة 190 هجرية، وثورة طليطلة، ووقعة الحفرة، وحصل عصيان آخر في العاصمة قرطبة شارك فيه بعض فقهاء المالكية.
وبسبب كثرة الاضطرابات والانتفاضات وحركات التمرد اضطر الحكم بن هشام إلى الاستعانة بالمرتزقة بلغ عددهم 5 آلاف والإكثار من الصقالبة الخدم والتقرب من الفقهاء ومسايرة العلماء، لمواجهة خصومه، وهو أمر اسعفه في الحفاظ على ولايته التي دامت 27 سنة توفي سنة 206 هجرية الى حين تولي ابنه الإمارة.
لم تكن ولاية عبدالرحمن بن الحكم الأوسط هادئة فهو قضى معظم فترته في توجيه الحملات لضبط الفتن الداخلية أو تحصين مداخل الاندلس لمنع الهجمات الخارجية. وأول من ثار عليه في مطلع ولايته، التي امتدت 31 سنة، عم أبيه عبدالله البلنسي فنجح في هزيمته. وقام بعدها بتجديد الفتوحات قاصداً تثبيت دعائم المُلك بدفع الخلافات الاهلية الى الخارج. واضطر الى تجميد غزواته حين وقعت فتنة داخلية بين المضرية واليمنية فقضى عليها سنة 207 هجرية. وما كاد يستقر وضعه الداخلي حتى انتفضت عليه ماردة وثم طليطلة، وقضى سبع سنوات 213 - 220 هجرية في قتال ماردة وتسع سنوات 215 - 224 هجرية في قتال طليطلة.
وحين نجح عبدالرحمن الأوسط في ضبط الوضع الداخلي تفرغ لإعادة تنظيم الادارة والجباية وسعى الى تحسين العلاقات مع العلماء والفقهاء والقضاة فاشتهر بحبه للعلم وميله الى مذهب الامام مالك، فهو كما يذكر ابن خلدون في تاريخه كان "عالماً بعلوم الشريعة والفلسفة". الا ان الظروف المحيطة به لم تسعفه كثيراً حين ازدادت الحملات الخارجية واخذت تضغط المناطق الطرفية في الاندلس على المركز قرطبة فخرج عليه الفرنجة واجتاحوا ساحل اشبونة واستمرت المعارك المتقطعة من سنة 226 هجرية الى سنة 230 هجرية انتهت بنجاحه في السيطرة عليهم، وهو أمر شجعه على تجديد الفتوحات بقصد إبعاد المشاكل الى خارج حدوده فحاصر في سنة 231 هجرية مدينة ليون لفترة بسيطة كإشارة منه الى استعداده الى رفع وتيرة الصراع الى حده الأقصى ونقل المعركة الى مناطق بعيدة.
أخافت تلك الخطوة العسكرية خصومة داخلياً وخارجياً فاستقر الوضع السياسي لمصلحته الى نهاية عهده توفي سنة 238 هجرية. وقبل رحيله بسنوات أقدم على تنفيذ أمر خطير على صعيد توازن المذاهب في الاندلس حين أعلن رسمياً عن تبني المالكية توفي الامام مالك سنة 179 هجرية كمذهب وحيد للدولة. وتعكس تلك الخطوة رغبة سياسية في الانفكاك عن السياق الأموي وجذوره الأولى حين تأسست الدولة الاندلسية. فالاستقلال السياسي الذي بدأه عبدالرحمن الداخل بعد خروجه من الشام حمل عناصر أموية تركت بصماتها على مرحلة التأسيس وتمثلت في التنظيمات العسكرية والقضائية والادارية المستندة الى مذهب الامام الاوزاعي الذي ساد بلاد الشام في نهاية العصر الأموي.
استمر مذهب الاوزاعي يشكل قاعدة الدولة الأموية في الاندلس الى ان أخذ يتراجع في عهد هشام الأول 172 - 180 هجرية/ 788 - 796م وبدأ يحل مكانه المذهب المالكي في عهد ابنه الحكم الأول 180 - 206 هجرية/ 796 - 822م الى ان تحول الى مذهب الدولة الرسمي في عهد عبدالرحمن الأوسط الحكم الأوسط. وساهم في عملية الانتقال المذهبي بعض تلامذة الإمام مالك خصوصاً الفقيه القرطبي يحيى بن يحيى الليثي توفي سنة 234 هجرية/ 848م الذي يعتبر أهم شارح لمذهب الإمام مالك في المغرب وأبرز من ساهم في نشره في تلك البلاد.
عموماً تعتبر عملية الانتقال الى المالكية خطوة مهمة في تكوين الانماط الفقهية في الاندلس، إذ ستشهد البلاد في محطات مختلفة خلافات متنوعة على مستوى التأويلات والتفسيرات والاجتهادات وسيكون لها دورها في بلورة الشخصية الخاصة لبلاد المغرب والاندلس من ضمنها من دون ان تنجح في كسر العلاقة التاريخية والثقافية مع المشرق. فالاستقلال المذهبي الذي أريد منه تحقيق الاستقلال السياسي كان هو نفسه من العوامل التي ساهمت في شد الرباط الديني والتبادل المعرفي مع المشرق. فالدولة التي رغبت في الاستقلال الكلي اصطدمت دائماً في نزوع أهل العلم والدين القضاة والعلماء والفقهاء ورجال الادارة والقوات المسلحة الى الارتباط الفكري بالمشرق. وهذا يفسر خطوة محمد بن عبدالرحمن الأوسط محمد الأول حين شجع سراً في عهده على نشر مذهب الإمام الشافعي لموازاة نفوذ المالكية. بدأت ولاية محمد بن عبدالرحمن بعصيان اهل طليطلة توليدو وتعاونهم مع الفرنجة في سنة 240 هجرية. ويشكل التعاون المذكور أول اشارة خطرة على امكانات لجوء بعض المناطق الاندلسية - الاسلامية الى التواطؤ مع الافرنج لضرب الدولة المركزية بغية كسب بعض المطالب أو الحصول على مواقع افضل في توازنات السلطة. وليس مصادفة ان تقع تلك المحاولة في طليطلة وهي مدينة تقع على أطراف الدولة وشكلت ثغرة في توازن الحكم وحصلت فيها حركات تمرد متعددة في فترات سابقة.
استغل الفرنجة استعداد حكام طليطلة للتعاون فأقدموا على شن سلسلة غارات بحرية على السواحل الاندلسية الأمر الذي أدى الى امتداد المعارك المتفرقة. واستمر الأمر الى ان نجح الأمير محمد الأول في تحصين الثغور والقضاء على الفتن الداخلية في سنة 247 هجرية. وحين نجح في قطع دابر الاتصال بين طليطلة والفرنجة شن حملة عسكرية على بلاد الفرنجة في سنة 251 هجرية مبدياً استعداده الى نقل المعركة خارج حدود إمارته.
نجحت الخطوة في إرباك الفرنجة الا انها لم توفق في ضبط الوضع الداخلي بسبب بروز مشكلة غير متوقعة وهي نمو ظاهرة "المولدين" وازدياد ضغطهم على السلطة واستعدادهم للتعاون مع الفرنجة لتحسين مواقعهم في توازنات الدولة. وشهدت ولاية الأمير محمد بن عبدالرحمن مجموعة انتفاضات تحالف فيها "المولدون" مع الفرنجة بدءاً من سنة 251 هجرية. فحصلت واحدة في بطليوس واخرى في ماردة وواحدة في رندة وغيرها في أكثر من منطقة واستمرت حركاتهم الى سنة 261 هجرية.
نجح الأمير في ضبط انتفاضات "المولدين" بعد عشر سنوات من المواجهات الدموية الأمر الذي فرض عليه تقديم تنازلات لاستيعاب المشكلة وبات أكثر انفتاحاً على العلماء والفقهاء مستخدماً قدراتهم النقلية وحججهم العقلية للمساعدة على ايجاد حلول شرعية لتلك المسائل المستجدة.
وفي ظل جو الانفتاح الذي اشاعته السلطة للحفاظ على توازن الدولة اخذ المذهب الشافعي في الاندلس وهو الذي يجمع بين مدرسة الحديث ومدرسة الرأي ينمو بتشجيع خفي من الأمير نفسه. وساهم الفقيه القاسم بن محمد بن سيار توفي في 277 - 278 هجرية/ 890 - 891م في ادخال المذهب ونشره في بعض أطراف الدولة. الا ان الشافعية لن تتحول الى مذهب شعبي وسيقتصر نفوذها في أوساط "النخبة" بسبب تبني السلطة مذهب المالكية في احكامها ومعاملاتها.
الى جانب المالكية أهل الحديث والشافعية أهل الحديث والرأي شهدت فترة الأمير محمد بن عبدالرحمن بداية نشوء المذهب الظاهري حين أقدم الفقيه ابن مخلد توفي سنة 276 هجرية/ 886م على تفسير القرآن الكريم على منهج قراءة ظاهر النص ورفض تأويله وتفسيره الكلامي أو الباطني.
أدى نمو الشافعية الى ظهور خلافات فقهية بين التيارين أهل الحديث وأهل الرأي ولعب الأمير محمد دور الحكم بينهما، كذلك تدخل لمصلحة الفقيه ابن مخلد حين اتهم بالزندقة فأوقف صدور حكم ضده.
وبسبب انفتاح الأمير محمد بن عبدالرحمن بن الحكم على الولاة والعلماء والفقهاء وتشجيعه التعددية المذهبية، نجح في ضبط أمور الدولة واستيعاب مشكلة "المولدين" فاستقر حكمه ودامت ولايته 35 سنة، ارتفع خلالها خراج الدولة الى 300 ألف دينار كانت تنفق كالآتي: مئة ألف على الجيوش الدفاع، ومئة ألف على النواحي الولايات، ومئة ألف توضع كاحتياط مالي في خزانة الدولة.
* كاتب من اسرة "الحياة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.