هل صحيح القول بأن تحرك المسار السوري - الاسرائيلي، سيؤدي الى تجميد المسار الفلسطيني؟ الواقع ان المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية مجمدة منذ العام 1996، اي منذ ان كان بنيامين نتانياهو رئيساً للوزراء حتى الآن. ولم تتحرك هذه المفاوضات بعد قدوم ايهود باراك الا شكلاً. فقد طلب باراك اولاً تعديل اتفاق واي ريفر، وتم له ذلك. وهذا ليس تحركاً الى امام بمقدار ما هو تراجع الى الخلف. وبادر باراك الى اقتراح اعادة انتشار للجيش الاسرائيلي في 5 في المئة من اراضي الضفة الغربية، وهو امر يرفضه الفلسطينيون حتى الآن، ويطالبون بتغييره لتأمين تواصل جغرافي بين المناطق التي ستتم اعادة الانتشار فيها، وباراك صامت لا يرد، ويكتفي فقط بالاصرار على مبادرته، تاركاً للأمن ان يفعل فعله، وان يدفع بالفلسطينيين الى القبول والرضوخ، وتم يوم امس آخر اجتماع بشأن هذه القضية في اريحا. اما المسار التفاوضي الثاني المتعلق بمفاوضات الحل النهائي، الذي يقوده ياسر عبدربه، فقد وصل بدوره الى طريق مسدود. وعلقت المفاوضات بسبب استمرار سياسة الاستيطان الاسرائيلية، ولا تزال معلقة حتى الآن. وقد تم كل هذا قبل الاعلان عن انطلاق المفاوضات السورية - الاسرائيلية. ان علة المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية ليست مرتبطة بجمود المسار السوري او بتحركه، وانما تنبع علتها من داخلها، من التسرع، والسرية، والانفراد التي رافقت مفاوضات اوسلو. وتنبع من الاعتقاد الخاطئ بأن الفلسطينيين يستطيعون المضي بمفردهم في مفاوضات مع اسرائيل من دون دعم عربي. وتنبع من القرار الفلسطيني الخاطئ الذي وافق في اتفاق اوسلو على ان تكون المفاوضات فقط هي مرجعية المتفاوضين، اذ اعطى ذلك لاسرائيل فرصة للتحكم بالمفاوضات، ولفرض مواقفها من خلالها. ومن المؤسف القول، ان القيادة الفلسطينية تولت، منذ بدأ مؤتمر مدريد في اواخر العام 1991، الترويج للأنباء التي تقول: ان الحل السوري - الاسرائيلي منته وناجز، وان ذلك حصل من دون اخذ المصلحة الفلسطينية في الاعتبار، وانه لذلك يجب على المفاوض الفلسطيني ان يلحق بالقطار، وان ينجز اتفاقه الخاص. وتبين في ما بعد، ان هذه المعلومات لم يكن لها اساس من الصحة، وان الترويج المتعمد لها هدفه التمهيد لدى الكوادر ولدى المواطنين، لتقبل اتفاق اوسلو السري عند الاعلان عنه. وها قد مضت منذ مدريد حتى الآن ثماني سنوات، ومنذ اوسلو حتى الآن ست سنوات، دون ان يظهر للوجود اتفاق سوري - اسرائيلي، ولم تشهد الساحة سوى اتفاق فلسطيني - اسرائيلي، تلاه اتفاق اردني - اسرائيلي، بينما كانت سورية صامدة عند موقفها وعند مطالبها، تقول بالانسحاب، وترفض اي بحث في اي قضية اخرى، قبل اتضاح الموقف الاسرائيلي حول قضية الانسحاب. جرت محاولات فلسطينية عديدة لاعادة العلاقات مع دمشق. وكانت دمشق ترد دوماً قائلة: نحن مستعدون لذلك، ولكن نريد ان نعرف حدود التنازلات الفلسطينية. واقترحت دمشق مرة تعهداً فلسطينياً بأن لا تتجدد المفاوضات مع اسرائيل اذا استمر الاستيطان الاسرائيلي، ولم يحصل هذا التعهد. واقترحت دمشق مرة ثانية تعهداً فلسطينياً بأن استئناف المفاوضات ينسق ثنائياً، وان لا تخرج السلطة الفلسطينية عن هذا التعهد اذا تعرضت لضغط خارجي، ولم يتم تقديم هذا التعهد. نعود ونقول ان علة المفاوضات الفلسطينية مع اسرائيل تنبع من داخلها. وما نخشاه من جديد ان يتم استخدام الورقة السورية لتبرير تراجع فلسطيني جديد، يجد ترجمته في التوقيع على "اتفاق اطار" برعاية كلينتون، ويكون مقدمة لانهيار كبير