تشكل دبي القاطرة التي تقود صناعة السياحة في منطقة الخليج. وتمكنت هذه الامارة الصغيرة، من خلال ابتكار مفاهيم ومنتجات جديدة أدخلتها إلى منطقة الخليج ومنطقة الشرق الأوسط، من دفع بقية الأسواق المجاورة إلى أن تحذو حذوها لبناء صناعة سياحية خليجية، تملك سمات إقليمية خاصة بها. وتبدو إمارة دبي اليوم، على عتبة مرحلة جديدة تؤكد تحولها إلى وجهة سياحية قائمة بذاتها، تتمتع بكل امكانات التوسع والنمو، مع افتتاحها رسمياً مطلع الشهر الجاري فندق "برج العرب"، وهو أحد الأجزاء الرئيسة الأربعة لمنتجع "جميرا بيتش" في منطقة الجميرا، جنوبدبي، والذي يرسّخ قيام تكامل بين مختلف القطاعات السياحي في الامارة. وأثار "برج العرب" الذي يعتبر أحدث المنشآت الفندقية التي تشرّع أبوابها للسياح في دبي، تساؤلات كثيرة في ذهن المراقبين الذين يتابعون باهتمام محاولات إمارة دبي لزيادة نمو معدلات الطلب على خدمات الفنادق الراقية، بعدما كان أغلب المعلّقين يراهن قبل عامين على أن سوق هذه الخدمات الفندقية بلغت السقف الأعلى الممكن لنموها، وإنها بالتالي باتت عاجزة عن تسجيل أي زيادة في حركة السياحة الوافدة في فئة الطبقة المتوسطة العليا، أو تبرير الاستمرار في هذه الاستثمارات. ويعتبر فندق "برج العرب" أفخم فندق من نوعه في العالم العربي، وأعلى فندق في العالم أجمع. وهو يرسي معالم صناعة فندقية جديدة في منطقة الشرق الأوسط تتمتع بمواصفات متقدمة تضاهي أفضل ما وصلت اليه الصناعة الفندقية الراقية في السوق الأميركية الشمالية أو اليابانية. وتقول الآنسة منى المرّي التي عملت في اللجنة الرئيسة المنظمة لمهرجان دبي للتسوق منذ انطلاقه قبل خمسة أعوام ل"الحياة": "الوجهات الأساسية في العالم شهدت تطوراً ملفتاً منذ السبعينات، على صعيد تبني مفاهيم جديدة للسياحة وأنشطتها، والارتقاء بها من نمطين إلى سبعة أنماط رئيسة. أما دبي التي بدأت جدياً منذ عام 1991 في ايلاء أهمية للسياحة كنشاط اقتصادي أساسي بعدما تأكد قرب نضوب النفط والعوائد التي يدرها فقد تمكنت على مدى ثماني سنوات، وفي سرعة مذهلة، من تطوير أنماط السياحة التي تقوم على أراضيها لتثبت نفسها في فترة قليلة كوجهة سياحية مستقلة". وتستغل الامارة الخليجية الصغيرة في شكل ذكي مواردها السياحية الطبيعية التي كانت تثير حيرة المطوّرين السياحيين المعتادين على الترويج للمشاهد الطبيعية التقليدية من خضرة ومياه ومناخ معتدل غير صحراوي. وكان غياب هذه العناصر مجتمعة يعتبر عائقاً في وجه تطوير حركة السياحة الوافدة على مدار السنة قبل أن تبدأ دبي تطوير ما يصطلح على تسميته في عالم التنمية السياحية ب"السياحة البديلة" وهي استراتيجية هدفها تأمين منتجات سياحية تؤثر في النشاط الاقتصادي وتحفز التنمية الاقتصادية والاستثمارية، وتكون في الوقت نفسه بعيدة عن أنماط السياحة الجماهيرية التي سادت منذ الستينات، والتي تستنزف الموارد الطبيعية. وتم بالفعل تحقيق تكامل متواصل على صعيد أنماط النشاط السياحي من سياحة شاطئية وحتى جبلية جبال حتّى وسياحة ثقافية وسياحة الحوافز والمؤتمرات إضافة إلى السياحة البيئية وسياحة التسوق وسياحة الصحراء، وهي كلها أنماط قدمت منتجات متميزة سعت الدول المجاورة إلى الاقتباس منها، وإن كان مهرجان دبي للتسوق أبرز هذه الأنماط وأكثرها شهرة في العالم العربي . ويشكل منتجع المها الساحر الذي يستلقي وسط محمية طبيعية تمتد فوق مساحة 26 كلم تجربة ناجحة تستحق التفات دول الخليج الأخرى التي تشارك دبي في امتلاك بيئة صحراوية وواحات مماثلة، والتي ترغب في اعتماد منتج سياحي طبيعي لا تملكه أي وجهات أخرى في العالم. وتقول الآنسة المرّي التي أدارت بنجاح مهرجان التسوق الصيفي الذي أطلق عليه مفاجآت الصيف، قبل انتقالها إلى ادارة "نادي دبي للصحافة": "كان مشروع منتجع الجميرا نموذجاً آخر للمدى الذي يمكن أن تبلغه التنمية السياحية في دبي ذلك أنه حقق تكاملاً كانت إمارة دبي تطمح اليه". وتضيف: "لدينا الآن تكامل حقيقي بين أنواع الخدمات السياحية المقدّمة من مختلف الفئات والدرجات الفندقية. وهذا إنجاز لا يستهان به في إمارة لا يتجاوز عدد سكانها 300 ألف نسمة وتملك ما يزيد على 300 منشأة فندقية مصنّفة، علماً أن هناك بلداناً عدة في منطقة الشرق الأوسط يبلغ تعدادها السكاني مئة ضعف عدد سكان دبي ومع ذلك فهي لا تزال تجهد لتحقيق ولو جزء نسبي من هذا الانجاز". وينقسم منتجع "جميرا بيتش" إلى أربع منشآت تشكل معاً مجمّعاً سياحياً من الطرازالأول، لا مثيل له في كامل منطقة الخليج والعالم العربي. ويُضاف هذا المجمع إلى بقية المنشآت الفندقية التي تقوم في منطقة الجميرا ما يؤكد تحول هذه المنطقة إلى قطب استثنائي من الفئة الأولى في مجال تنمية القطاع الفندقي والخدمات السياحية الراقية. ويحتل فندق "برج العرب" موقعه كأحد أفخم الفنادق في العالم العربي. ويقدّم هذا الصرح السياحي الذي يرتفع فوق مياه الخليج نمطاً فريداً من الخدمات يعكسه عدد العاملين فيه والذي يتجاوز 1200 موظف يقومون على خدمة 202 جناح، وهو ما يعني قيام ستة موظفين على خدمة الجناح الواحد، وهذا معدل يتجاوز بكثير مستوى الخدمة في فنادق الخمس نجوم في المنطقة وأوروبا وأميركا الشمالية والتي تراوح النسب لديها بين 5،1 موظف وثلاثة موظفين لكل غرفة وجناح. ويشكّل البناء الهندسي الراقي الذي استخدمت فيه تقنيات وخبرات تجتمع للمرة الاولى في مرفق فندقي واحد دليلاً على قدرة دبي على التوسع في قطاع الفنادق الراقية بعدما ثارت شكوك كثيرة في السنوات الأخيرة حول امكانات نمو هذا القطاع محلياً، وسط مخاوف عبّر عنها العاملون في قطاع السياحة والسفر من أن تكون السوق الفندقية الفخمة بلغت درجة من التشبع تحول دون ملء الفنادق الكثيرة الفخمة التي يتوالى بناؤها على قدم وساق في دبي. وتتجه الانظار في صورة خاصة إلى منطقة الجميرا الواقعة على بعد 15 كلم جنوب مدينة دبي والتي غزت ساحلها الأزرق خلال السنوات الماضية عمارات فندقية ضخمة ومنتجعات من فئة الخمس نجوم. وباتت هذه المنشآت الفندقية جزءاً لا يتجزأ من منظر هذه المنطقة السكنية الهادئة التي تحاذيها الكثبان الرملية، والتي تأخرت حتى سنوات قليلة عن محاكاة تجربة بناء العمارات والأبراج الشاهقة ذات الواجهات الزجاجية اللامعة التي تحفل بها عاصمة الامارة الخليجية الصغيرة. وتستقطب الجميرا اليوم اهتمام كبار المستثمرين المحليين ومعهم سلاسل الفنادق العالمية. وكانت هذه المنطقة شهدت منذ أكثر من خمسة أعوام وضع تصاميم، نُفّذ أغلبها، لمنشآت فندقية عصرية راقية موجهة إلى الفئات المتوسطة والفئات المتوسطة العليا وكبار رجال الأعمال والشخصيات البارزة. وتكمن أهمية الجميرا في كونها تحولت إلى قطب للتنمية السياحية داخل دولة الامارات وإمارة دبي. وهي تستجيب للشروط التي تتطلبها إقامة أقطاب سياحية متعددة في أي وجهة تحاول تطوير نمط السياحة الوافدة اليها وتوليد نوع جديد من الطلب. ويقع معظم الفنادق والمنتجعات الراقية التي يجري بناؤها في إمارة دبي على شاطىء الجميرا ومنها فنادق الموسى الجديدة و"فورسيزونز" و"لي مريديان" و"سن انترناشيونال" و"ستينبرجر/سويسوتيل" و"بارك حياة" و"ريتز". ومنذ إطلاق فكرة تجديده وتوسيعه منتصف التسعينات، شكّل مجمّع "جميرا بيتش" بمنشآته الرئيسة الأربع تحدياً من الطراز الأول لأن نجاحه يعني إقامة البرهان على مدى نجاح المراهنة المعقودة على إمكان توسيع سوق الخدمات الفندقية الراقية وتنمية حركة السياحة الوافدة إلى دبي. وتكمن أهمية مشروع الجميرا بيتش أيضاً في جرأته وتحقيقه تكاملاً في الخدمات المتنوعة التي يقدمها لمختلف فئات النزلاء ممن يرغبون في الحصول على مستوى راقٍ من العناية والاهتمام. كما أن فكرة الاستثمار في هذا المنتجع الضخم الذي تجاوزت كلفته 25،1 بليون دولار تحمل قدراً من المغامرة لا يمكن اعتبارها إلا جزءاً من رؤية أشمل تخص تدعيم صورة دبي ومكانتها الاقليمية كوجهة قادرة على تأمين حاجة النزيل. وتقول المرّي: "إذا كانت العادة في الاستثمار في مشاريع الخدمات هي الاستثمار في تأمين المنتجات السياحية التي تحظى بالاقبال والتي أكدت بالتالي وجود سوق ذات إمكانات كامنة لترويجها، فإن الاستثمار الضخم في منتجع الجميرا بيتش خرج عن المألوف في مشاريع من هذا القبيل إذ تميز بقدر كبير من الجرأة لأن مصمميه سعوا إلى تأمين منتج مختلف على صعيد المنطقة ككل، وعلى أمل تأمين سوق مناسبة له لاحقاً". وتضيف: "كما أن قرار الاستثمار أتى في وقت كانت فيه الأصوات المتشائمة والتقديرات السالبة تشير، قبل خمسة أعوام، إلى أن دبي تتجه إلى درجة التشبع في الخدمات الفندقية الراقية وإلى أن هناك شبح ركود يخيم على صناعة السياحة في دبي التي بنت خطط التوسع فيها على أساس منافسة وجهات أخرى دولية تملك موارد سياحية وأخرى طبيعية أكثر غنى وثراء، لكن النتائج الايجابية التي سُجّلت تخطت أكثر التوقعات تفاؤلاً". وتتابع قائلة: "السياحة صناعة قائمة بحد ذاتها وهي ليست خياراً ثانوياً بل نشاط متكامل. وهي تمثل شكلاً من أشكال التنمية الاقتصادية وأحد العناصر الأساسية لهذه التنمية في دبي". ويعتبر المنسّق العام لمهرجان دبي للتسوق حسين لوتاه أن نوعية المنشآت الراقية التي باتت دبي تحفل بها تشكل إضافة نوعية تفيد الحملات الترويجية التي تدور حول الحدث السياحي الأكبر في إمارة دبي وكامل العالم العربي وهو "مهرجان دبي للتسوق" والذي استقطب السنة الجارية 5،2 مليون زائر على مدى أربعة أسابيع. ويقول ل"الحياة": "فندق برج العرب مثل فندق جميرا بيتش سيكون من الرعاة الفرعيين لمهرجان دبي للتسوق للعام المقبل. وسيكون هناك تركيز واضح على نوعية الخدمات الراقية التي بات قادراً على تأمينها. ونحن في طور الاعداد لجملة فاعليات ستتخذ من برج العرب مركزاً لها خلال مهرجاننا المقبل لسنة 2000 والذي سيكون متميزاً عن كل المهرجانات التي سبقت حتى اليوم". ويضيف: "لا يستطيع أحد أن ينكر أن نجاح مهرجانات التسوق يعود أيضاً إلى وجود شبكة متكاملة من المنشآت الفندقية التي تضمن سعة إيوائية تلائم كل الأذواق والمتطلبات. ونحن استقبلنا 86 ألف زائر يومياً خلال المهرجان الأخير، من بينهم 5،21 ألف زائر من خارج دولة الإمارات". ويتابع قائلاً: "افتتاح برج العرب يؤكد أننا وصلنا في دبي إلى مرحلة نضج كبيرة على صعيد الخدمات الراقية التي نقدمها، وسيعني إرضاء شريحة عليا من الزوار المتطلبين الراغبين في الاستمتاع في الوقت ذاته بأجواء المهرجان والاستفادة من العروض والفاعليات". ويعتبر السيد لوتاه أن إقامة مهرجان التسوق شكل وسيلة مبتكرة لتعزيز الاقبال على دبي إلا أن هذه البادرة استفادت في الوقت ذاته من نوعية الخدمات المقدمة للزوار وجودتها، "وهذا يشكل دليلاً على أن الاستثمار السياحي والجهد الترويجي وعملية التخطيط لتحقيق تنمية سياحية أوسع نطاقاً يشكلون معاً الأضلاع الثلاثة لمثلث واحد يخدم مكانة دبي كوجهة سياحية من الطراز الأول خليجياً وإقليمياً".