السيد رئيس التحرير، قرأت المقالة الجميلة التي كتبها عبدالوهاب بدرخان ونشرتها صحيفة "الحياة" الغراء يوم الجمعة 29 تشرين الأول اكتوبر في صفحتها السادسة تحت عنوان "تونس: لحظة سياسية خارج الانتخابات... هل شاهدت "الماتش" بين الشيخ والفتى؟" وذلك تعليقاً على المناظرة التي جرت بيني وبين الأستاذ راشد الغنوشي في برنامج الاتجاه المعاكس، على شاشة قناة "الجزيرة"، يوم الثلثاء 26 تشرين الأول الماضي. لي تعليق واحد على ما أورده الكاتب في التعريف بي، حين ذكر بأنني "نهضوي سابق وموال للسلطة حالياً"، ارجو التكرم بنشره على صفحات جريدتكم الغراء، وهو تعليق أكرره لكل الذين يختارون تصنيفاتهم وتعريفاتهم بناء على معطيات قديمة. لقد انضمت الى حركة النهضة عام 1978 عندما كان عمري 14 سنة، واستقلت منها في أيار مايو 1992 وعمري 28 سنة، وقد مرت الآن سبع سنوات منذ اعلان استقالتي في أبرز الصحف العربية، سبع سنوات قيمت فيها تجربتي الحزبية، وتفرغت فيها لعملي الاعلامي، وحصلت فيها على درجة الدكتوراه من جامعة لندن، ونشرت خلالها ثلاث كتب في الجزائر والولايات المتحدة، ودعيت للحديث في قنوات فضائية كثيرة عن قضايا عربية ودولية متنوعة، كما اصبحت فيها أباً لعائلة صغيرة فيها ابناء وبنات، وتخلل الشيب بعض شعري! فهل يتوقف تاريخ المرء عند تجربة حزبية خاضها في مقتبل شبابه وانتهت بإيجابياتها وسلبياتها قبل سبع سنوات؟ وهل من التطرف، او المبالغة، أو سوء الأدب، ان يطلب المرء من زملائه تقديمه كما هو على حقيقته، اعلامياً مستقلاً، او كاتباً، عربياً مقيماً في الخارج، او مواطناً تونسياً من دعاة الوفاق والمصالحة؟ وأما القول بأنني موال للسلطة فهو ايضاً غير دقيق. انني زميل لكم في مهنة الاعلام، ومهتم ببعض المشاريع الفكرية والثقافية والانسانية، وكل هذه الاهتمامات اتابعها كتونسي مستقل مقيم في لندن، من دون اي صفة رسمية في الدولة التونسية ومؤسساتها. أعرف ان اجواء الاستقطاب حادة في الأوساط السياسية التونسية والعربية، والناس يميلون الى تصنيفك إما مؤيداً او معادياً، لهم. لكن الحقيقة البسيطة، ومن دون مبالغة او تزييف، هي انني تونسي مستقل، يحتفظ بعلاقات مع كثير من مواطنيه من مختلف الاتجاهات، ويتشرف بعلاقة احترام وتقدير ومودة مع الأخ الرئيس زين العابدين بن علي. وقد دعتني قناة "الجزيرة" للمشاركة في البرنامج باعتباري رئيساً لتحرير صحيفة "المستقلة"، وصاحب رأي في الشؤون التونسية خلاصته ان في هذا البلد العربي العزيز انجازات كثيرة تشرف كل مواطنيه، وتشرف حكومة الرئيس بن علي التي نهضت بها، ومن مقتضيات الانصاف ان تقر بأهميتها كل جماعات المعارضة ايضاً. لكن تونس لا تدعي الكمال، ولا رئيسها يزعم ذلك، ولذلك تحتاج القوى السياسية التونسية الى التعاون معه، بالنصيحة والرأي الحر وممارسة حق الاختلاف، من اجل الانتباه الى النواقص وتصحيحها، ومن اجل بناء مناخ من الوفاق الوطني الشامل، يكفل الافراج عن كل المعتقلين بسبب انتمائهم لجمعيات سياسية، وحرية الاعلام والتعبير عن الآراء المعارضة للسياسة الحكومية. هذا هو رأيي في الملف التونسي وقد دعيت لعرضه والدفاع عنه في قناة "الجزيرة" ففعلت، وقد تجاوب تونسيون مع هذا التوجه وعارضه آخرون، وسرني كثيراً ان الأخ الرئيس زين العابدين بن علي تفاعل معه بشكل ايجابي كما فعل من قبل، ووعدني في اتصال هاتفي يوم الأربعاء الماضي بأخبار سارة وسعيدة في الأيام القليلة المقبلة. وللعلم فإنني عدت بعد البرنامج الى بيتي في احدى ضواحي لندن الغربية حيث اقيم، مثل ألوف المهاجرين العرب الذين يعملون في بريطانيا، مستقلاً كما كنت قبل البرنامج. وأعدكم بأنني سأكتب في الصحافة العربية علناً اذا غيرت موقفي هذا في يوم من الأيام وانخرطت في الحزب الحاكم او غيره من الأحزاب. مع أطيب مشاعر التقدير لك شخصياً ول"الحياة" الغراء، والسلام. الدكتور محمد الهاشمي الحامدي رئيس تحرير صحيفة "المستقلة" الدولية في لندن.