عندما جلسنا لنكتب قراءتنا النقدية للترجمة العربية لكتاب كيث وايتلام The Invention of Ancient Israel والتي نشرتها "الحياة" بتاريخ 20/10/99، لم نكن ننوي قصرها على ما رأينا فيها من اغلاط منهجية لا يجوز عملياً السكوت عنها، لأن هدفنا كان ابعد من ذلك، وتحديداً إثارة انتباه القراء الى الآثار السلبية التي تتركها ترجمة اي مؤلف كان، ان تمت بشكل منفصل عن الكاتب، ومن قبل مترجم غير متخصص في المادة، وخاصة اذا كان يتناول، ضمن اطار الدراسات الكتابية المعقدة وغير المعروفة في بلادنا العربية، موضوعاً مرتبطاً بفلسطين التي، ولله الحمد، ما تزال تثير، العواطف والشجون الحقيقية والمشروعة بين ابناء امتنا. وقد بينت مراجعتنا النقدية للترجمة التي أنجزتها الدكتور سحر الهنيدي كيف انها، وبسبب عدم إلمامها بمادة المؤلف، اي الدراسات الكتابية، وهو بحد ذاته ليس نقيصة اطلاقاً، انطلقت، في مقدمتها وتعليقاتها، من نفس أرضية الخطاب الكتابي، او "التوراتي"، الذي كرس البروفسور كيث وايتلام مؤلفه لنقده. ونذكر تماماً اننا فكرنا ملياً في مسألة ان كان علينا قصر نقدنا على الترجمة، او وجوب الاشارة، ولو بملاحظة عابرة، الى تعليقات مراجعها السيد فؤاد زكريا. ونعترف بأننا توقفنا طويلاً عند هذه المسألة لما نعرفه من حساسية البعض تجاه اي نقد. وفي نهاية الأمر، ولأننا لا نعتبر عدم إلمام المراجع بمادة المؤلف نقيصة لشخصه، ذلك انه ليس في العالم من يعرف كل شيء عن كل شيء، قررنا في نهاية الأمر ان نشملها بملاحظاتنا النقدية. وهناك سبب آخر دفعنا لتناول تعليقات المراجع بالنقد، وهو انها في نهاية المطاف تحاول اضفاء تغطية شرعية علمية لعمل مقصر تماماً. لكن طموحنا كان يتجاوز مسألة نقد كتاب محدد ليشمل لفت الانتباه الى ضرورة التقيد الصارم بالأصول العلمية عند الحديث في مجال العلم، وعلى رأسه ضرورة تفادي الباحثين، ان ارادوا ان تؤخذ كتاباتهم وأقوالهم على محمل الجد، الحديث في موضوعات تقع خارج دائرة اختصاصهم. وكنا نتوقع حقاً ان المراجع سيتعامل مع ملاحظاتنا العلمية بروح رياضية تماماً، وبأنه سينظر اليها من منطلق اخوي، تماماً كما وجب على العلماء التعامل مع أية تعليقات علمية يطلقها زملاؤهم. لكن بعد قراءتنا مقالة المراجع في عدد "الحياة" الصادر في 8/11/1999، تبين لنا ان توقعاتنا وأحكامنا تلك كانت سوريالية حقاً، واتضح انه لا يقبل اي نقد علمي، ولا يرضى، عن الإطناب لكل ما كتبه، حتى ولو كان مليئاً بالأغلاط، بديلاً. لهذا كله نعترف بأننا فوجئنا تماماً، بل فجعنا، بردة الفعل تلك. لكن، بما ان تلك المقالة حوت كماً من المغالطات والاتهامات والتحريضات والتجريحات، نستأذن القارئ في تناول أهمها، نقطة بعد اخرى، مؤمنين بقدرته على تمييز المذنب من الضحية في القضية القائمة بين قَدْمس للنشر والتوزيع من جهة، وبين المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في دولة الكويت من جهة اخرى، والتي أشرنا الى تفاصيلها في رسائل مفتوحة، نشرت احداها "الحياة" في عددها الصادر يوم 14/10/1999. الآن، الى النقاط الرئيسية: 1 السيد فؤاد زكريا يقول في مقاله اننا امطرنا كذا "... المجلس بالرسائل والمكالمات الهاتفية التهديدية". الحقيقة هي اننا ارسلنا الى المجلس الوطني كتابين: نقلنا في اولهما وجهة نظر دار قدمس عن الموضوع، وكررنا ذلك في الثانية، وقد تركنا نسخة عنهما في مكتب "الحياة" في دمشق. اما المكالمات فقد اقتصرت على اثنتين كانت أولاهما مع السيدة الفاضلة فاطمة راشد عندما اعلمناها حقيقة امتلاك دارنا حق الترجمة العربية حصرياً، والثانية للتأكد من وصول رسالة الفاكس التي ارسلناها الى المجلس. 2 على رغم رؤيتنا الابتسامة العريضة ترتسم عى وجوه القراء عند سماع "مهمة" الاستعانة ب"اجانب" التي وجهها كاتب المقالة الى الدار، نقول اننا ارسلنا كتاباً الى مؤسسة ذَبوكسِلَر http://www.thebookseller.com نطلب فيها عرض القضية على صفحات مجلتهم الالكترونية، وقد استجابوا طلبنا مشكورين. وفي كل الاحوال، فإننا لم نقصر ملاحقة المتعدي وطلب المعونة على تلك المؤسسة "الاجنبية" فحسب، لأننا وجهنا كتباً الى مديري معارض الكتب في كل من صنعاء والرياض وفرانكفورت والشارقة، نطلب فيها منع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب من المشاركة الى حين التزامه القوانين والأعراف الوطنية والدولية المعمول بها في مجال النشر. ونحن بصدد إرسال مجموعة اخرى من الكتب المماثلة الى جهات اخرى ذات علاقة مباشرة بالموضوع. 3 ان اعتبار كاتب المقالة قيام الأوروبيين قبل قرون بترجمة كتابات مفكرين وعلماء عرب، مثل الخوارزمي وإبن رشد وغيرهما، مسوغاً لخطوة المجلس الوطني بالتعدي على حقوق الآخرين مرفوض قلباً وقالباً، ولا نعتقد ان السيد زكريا سيقبل بالسكوت عن حقوقه في حال قيام دار نشر يونانية، على سبيل المثال، بنشر اي من كتاباته من دون اخذ اذن منه، تحت دعوى ان العرب ترجموا كتابات ارسطو وأفلاطون... الخ وبنوا عليها حضارتهم في العصور الأولى. وفي كل الأحوال يجب ان لا يغيب عن المجلس الوطني بأنه تعدى على حقوق دار نشر عربية شقيقة، وليست اجنبية. وفي حال ان المجلس، ممثلاً بأمينه العام، لا يعترف حقاً بحقوق الكتّاب الغربيين، فكيف يفسر اذاً مبادرته يوم 25 أيلول سبتمبر المنصرم الى طلب شراء حقوق نشر الترجمة العربية للكتاب من الدار الانكليزية، على رغم علمه بحصولنا عليها؟ وكيف يفسر الأمين العام للقراء والمثقفين العرب قيام مندوبه في لندن يوم الجمعة الموافق غرة تشرين الأول اكتوبر الماضي، بالتعهد لدار النشر الانكليزية بسحب نسخ الكتاب المذكور اعلاه من السوق والتخلص منها؟ على ما ابلغتنا به مسؤولة الحقوق الخارجية بدار النشر الانكليزية، في الوقت الذي يرفض فيه الى الآن الاجابة عن كتابنا الثاني. 4 وإذا كان المجلس الوطني ما يزال متمسكاً فعلاً، وعلى رغم الحقائق الآنفة الذكر، برفضه مبدئياً الاعتراف بحقوق الكتاب من غير العرب، فلماذا يحظر في النظام الداخلي لمعرض الكويت الدولي للكتاب الرابع والعشرين، والذي يشرف عليه ويترأسه امينه العام، على المشاركين فيه، عرض كتب مزورة، تحت طائلة عقوبات مختلفة، ومنها اغلاق جناح اي دار نشر تخالف النظام ومنعها من المشاركة فيه لسنوات مقبلة؟ 5 ان احتماء كاتب المقالة بآراء طرحت في منظمة الكسو قبل عشرين عاماً مرفوض تماماً، ونحن نطالب المسؤولين فيها باعلان رأيهم في هذه القضية، لأنه بلا شك يعلم ان الحكومة الكويتية اصدرت "مرسوماً بقانون رقم 5 لسنة 1999 في شأن حقوق الملكية الفكرية" يوم 25 أيار مايو 1999م، ونشر في العدد 414 - السنة الخامسة والأربعون من جريدة "الكويت اليوم"، وفي مقدمته "بعد الاطلاع على المادة 71 من الدستور... وعلى القانون الرقم 2 لسنة 1998 بالموافقة على انضمام دولة الكويت الى اتفاقية انشاء المنظمة العالمية للملكية الفكرية... والذي يتمتع بحمايته مؤلفو المصنفات... وفي الباب الثاني، المسمى "حقوق المؤلف" - الفصل الأول، المادة 5، نقرأ "يشمل حق المؤلف في الاستغلال... ترجمة المصنف الى لغة اخرى". وينص المرسوم الآنف الذكر في "الفصل الثاني "الجزاءات" - المادة 42" بمعاقبة الطرف المتعدي بالغرامة والحبس او بإحداهما. كما نقرأ في النقطة د من "الباب الرابع - احكام ختامية، المادة 43" ان احكام القانون تسري على "مصنفات المؤلفين مواطني الدول الأعضاء في اتفاقية المنظمة العالمية للحقوق الفكرية...". بعد هذا كله، أليس من حقنا توقع ان يكون المجلس الوطني، بصفته دائرة رسمية، اول الملتزمين بقرار الحكومة الكويتية، وان يكون اول الغيورين عليه، والأكثر حرصاً من غيره على تطبيقه، نصاً وروحاً؟ 6 لا نرى في حقيقة بذل ما في وسعنا من جهد للدفاع عن حقوق دارنا والدعاية لكتبنا، تهمة، بل هذا واجبنا المعنوي والقانوني في كل الاحوال. لكننا ندعي لأنفسنا ايضاً ان دارنا لا تسعى الى الربح مهما كانت الأساليب، كما يوحي كاتب المقال. فلو اردنا ذلك لسلكنا الدرب ذاته الذي اختطه أمين عام المجلس الوطني، والقائم على التعدي على املاك الغير الفكرية، وعدم الاعتراف بحقوق المبدعين. ان قول السيد فؤاد زكريا بأن المجلس لم يقم اطلاقاً بطلب حقوق الترجمات من دور النشر الاجنبية يدعو الى الدهشة فعلاً، وسيجلب معه على المجلس شلالاً من المطالبين بحقوقهم. على رغم ذلك، فهذا القول غير دقيق حيث نعرف تماماً ان ما من مترجم مقيم في اي من الدول الأوروبية، حيث ما يزال موطئ قدم لما تبقى من سيادة للقانون، يتجرأ على السماح بنشر ترجماته لكتب مؤلفين غربيين من دون اخذ اذنهم المسبق. ونحن نعلم تماماً ان مترجم "غوته والعالم العربي - "عالم المعرفة 194"" على سبيل المثال، طلب إذن المؤلفة الألمانية قبل مباشرة ترجمة ونشر كتابها، وانه لم يتمكن من الموافقة على الحذوفات التي فرضها رقيب المجلس الوطني على ترجماته للنص الأصلي، الا بعد اخذ موافقة الكاتبة الألمانية. سنكتفي الآن بما عرضناه من حقائق ونلتفت اخيراً الى الهجوم الشخصي الذي شنه فؤاد زكريا ضدنا في المقال المذكور. لا شك لدينا في قدرة القراء والمثقفين العرب على تمييز المتعدي من الضحية، وإدراكهم ان لجوء كاتب المقالة الى الهجوم الشخصي اعلان عن فقدان المنطق، ومحطة حتمية في طريق الدفاع عن الغلط، وإن اصحاب الأقلام الحرة منهم سيعبرون عن موقفهم من هذه الازمة التي بدأت تأخذ شكل المأساة. على رغم ذلك، وإذا كنا ننظر الى الشتائم الشخصية التي كالها كاتب المقالة ومنها على سبيل المثال، لا الحصر "وقد امسك قلمه بإحدى يديه بينما يده الأخرى تتحسس حافظة نقوده" و"...سوء الطوية كان غالباً على السيد زياد منى عندما كتب مقاله النقدي..." و"... من شخص يدعى زياد منى" وتصغير شأن دار نشرنا ونعتها ب"الدمشقية" على انها بطاقة تعريف بشخص كاتب المقال، وبالتالي فهي لا تهمنا، فإننا نعتبر الأقوال الاخرى التي تطعن في انتمائنا الوطني والقومي، ومنها قولها "... ان السيد زياد منى لا يفكر الا في مصالحه الشخصية ويطرح جانباً كل اعتبار متعلق بخدمة قضيتنا القومية..." والتي وصلت الى اوجها في قوله "... يتبين ان المحاولات المستميتة التي يبذلها السيد زياد منى للتشويش على هذه الطبعة ومنع انتشارها، تقف موضوعياً في الخط نفسه الذي يقف فيه العدو الأكبر للقضية الفلسطينية" على انها مسألة في غاية الخطورة، ولن نسكت عنها. لذا فإننا نعد كل من وضع ثقته في شخصنا، ورحب بالتعاون مع دارنا، وائتمنها على ابداعاته، وشعر بالألم من هذه التعديات اللامسؤولة، باللجوء الى مختلف الوسائل القانونية، وفي المكان والزمان اللذين نراهما مناسبين، لحماية شخصنا من القذف هذا واللاحق. وعلى رغم اننا لن نتخلى، مهما طال الزمن وعظمت المعوقات، عن حقوقنا في متابعة هذه المسألة جنائياً في المحاكم التي نرى انها ستعيد الينا حقوقنا كاملة، فإننا ننأى بأنفسنا عن الدخول في أية مهاترات، وسنقصر ردنا عليها حالياً على التعهد بتوزيع المقالة المذكورة اعلاه على اوسع عدد ممكن من القراء العرب كبطاقة تعريف بمن قاده تعاليه الواهي الى التمسك برذيلة الدفاع عن الغلط. ان هذه وغيرها من التهجمات الشخصية لن تفلح في حرف الانظار عن المسألة التي تشكل اساس القضية القائمة بين دارنا، قدمس للنشر والتوزيع، وبين المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، والتي سببها تعدي الطرف الاخير على حقوق دارنا ونشره ترجمة غير مرخص بها لكتاب كيث وايتلام الآنف الذكر، على رغم علمه امتلاك دارنا الحقوق حصراً، ورفضه الاعتراف بحقوقنا، وبما الحق تصرفه بقضية الثقافة في العالم العربي من مهانة وضرر، وتعويض دارنا عما ألحقه بها من خسائر مادية. لذلك، سنكتفي الآن بما عرضناه من حقائق وننهي كتابنا المفتوح هذا لنعيد التأكيد للسادة الكتاب والعلماء، من مختلف الجنسيات والتبعيات، الذين ائتمنوننا على مؤلفاتهم ومحاضراتهم ومقالاتهم، وسمحوا لنا بترجمتها ونشرها، وصرفوا الكثير من الوقت والجهد في الرد على استفسارات وملاحظات مترجمينا ومراجعينا، بأننا لن نتخلى عن حقوقهم وحقوقنا، وسنستمر في متابعة القضية وملاحقة المتعدين على حقوقنا وعلى حقوق من ائتمننا على كتاباته، حتى نلزمهم الامتثال للقوانين والأعراف الوطنية والدولية. هذا حقهم علينا، وهو دليل عملنا، وبه نفتخر. * كاتب ومترجم فلسطيني. دار قدمس للنشر والتوزيع في دمشق وبيروت.