الكتاب: العولمة: دراسة تحليلية نقدية المؤلف: عبدالله عثمان التوم وعبدالرؤوف محمد آدم الناشر: دار الوراق، لندن 1999. منذ مطلع التسعينات كتب الكثير عن "العولمة" واختلف على تعريفها الباحثون. فمنهم من تعاطى معها كايديولوجية ومنهم من حاول تنظيمها كنظرية اجتماعية معاصرة، ومنهم من تناولها واقعة تاريخية لا تزال في طور التحقق... وبسبب ذلك الاختلاف "الاجنبي" على تعريف "العولمة" انتقل الخلاف الى النخبة العربية التي تناولت المسألة في سياقات متمايزة وانقسمت على بعضها بين مؤيد ومعارض. واستقر النقاش على تلاسن ايديولوجي من دون وعي للعملية التاريخية وتداخل العالمي بالمحلي. وفي هذا الاطار صدرت الكثير من الكتابات والدراسات الضدية. فهناك من هاجم "العولمة" من موقع ايديولوجي باسم الخصوصية والقومية، وهناك من التزم فكرة "العولمة" كمنهج ايديولوجي من دون محاولة فهمها علمياً في ضوء تعقيدات العملية التاريخية. وفي اطار النقاش الفضفاض صدرت عن دار "الوراق" في لندن الطبعة الأولى 1999 كتاب "العولمة: دراسة تحليلية نقدية" للكاتبين عبدالله عثمان التوم وعبدالرؤوف محمد آدم حاولا فيه البحث عن منطق المفهوم في صيغتيه العلمية التعريفية والتاريخية التطورية وهو أمر يسجل لهما باعتبار دراستهما محاولة عربية أولى لقراءة "العولمة" خارج الايديولوجيا المتلونة في الأطياف القومية والليبرالية. بدأ الكاتبان بحثهما في رصد ظاهرة العولمة في شتى "تجلياتها وأشكالها التاريخية والمعاصرة" ص15. فدرسا المدخل النظري - التاريخي حتى يتمكن القارئ من "استيعاب علاقات القوى التي تربط وحدات ومكونات النظام الدولي وإفرازات تلك العلاقات مع إدراك ان بعض العناصر الضرورية للنظام العالمي الجديد لم تكن وليدة الظروف الراهنة، بل توطدت منذ زمن طويل" ص16. فالعولمة تتميز بديناميكية تحركها قوى عالم المال والانتاج الصناعي عبر سلسلة علاقات بين الدول والأفراد تتخطى محدودية الزمان والمكان حتى "يصعب التمييز بين ما هو محلي وما هو عالمي" ص16. فظاهرة العولمة مرتبطة بسلسلة من العلاقات بين شركات ومصالح مختلفة وموارد وطاقات وقوى تنافسية مختلفة. الى ذلك هناك تداعيات الظاهرة وإفرازاتها بعد نهاية "الحرب الباردة" وما انتجته من تحولات جيوسياسية وفكرية. في البداية استعرض الكاتبان عينة من التعريفات لنظرية العولمة. فالكاتب البريطاني جون توملنسون يرى ان العولمة هي "الحركة الاجتماعية التي تتضمن انكماش البعدين الزمني والمكاني" ص19. والكاتب روبرتسون يرى انها عملية تزداد من خلالها "رؤية العالم كمكان أوحد" ص20. ويعرّف الباحث الاجتماعي انتوني غيدينز العولمة بأنها "تكثيف العلاقات الاجتماعية الممتدة على نطاق العالم أجمع" ص20. وينظر اليها فيذرستون على انها تتضمن "الامتداد الخارجي للثقافة المحلية المعينة الى أقصى حدودها" ص21. الى تلك التعريفات التي مزجت بين الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي هناك من يربط العولمة بالحداثة. ويلجأ الكاتبان الى تحديد انماط الحداثة وسلوكياتها، فهي تهدف الى السيطرة على الانسان واخضاعه لمتطلبات الحداثة، وكذلك السيطرة على الطبيعة واخضاعها لهيمنة الانسان، وأخيراً محاولة السيطرة على المعرفة، فالحداثة اذن نظرية "تتصف ببعض المطاطية حيث يمكن تجاهل بعض اسسها وإضافة صفات أخرى" ص25. مع ذلك يجد الكاتبان صلة منهجية بين الحداثة والعولمة، على رغم ان الأخيرة سابقة زمنياً، خصوصاً في مسألتي إرساء الدولة الحديثة التي تهدف الى تحديث المجتمع، ورفض الانتماء الى مكان بعينه لأنها صالحة لكل بقعة في العالم. إلا ان العولمة تخطت الحداثة لأنها نزعت الى تخطي "الدولة كوعاء للتغيير الاجتماعي" ص26. ويبحث الكاتبان علاقات التخطي بين العولمة والدولة الحديثة. فمعظم الباحثين يشددون على "ان انحسار الحدود القومية هو من أهم سمات العولمة" بذريعة ان الحدود القومية اصبحت "عائقاً لمسار تطور الانسان من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد أصبح من المستحيل التعايش بمعزل عنها"، وذلك نتيجة التفاعل المباشر بين الفرد والعالم، ويعني الأمر تخطي الحدود "بعد ان فقدت خاصيتها في ربط الانسان القومي بالعالم" ص27. ويتحدث الكاتبان عن نظريات الانسياب أو "الانسيابات العولمية" وتحديداً الانسياب البشري، الانسياب النقدي، الانسياب التقني التكنولوجي، والانسياب الاعلامي ص28. فدعاة العولمة يتحدثون عن نمط انتاجي جديد، إذ بفضل تحطيم الحدود السياسية "تلاحمت عمليات الانتاج وتشابكت في ظل عالم واحد" ص32. وتبلورت خصوصاً في هيمنة المصارف على عمليات الانتاج واحتكار التقنية وانسيابها، والسيطرة على المعلومات وانسيابها، كذلك الاعلام واجهزة التلفاز والاذاعات والافلام. فالانتاج الثقافي من معلومات واعلام جعل سكان العالم "يستقون تعليمهم الثقافي وخبراتهم اليومية بل وواقعهم من مصدر واحد" ص39. ويرصد الكاتبان مختلف أوجه تلك الاتصالات - الهيمنة، ويستعرضان الآراء المتناقضة عن ايجابيات العولمة وسلبياتها خصوصاً نظريات مدرسة "ما بعد الحداثة" التي انتقدت الحداثة وبينّت فشلها ومدى مساهمتها في تدمير الانسان واقتلاعه من مكانه وزمانه، وينتهيان الى القول "ان العولمة قد انتقلت من سيطرة وإرادة الغرب وانها تنطلق الآن من قوة دفع ذاتية ودافع انساني" ص173. الا انها في نزعتها الشمولية هي أكثر شراسة في حركتها "إذ تتخذ الانسان نفسه وغير الانسان وقوداً لها" الأمر الذي يزيد من مخاطرها على البشر والأرض ص174. وتتمثل تلك المخاطر في البيئة، والأمراض المعدية، والاحياء المهددة بالانقراض، والتسلح، والجريمة العالمية الارهاب والاتجار بالانسان واعضائه وتهريب المال. وقبل ان ينتهي الكتاب الى خاتمة يتطرق الكاتبان في الفصل السادس عشر الى "العالم العربي والعولمة" ويركزان على الآراء التي انهالت على المنطقة بعد حرب الخليج الثانية صامويل هنتنغتون، برنارد لويس، نعوم تشومسكي، وتشارلز مينس وبروز مسألة الهوية والمخاوف عليها من العولمة. وفي الخاتمة يتحدث التوم وآدم عن عوامل انتشار نظرية العولمة وارتباطها المنفعي بالبيوت التجارية والمؤسسات الرأسمالية التي بدورها "تمول دور النشر والدوريات والمؤتمرات والجامعات" ص199. مع ذلك هناك من يصف العولمة من الكتاب الغربيين فيرغسون، ويلكن، نيكل، وهارود بالخرافة والاسطورة الكبرى الأمر الذي كرس المفاهيم المتناقضة وبعثرها الى فريقين كبيرين: الأول يتحدث عن العولمة و"كأنها ظاهرة في طريقها الى الانتشار لتغطي العالم بأكمله" والثاني يتحدث عنها و"كأنها تخص العالم كله، وتتصف بالشمولية والعمومية" ص200. ويستخلصان في النهاية "ان العولمة ما هي الا ايديولوجيا جديدة منمقة تهدف الى زيادة هيمنة الغرب على بقية دول العالم" ص205.