تشهد الصحافة الاسرائيلية منذ أيام حملة مكثفة ضد أقوال السيدة سهى عرفات أمام السيدة هيلاري كلينتون في رام الله. اللقاء بين السيدتين تم في مستشفى لمرض السرطان، وتحدثت السيدة عرفات أثناءه عن ارتفاع نسبة إصابة الأطفال الفلسطينيين بمرض السرطان بسبب المياه الملوثة وبسبب الغاز المسيل للدموع الذي كان يلقى على الأطفال الفلسطينيين أثناء الانتفاضة. ولأن السيدة كلينتون تخوض معركة للفوز بمنصب عضو في مجلس الشيوخ عن مدينة نيويورك، فقد استعمل إنصاتها لكلام السيدة عرفات، من دون رد مباشر منها، في الحملة الاعلامية ضدها. وحين تم ذلك، انطلقت الحملة الاعلامية المساندة في اسرائيل، وطُلب من السلطة الفلسطينية ان تتبرأ من أقوال سهى عرفات، وتم الطلب اسرائيلياً، وتم الطلب أيضاً اميركياً بواسطة القنصل الاميركي في القدس. استجابت السلطة الفلسطينية لطلب الاعتذار فوراً، ووقف أكثر من مسؤول فلسطيني ليعلن ان السيدة سهى عرفات لا تمثل سوى نفسها، ولا تتحدث باسم السلطة الفلسطينية. وهناك من قال ان أقوالها قد فسرت، فهي لم تقصد الغاز السام "إياه"، بل قصدت غاز القنابل المسيل للدموع. ما يلفت النظر هو هذا التجاوب الفلسطيني السريع مع طلب الاعتذار، وكأن السلطة معنية بأن تبرز لنا براءة اسرائيل من دم الأطفال الفلسطينيين، وبراءتها من الرصاص المطاطي الذي أعطب العشرات منهم، وبراءتها من فرق الاغتيال لنشطاء الانتفا ضة حتى بعد توقيع اتفاق أوسلو. ما يلفت النظر هو ان ما قالته سهى عرفات سبق لأكثر من مسؤول فلسطيني ان قاله: الدكتور رياض الزعنون وزير الصحة، قال إن الأطباء الاسرائيليين يستخدمون المرضى الفلسطينيين كحقل تجارب للأدوية. عبدالحميد القدسي نائب وزير التموين قال ان اسرائيل لم تغير من استرتيجيتها لتدمير شعبنا من خلال ترويج الغذاء الفاسد الذي انتهت مدة صلاحيته. ماهر الدسوقي رئيس الجمعية الفلسطينية للدفاع عن المستهلك قال انهم يروجون اللحوم المليئة بالهرمونات السرطانية مع سبق الإصرار. وأمام هذه التصريحات كلها نحن إزاء واحد من أمرين: إما ان تكون أقوال هؤلاء المسؤولين كلهم أقوالاً كاذبة، وفي هذه الحال تجب محاكمتهم. وإما ان تكون أقوالهم صحيحة، ولا معنى إذاً لإصدار تكذيبات تتعلق بأقوال سهى عرفات بالذات. وقد تجددت الحملة الاعلامية الاسرائيلية قبل أيام، وذلك بعدما أجرت محطة تلفزيون "أوربت" اتصالاً هاتفياً مع سهى عرفات قالت فيه: الاسرائيليون هم الذين يجب عليهم الاعتذار والتعويض عن كل الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعب الفلسطيني، ولا نستبعد ان نسمع اليوم أو غداً تكذيبات جديدة يدلي بها الناطقون الرسميون باسم السلطة الفلسطينية. ما يقلق في هذا كله، هو عدم قدرة السلطة الفلسطينية على الصمود أمام أي ضغط تتعرض له، سواء كان ضغطاً اسرائيلياً أو اميركياً. واذا استمرت الحال على هذا المنوال فكيف سيكون عليه الأمر حين تتعرض السلطة الفلسطينية لضغوط تتعلق بمصير الشعب الفلسطيني وبقضايا الحل النهائي؟ فهل سيرضخ المفاوضون، ام سيتصلبون الى ان يبرز مسؤول آخر فيقول ان تصلبهم يعبر فقط عن موقفهم الشخصي، وانه لا علاقة لتصلبهم بموقف السلطة الفلسطينية؟ ننصح السلطة الفلسطينية بأن تترك الاهتمام بهذه الأمور، وان تنصت بكل آذانها لصوت الشعب المحتج على الغلاء في رفح. فاحتجاجات رفح لم تكن ضد الغلاء انما كانت ضد الاحتكارات التي تديرها السلطة، والتي أدت الى الغلاء. هنا بيت الداء الذي يحتاج الى علاج، وليس في سرد أي مواطن فلسطيني لوقائع عذاب الاحتلال الاسرائيلي.