ككل عام، في اليوم الثاني من كانون الثاني يناير تعود بنا الذاكرة لما قرأناه في كتب التاريخ عما حدث في مثل هذا اليوم من عام 1492م 897 ه حين أُعلن عن نهاية الحكم العربي الاسلامي في شبه الجزيرة الايبيرية، تلك البلاد التي فتحها أجدادنا المسلمون بقيادة طارق بن زياد وموسى بن نصير سنة 711م 92 ه وسيطروا على غالبية مناطقها لفترات تتراوح من منطقة لأخرى وشيدوا فيها حضارة عظيمة شملت مختلف مناحي الحياة. ومرّ على تلك البلاد في ظل حكم المسلمين، فترات متقلبة بين الخسارة والربح ابتداء من فترة الفتح التي دامت ثلاث سنوات ومروراً بفترة الولاة والإمارة والطوائف والمرابطين والموحدين وانتهاءً بامارة غرناطة التي كان اول قادتها ابن الأحمر الذي ظهر في ظروف اندلسية صعبة جدا حين كانت الجيوش القشتالية الاسبانية سيطرت على عدة مدن اندلسية مهمة، ودفعه هذا الوضع الى الدعوة للمّ شمل المسلمين في الأندلس ولتأسيس امارته سنة 1238م 635ه قرب المغرب شمال افريقية. منذ تأسيس الامارة امر ابن الاحمر او الغالب بالله كما كان ملقباً، بتشييد قصبة الحمراء على تلة السبيكة الواقعة بالقرب من مدينة غرناطة وتابعه في هذا الاهتمام ابنه محمد الثاني ومن ثم احفاده اذ شيدوا القصور والقلاع والحمامات والأبهاء والصالات والحدائق وازدهرت في عهدهم العلوم والثقافة والزراعة والفنون. وعلى رغم المجد الذي حققوه، اضطروا في عهد ابو عبدالله الصغير، الى تسليم مفاتيح المدينة الى فرناندو وايزابيلا لينتهي الحكم الاسلامي في الأندلس، الذي كان سقوطه أليماً على العرب والمسلمين، حين بكاها اميرها الصغير عندما ألقى آخر نظرة عليها من قصر الحمراء العظيم ولم تجامله والدته في ذلك، بل تقدمت اليه قائلة: إبك مثل النساء مُلكاً مضاعاً/ لم تحافظ عليه مثل الرجال. وعلى رغم مرور خمسة قرون ونيف على تلك المأساة، نتذكر اليوم الذي انتهت فيه فترة مهمة من نشر حضارتنا العريقة ونمسك الأقلام ونبدأ بالكلام وتنظيم الجمل لترجمة ما ينتابنا من حزنٍ وأسى لتلك الفاجعة ويشاركنا في ذلك كثير من المستشرقين والمستعربين المحبين لنا ولعاداتنا ولتقاليدنا وبعض المخلصين في العالم الذين لم يتوانوا لحظة واحدة في التعبير عن آرائهم المتأثرة لوقف امتداد تلك الحضارة التي اصبحت مجرد اطياف من احلامنا. في هذا اليوم، يجب علينا كعرب ومسلمين ان نراجع مواقفنا وان نفصل بين الحقيقة والوهم، وبين الصواب والخطأ، وبين العلم والجهل وبين اخذ العبر من الماضي واليأس من المستقبل، كي نثبت للعالم اننا قادرون على صنع الأمجاد كما صنع اجدادنا من قبل. ولهذا يجب علينا جميعاً تنشئة اجيالنا تنشئة علمية صحيحة وتسليحها بالايمان والعزيمة حتى نستطيع احياء حضارتنا العظيمة الموجودة في وجداننا وعقولنا التي عجزت السنون عن اسقاطها وعجز الحكام الغربيون عن انكارها وعجز المغرضون الحاقدون في بعض بلدان العالم عن تشويهها او انكار فضل مبتكريها على الانسانية جمعاء.