دعوة ريتشارد هولبروك مندوب الولاياتالمتحدة لدى الأممالمتحدة، الحكومة الأندونيسية إلى تقديم من انتهكوا حقوق الإنسان إلى العدالة، تثير هنا في جاكارتا كثيراً من الجدل ومن الانتقادات وتتراوح بين مؤيد ومناهض وغير متحمس. حتى المؤيدون لهذا الاتجاه وجدوا أنفسهم في حرج باعتبار ان الدعوة غير بريئة وأنها تدخل في الشؤون الداخلية لأندونيسيا لا أكثر ولا أقل. ثم ان جانباً من المؤيدين للاتجاه غير متحمسين لأنهم يرون مثل كثيرين ان هذه القضية عندما تؤول إلى المحاكم قد لا تجني منها اندونيسيا إلا الإثارة والمتاعب في وقت تحتاج فيه البلاد، وبالتالي الحكومة، إلى فترة من الهدوء للتركيز على برامجها الجديدة للتغيير والاصلاح والتطوير. فالحكومة ليست في حاجة إلى اكتساب مزيد من الشعبية من خلال مثل هذه المحاكمات، وشعبيتها قائمة بما فيه الكفاية لفتح ملفات أهم. ومسألة حقوق الإنسان هذه في اندونيسيا ليست، في الواقع، جديدة، وإنما النظريات حولها تتعدد. وكانت اثيرت بإلحاح منذ 1996 اثر محاكمات سياسية أجراها النظام السابق، لا سيما محاكمة بعض زعماء الحزب الجمهوري الديموقراطي المنسوب إلى الحزب الشيوعي الأندونيسي. وكان المتهم الأول رئيس الحزب نفسه بوديمان سوجاميكو 26 عاماً لأن هذا الحزب الصغير تجرأ على إصدار بيان شديد اللهجة يدين بشدة الممارسات القمعية للنظام والقوانين التي صدرت بشأن الانتخابات وخفض عدد الأحزاب المتنافسة إلى ثلاثة بدل حوالى 50 حزباً. كما دان البيان تمركز السلطة التنفيذية بين يدي الجنرال سوهارتو على مدى ثلاثين عاماً. هذه المحاكمة، ومثيلاتها، والتي مكنت الحكومة من تحقيق هدفها الأول، وهو تهدئة اللعبة السياسية وإسكات حركات المعارضة التي نشأت عام 1995، بانبعاث جماعات صغيرة، أججت قضية أخرى اسمها حقوق الإنسان ودفعت المعارضين إلى طرح أسئلة عدة حولها بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان في 10 كانون الأول ديسمبر 1996. وقد أصدرت يومها "الهيئة الأندونيسية لتضامن العالم الإسلامي" بياناً أشارت فيه إلى ان الدفاع عن حقوق الإنسان، كما يطرحه الغرب، غير موضوعي، إذ يعتمد مواقف ذات مقياسين ومكيالين، يجد فيهما المسلمون أنفسهم مضامين لأن الغرب يخدم، من خلال حقوق الإنسان، أهدافه ويناصر مصالحه، خصوصاً مصالح المسيحيين. وفي هذا الصدد، قال الدكتور يسر مهندرا، وكان وقتها مدرساً للحقوق في جامعة اندونيسيا، وهو اليوم وزير العدل في حكومة الرئيس عبدالرحمن وحيد: "ليس نادراً أن تثير دولة أو جماعة سياسية قضية ما لحقوق الإنسان ليس على قاعدة العدالة والتضامن الكوني الإنساني ولكن بحسب ما تمليه مصالح ايديولوجية، سياسية، اقتصادية خاصة". وفي هذا الاتجاه كانت تقوم وقتها أمثلة عدة كتنديد الأميركيين بالعسكريين في بورما لأنهم يضطهدون زعيمة المعارضة اونغ سان شوتشي، ولكن الأميركيين انفسهم يلزمون الصمت حيال تايلاند عند خرقها لحقوق الإنسان ضد الباتانيين. كذلك فإن حكومات ومؤسسات في هولندا والمانيا وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية تثير بحرارة مسألة حقوق الإنسان في افريقيا وآسيا، لكنها لا تكترث بالممارسات العنصرية التي تحدث في بلدانها ضد العمال المهاجرين. والأمثلة من هذا النوع ما تزال إلى اليوم كثيرة والعالم يقتحم قرناً جديداً بنظام جديد هو العولمة، حيث التركيز على حقوق الإنسان في كل مكان. وما يقلق الأندونيسيين في الحكم أو في المعارضة هو هذا الموقف الغربي ذو الميكيالين، موقف هو إذاً قليل النزاهة يستند إلى مصالح غربية.