تؤدي مؤسسة "الفرقان للتراث الاسلامي" دوراً ريادياً في التعامل مع التراث المخطوط، ومعرفته، وحصر مراكزه، وفهم مركباته المادية، تيسيراً للصيانة والحفظ، وحرصاً على التوعية به والتعريف بالجديد من محتوياته، خدمة للمعرفة الانسانية، ووصلاً لحلقاتها. وتعمل على توثيق ما لم يتناوله التوثيق، لذلك أصدرت وتصدر مجموعة من الفهارس الجامعة والحافظة لأسماء هذا التراث. وجاءت مؤتمراتها الثلاثة الاولى الاعوام 91 و93و 95 إثراءً لهذه القضايا، وتعميقاً لمحتواها، وترسيخاً لعلم المخطوط الاسلامي. وقد شارك فيها نخبة من المختصين من انحاء العالم. ورأت المؤسسة ان تتجه لتمهيد الصعوبات المُعوقة لنشر التراث الاسلامي العلمي، والتعامل معه، فحددت للمؤتمر الرابع الذي انعقد في لندن 1997 ان يعالج مخطوطات التراث العلمي، مقتصراً منها على الرياضيات والفلك والطب. فجرى تقديم اشكالات التحقيق ومنهجية التعامل الدقيق مع الصيغ المختلفة للنص الواحد، ووسائل ضبط المصطلح، وتحديد محتواه. وشكل هذا المؤتمر اعادة اعتبار للتراث العلمي الذي لا يستطيعه الا الأكفاء المؤهلون الذين رسخت اقدامهم، وأجادوا القراءة والفهم والتوثيق والمقارنة واستخلاص النتائج. ومواصلة للخطة ذاتها في تناول فروع مهمة اخرى من هذا التراث العلمي، وحرصاً على تسجيل المخطوط بوعي وبصيرة وعلم، رأت "الفرقان" ان تواصل تعميقها لهذا الاتجاه، فاختارت ان يكون مؤتمرها الخامس امتداداً للمؤتمر الرابع، تنهج به النهج نفسه. واختارت له مجالات علمية اخرى، لها صعوباتها واشكالاتها القائمة التي تتصل بكوديكوليجيا المخطوط العلمي ومناهج تحقيقه ونشر، ودراسة التجارب المتقدمة التي عاناها كبار الرواد. والمحاور المخصصة للدورة الخامسة، التي ستعقد في لندن يومي الاربعاء والخميس 24 و25 الشهر الحالي، هي: 1 - الجغرافيا بَكَّر الاستشراق بنشر اهم مصادر الجغرافية العربية الاسلامية التي قدمت أدق المعلومات عن عمران العالم العربي والاسلامي القديم، وتبعهم في ذلك بعض علماء العرب. وكان من اهم واكبر واحدث ما نشر: "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" للإدريسي، و"الروض المعطار" للحِميْرَي، وكلاهما يضع مشاكل لم تحلّ بعد، مشاكل التعامل مع تحديد المدن المندرسة وضبط اسمائها، وتوثيق المسالك ومتابعتها، واستخلاص الإفادات، والتنبه لأزمنة تسجلها من خلال النصوص المتراكبة زمنياً، والتفريق بين مناهج تصنيف هذا العلم ومعرفة مصادر كل نوع، من الجغرافيا الوصفية واللغوية والرياضية واليونانية. وكلها مدارس لها خصوصياتها الدقيقة، وتحتاج الى اعادة النظر في بلورة المبادئ التي تساعد في تفهمها ليفيد منها جيل البحث الناشئ. 2 - علم النبات لاقى علم النبات اكبر اهتمام عند العرب، وقد عني به قبلهم اليونان، ولكن كان ذلك ضمن اهتمامهم بالفلسفة او بالزراعة والفلك. وعني به العرب من حيث هو مبحث لغوي ابو حنيفة الدنيوري او مبحث فلاحي ابن وحشية، وابن العوام، وابن بَصّال. ثم استقل عندهم مبحثاً علمياً قائماً بذاته مع أبي العباس احمد بن الرومية النباتي الذي وصف نباتات بلاد العرب وصفاً علمياً صرفاً من دون اهتمام بالمنافع او الفوائد الزراعية، واهتم بها ايضاً في شرحه لكتاب دسقوريدس المقالات الخمس. ويمكن القول ان العرب انشأوا في تاريخ العلم مبحث علم النبات. ومع ذلك فان هذا الفرع المهم المتشابك مع علوم واستعمالات اخرى بحاجة الى توضيح المنهجية المناسبة لتناول تُراثه المخطوط، والتعامل معه، والإلمام بالتجارب الريّادية التي تناولته. 3 - الكيمياء بقي تراث الكيمياء علماً يختزن كل التجارب العلمية التي تلقاها العالم الاسلامي من الأمم القديمة وأضاف اليها. وهو علم يحاط بغموض المصطلح والرموز، وتقف وراءه معارف متداخلة لا يزال امرها مبهماً. لقد نشرت بعض الاعمال المحددة عدداً وكمّاً ولكن ارتياد هذا الفرع محاط بصعوبات لا تنتهي. والهدف من عرض هذا الموضوع إبراز منهجية ميسرة مستفيدة مما سبق نشره في العربية وغيرها، وتصنيف الصعوبات وطرق تجاوزها، للوصول الى منهج تقديم هذا الفرع العلمي المهم الذي يقف مجهولاً وراء الكثير من المنجزات، ولا يشار الى ذلك. 4 - الأحجار بعد الخوض في بحوث "الآثار العلوية" التي تفسر ظواهر الكون ونشأة بعض المعادن، ونقل تراث اليونان الذي تناول موضوع الأحجار، اقتضت تطورات ظروف الحياة المدنية ورفاهة الحضارة ان يولي المسلمون موضوع "الأحجار" اهتماماً خاصاً اتجه لمعرفة خواصها ومنافعها وألوانها وصلادتها ونظام تبلورها. ويحتاج هذا الفرع العلمي الى وقفة يُقدمها المتخصصون للتعريف بالمنهجية الناجعة وتطبيقها على اعداد ونشر النصوص التاريخية الخاصة بهذا المجال.