تنتمي السيدة وصال فرحة الى أسرة ذات دور في التاريخ السوري الحديث، اذ ترك والدها سلك الدرك العثماني ليرافق سنتي حكم الملك فيصل بين 1918 و1920، ثم لينضم الى الثوار في نضالهم ضد الاحتلال الفرنسي. كما ان والدتها اعتُقلت بعد مهاجمتها سيارة الجنرال الفرنسي غورو في شوارع دمشق. وهي تفخر بأنها كانت من اوائل النساء اللواتي اعتقلن لمشاركتهن في تظاهرات ضد حكم الجنرال حسني الزعيم في انقلابه العسكري بعد نكبة فلسطين العام 1948. عندما تزوجت من زعيم الحزب الشيوعي الراحل خالد بكداش، عاشت أخطار العمل السياسي وضرورات العمل السري بتوزيع المنشورات ضد الحكم العسكري الذي توالى سنوات عدة على سورية... وصولاً الى انضمام الحزب الى "الجبهة الوطنية التقدمية" العام 1972 بعد سنتين من تسلم الرئيس حافظ الاسد السلطة. بعد رحيل "شيخ الشيوعيين العرب"، وجدت السيدة وصال نفسها في قيادة الحزب الشيوعي، ما طرح أمامها تحديات وأثار تساؤلات عدة: هل هو حزب عائلة بكداش؟ هل هي وراثة؟ ماذا قدمت كامرأة الى الحزب الشيوعي؟ ماذا يعني ان تكون امرأة رئيسة حزب في مجتمع محافظ؟ حملت "الحياة" هذه الاسئلة وغيرها الى "أم عمار". وهنا نص الحديث: ترأسين الحزب الشيوعي في مجتمع محافظ يغلب عليه الطابع الرجولي. كيف استطعت التوفيق بين الامرين؟ - ان مفهومي المحافظ والمتحرر نسبيان. هناك من يظن ان تحرر المرأة هي ان تجتاز كل القيود، لكنني أرى ان تحررها هو في ان تكون عضواً فاعلاً في المجتمع، اي ان تكون بنت شعبها تحمل همومه وتناضل من اجل تحسين اوضاعه. ان الدستور السوري يساوي بين المرأة والرجل. كما ان الحزب الشيوعي عمل وناضل من اجل المساواة في الحقوق والواجبات. قيل ان اختيارك أميناً عاماً للحزب حصل لأنك زوجة الراحل خالد بكداش؟ - في سؤالك هذا تمييز شديد ضد المرأة. ان اختيار اي رجل او اي امرأة لمسؤولية ما يجب ان يكون على اساس الكفاءة. في حزبنا يُؤخذ الماضي النضالي في الاعتبار. ومع اني لا احصر الامر في حالة شخصية او فردية أقول: هل يجب ان يستبعد شخص، رجل او امرأة، من مسؤولية ما فقط لأنه قريب هذا المسؤول او ذاك؟... أما بالنسبة لي شخصياً، فقد انتسبت الى الحزب الشيوعي منذ ان كان عمري خمسة عشر عاماً اي حينما كنت في مرحلة الدراسة الاعدادية في مدرسة تجهيز البنات وقد شاركت في معظم معارك الحزب وسُجنت مرتين. كان هناك منافسون على زعامة الحزب؟ - كان هناك منافس واحد هو الرفيق القديم في الحزب السيد عبدالوهاب رشوان. وعندنا في الحزب الشيوعي تجرى الانتخابات على كافة الدرجات باقتراع سري. اذ عقد المؤتمر في 1995 غداة وفاة خالد بكداش الامين العام للحزب وكنت مثقلة بالهموم ولم أفكر ان ارشح نفسي. الرفاق رشحوني واصروا على ذلك ونجحت في هذا الاقتراع . الامين العام السابق هو بكداش وانت الحالية وابنك الدكتور عمار عضو في المكتب السياسي، هل هذا حزب أسرة بكداش؟ - نفخر ان يكون حزب بكداش من حيث مدرسته الفكرية. لماذا لا يعتبرون مذمة او نقيصة او ناحية سلبية ان يقال فلان ناصري؟ ثلاثة بين عشرات الألوف هل يشكلون حزباً؟ يوجد الآن اثنان فقط من آل بكداش: انا وعمار. وابني انتخب ايضاً في نفس الدورة. وهو ايضاً يناضل في صفوف الحزب منذ ان عهد النضال السري، ولم يخرج الى العلن الا في ظروف خاصة، ثم درس وحاز الدكتوراة في العلوم الاقتصادية. الغريب هو ان لا يكون عمار شيوعياً. هل هي وراثة؟ - هي وراثة من حيث العذاب وتقديم التضحيات. عندما أصبحت أميناً عاماً للحزب، اين ركزت جهودك، وماذا اضفت كامرأة؟ - من حيث كوني امرأة حرصت على التعامل الديموقراطي في الحزب، والا يظلم احد وان يتحلى الجميع بالروح الثورية لأن دون هذه الروح الاخوية بين افراد الحزب لا يمكن تحمل الحياة الصعبة للمناضل. وعملت ايضاً جاهدة كي نلاحق ايقاع الزمن المتسارع مع التمسك بالمبادئ الاساسية لفكرنا. هل يمكن القول ان المرحلة السابقة كانت تمتاز بأبوية بكداش وفي السنوات الثلاث السابقة بأمومة وصال فرحة؟ - هذه تعابير صحافية. ان هذا الكلام هو مديح لنا اذ اننا نقدر ونحترم جميع الشيوعيين والثوريين والمخلصين داخل الحزب. لكن لا احد يقبل بأن يكون مسلوب الفكر والارادة. والذي يدخل الى الحزب الشيوعي لا يقبل بالقمع داخل الحزب؟ لكن الراحل كان مركزياً في الحزب؟ - انها دعايات ضد فكر خالد بكداش. هو لم يكن اميناً عاماً لحزب سري فقط بل امتاز عن غيره بكثرة اصداراته الفكرية، وكتبه في متناول الجميع. والجميع يمكن ان يحكم على هذه الكتب... ويقول كثيرون ان بكداش كان حريصاً على اللعبة الديموقراطية حين كان نائباً عن الشيوعيين في مجلس 1954 و1973 في البرلمان. ان الحملة على بكداش تعود الى كونه نبّه، وفي وقت مبكر، لخطر الصهيونية على الاحزاب والانظمة الاشتراكية وليس على حركة التحرر الوطني العربية فقط. ان كون خالد بكداش وجهاً سياسياً مرموقاً عربياً وعالمياً يعرضه بالتأكيد للهجوم والانتقاد. ماذا عنك كنائبة؟ - انتخبت في العام 1985، وكانت قبلي في المجلس امرأة اسمها نجاح سعادة. اما انا فأعتبر ان مهمتي الوطنية انتقلت من منبر الى منبر آخر، لأنني كنت عضو مجلس ومرشحة لمكتب الاتحاد النسائي العالمي، وكنت أعكس قضايا بلادنا على المنابر الدولية، وفي العهود السرية كنت أوزّع نشرات وجرائد الحزب تحت جنح الظلام. في اي فترة؟ - في فترة حكم حسني الزعيم. سرت في مظاهرة ضد الزعيم ونادينا بسقوط الانتخابات المزيفة وبضرورة الافراج عن السجناء. كانت السجون تغص بالمناضلين من كافة الاحزاب في عهده، وقدت مظاهرة من سرايا الحكومة في ساحة المرجة حتى ساحة عرنوس، وأذكر اني ألقيت وقتذاك أول خطاب سياسي لي امام البرلمان. في العام 1949؟ - نعم، اذ سارت هذه المظاهرة الى ساحة عرنوس وهناك اعتقلوا أربعين امرأة. اطلق سراح معظمهن، وبقيت أربع، وأخذونا الى سجن المزة. وهذه المظاهرة النسائية الهبت نفوس كثيرين من المناضلين كما حدثني عن ذلك المحامي رياض المالكي الذي اخبرني انه تابع المظاهرة بسيارته من بدايتها حتى نهايتها. وعرفنا في ما بعد ان الزعيم اعطى الامر باطلاق الرصاص على التظاهرة النسائية لكن الضباط رفضوا تنفيذ هذا الامر واجتمعوا وحكموا عليه، وكانت هذه، اضافة الى اسباب اخرى، سبباً في نهايته. ماذا عن تجربة امرأة سياسية في السجن؟ - كنت انظم وفود احتجاج ومظاهرات مع غيري من الرفيقات. وأصدر حسني الزعيم مذكرة توقيف ضدي بتهمة توزيع النشرات الشيوعية في الليل. وفعلاً وزعناها انا ورفيقة اخرى اسمها عفاف ملا رسول، تركتْ العمل السياسي لأسباب عائلية... وكانت هذه المناشير تدعو الى مقاطعة الانتخابات المزيفة لحسني الزعيم وتنادي بسقوط الديكتاتورية... لم أبق سوى بضعة ايام. بعد دخولي السجن بثلاثة ايام قتل الزعيم تحت جدران السجن الذي كنا نحتجز فيه . وهكذا اطلق سراحنا، وأخبرني في ما بعد بعض أقربائنا الضباط ان حسني الزعيم كان أعطى أوامره باطلاق النار على التظاهرة النسائية، واجتمع ضباط الاركان وقالوا: هذا جنون. يريدنا ان نقتل النساء ونحن بلد شرقي. المرة الثانية التي اعتقلت فيها كانت في زمن سامي الحناوي حيث بقيت اسبوعاً، لكن لوحقت لفترات طويلة . كيف ترين دور المرأة سياسياً؟ - أثق بالمرأة في بلادي، لأنها تملك تاريخاً طويلاً من النضال، فقد شاركت المرأة في الثورة السورية. أمي، بدرية رسول مية، اعتقلت عام 1922 من قبل الفرنسيين. اذ انها شاركت في تظاهرة نسائية تطالب بالافراج عن المعتقلين السياسيين، وكانت أمي في هذه التظاهرة وهجمت على سيارة الجنرال الفرنسي غورو المكشوفة لتقدم له العريضة وتواقيع الاحتجاج وطلب اطلاق سراح المعتقلين ومنهم والدي، فظنوا أنها جاءت لتغتاله فاعتقلوها. في حينه كانت مصيبة كبيرة ان تعتقل امرأة في بلد محافظ. وهبّت دمشق جميعها تنادي بإطلاق سراحها. كما ان والدي شارك في الثورة السورية ونُفي الى الاناضول في زمن العثمانيين وبقي فترة عامين الى ان زال الاحتلال التركي. كان عُين في سلك الدرك لكنه ترك هذا السلك والتحق هو وجنوده بالثوار عام 1925، وشارك في الثورة السورية، وكان بيتنا مركزاً من مراكز الثورة. وتروي أمي ان رجال الثورة، وكان منهم حسن الخراط وعثمان حبشية وآخرون، يجتمعون في بيتنا. هل وصلت وراثة العمل السياسي الى بنتك؟ - لا، هي طبيبة عيون وغير سياسية. كرهت السياسة لكثرة ما تعذبتْ في حياتها لأنها هي الاكبر. كنت أمسك بيدها وننتقل من منزل الى آخر عندما كنتُ ملاحقة. تعذبتْ وشاهدت ْعذابنا لذلك لم تنتسب الى أي حزب اطلاقاً ولها اهتمامات اخرى مثل طب الاعشاب والمسرح والفنون والرسم والرقص الكلاسيكي. وهي تقول: اكره الحزبية. ما تفسيرك لزيادة عدد النائبات في البرلمان السوري؟ - لأن المرأة اثبتت جدارتها كما صرح بذلك الرئىس حافظ الاسد. بالفعل من خلال عملي لثلاث دورات متتالية في مجلس الشعب، لاحظت ان زميلات فرضن وجودهن وكن يبحثن في الامور بشكل معمق، ونلن احترام الكثير من زملائهن وزميلاتهن. واشعر بالاعتزاز عندما اقول ان نسبة النساء في البرلمان السوري هي 10 في المئة من اصل 250 نائباً، وهي تفوق نسبتهن في البرلمان الفرنسي مثلا، ونطمح الى زيادة العدد مع كل دور جديد. وهذا يعكس مساهمة المرأة في الحياة العامة والتنمية. يقال ان سورية متقدمة لأن فيها وزيرات وعضوات في مجلس الشعب. هذا دليل، لكن ليس كل الأدلة. الدليل الأكبر هو عدد النساء في عملية التنمية حيث تشعر المرأة انها فرد ومواطن منتج. ان استقلال المرأة الاقتصادي يؤدي الى استقلالها الشخصي كما يقول ماركس. وعندما تشعر المرأة باستقلالها الاقتصادي تشعر انها مواطنة حقيقية. معظم الناشطات سياسياً في العالم هن من دول آسيوية، لماذا؟ - للمرأة في آسيا احترام في القلوب قد لا يكون ظاهراً. والمرأة في آسيا تخوض نضالات تحتاج الى صبر وصمود. انا ضد من يقول ان المرأة مُفضّلة على الرجل او الرجل مُفضّل على المرأة، لكن السبب هو ان دول آسيا تخوض نضالات وطنية لم تستكمل تطورها بشكل كاف. وطالما ان المرأة تشعر بعذابات شعبها وبؤس أطفاله فإن ذلك دليل الى كفاءتها في تحمل المسؤوليات على قدم المساواة مع الرجل. أين ترين مستقبل "الحزب الشيوعي السوري" بعد انهياره في الاتحاد السوفياتي؟ - انا متفائلة بمستقبل الحركة الشيوعية والاشتراكية في العالم. ان هذه الردة وهذا الانكسار الذي تعاني منه روسيا لن يكون نهاية التاريخ بل سيكون عاملاً للنهوض من جديد بشكل أحسن وتفادي الاخطاء واليقظة. هل انت متفائلة على الصعيد الحزبي السوري؟ - طبعاً انا متفائلة، الحزب الشيوعي السوري كأي حزب ثوري آخر هو ضرورة موضوعية وهو نتيجة لتطور تدريجي لحركة النهضة العربية. لا نقول نحن البديل لكل الحركات الاخرى لكننا أحد الروافد الموجودة على ارض هذا الوطن. انني واثقة باستمرار وجود الحزب الشيوعي السوري... هل هناك محاولات او مساعٍ للتوحد مع جناح يوسف فيصل؟ - ان الشعب السوري والحزب الشيوعي سيجدان ويخلقان حزبهما الشيوعي الوحيد الموحد. والتقارب ليس كمياً بل كيفي، وعند المنعطفات الكبيرة يحصل خلاف في تفسير هذه الظاهرات الجديدة ويؤدي الى انقسام. لسنا الحزب الوحيد الذي عانى من هذه الانقسامات. ولكن الانقسام خير من وحدة مصطنعة تكون على حساب المبادئ وضبابية الرؤية لأن ذلك سيؤدي الى انقسام جديد. بعد رحلة خمسين سنة في العمل السياسي، ماذا تتوقعين من شابات القرن الواحد والعشرين؟ - يجب ان يصنعن غدهن بأيديهن. اقول لهن: نسلمكم الراية ناصعة نظيفة فاحرصوا على حملها بيضاء وارفعوا راية الوطن والشعب. اقول ان عمل المرأة الاقتصادي يحررها من كافة التبعيات والمرأة لا تتحرر إلا في مجتمع حر.