كان صديقي في مطار الكويت عائداً من سفر، اذ لاحظ ان جميع الركاب القادمين من دول مختلفة، وخصوصاً الشباب، يتميز زيهم بوحدة تكاد تكون متطابقة، فالانكليزي والهندي والكويتي والخليجي والعربي المشرقي والمغربي، والماليزي والصيني والروسي، يرتدون جميعاً الجينز والحذاء الرياضي، ويتفقون حتى في تصفيفة الشعر، بل يتشابه في ذلك الشباب والشابات. ولم يكن صديقي مستاء من مظهر هذه العولمة الواضحة، بل كان يتساءل عن مصير الهوية والخصوصية. وفي ظني ان هناك خصوصية لكل شعب، لكنها لا تعني خصوصية ازلية من ناحية، ولا تعني امتيازاً من ناحية اخرى، بل هي تاريخية، متطورة تغتني باستمرار. والخصوصية التي تشكل الهوية، تعتبر غير ثابتة عبر التاريخ لأنها مجمل المكتسبات المادية والروحية والأفكار والقيم والعادات في لحظة تاريخية محددة، فلكل زمن هويته الخاصة التي تعبر عن افكاره وقيمه وأعرافه. وهوية المجتمعات الآن ليست معزولة عن هويتها في مراحل سابقة، او عما حولها من هويات العالم المتنوع الخصوصيات، والذي يغتني بالتنوع المتعدد للخصوصيات والابداع البشري، والعقول المفتوحة. فهل الزي شبه الموحد للشباب في عالمنا اليوم يعتبر ظاهرة غريبة، او هو مهدد للخصوصيات؟ بالطبع لا، فلا يوجد خطر على هوية او خصوصية شعب مثل الجمود والسلبية، او التعامل معها بسلفية قدسية، ولا حياة لخصوصية الا بقدرتها على الانفتاح الذي يغنيها ويطورها، وبمقدار الجهد الانساني المبذول فيها. وذكرت صديقي بأن بعض المثقفين الكويتيين كانوا يلبسون البنطال في خمسينات وستينات هذا القرن، بل ان لوائح وزارة التربية وبعض المؤسسات الرسمية الاخرى، مثل قطاع المهندسين وعمال النفط ووزارة الداخلية والدفاع ايضاً ووزارة الصحة وغيرها، تفرض لبس البنطال اثناء الدوام الرسمي، لاعتبارات عملية. وهذا بالطبع لم يقلل من قيمة خصوصية الملابس التقليدية التي خلقتها ظروف واعتبارات خاصة بالزمان والمكان، اضافة الى تراكم قيم مصاحبة. فمثلا، خصوصية المباني الكويتية القديمة - ولم تكن هندسة معمارية كويتية بحتة - التي بنيت من الطين، واتخذت واجهاتها اتجاهات معينة، محاولة للتغلب على قساوة الطقس، او لقلة الامكانات، لم يعد لها مبرر مع اساليب البناء الحديثة القوية، او وسائل التكييف والتدفئة الحديثة، وحتماً لم تكن تلك الأبنية ابداعاً كويتيا خاصاً… ان احد اهم اسباب التطور البشري هو الاتصال، والاستفادة من منجزات وخبرات الحضارات المختلفة، وتفاعلها، الذي كان في الماضي يستغرق عقوداً وقروناً طويلة، بسبب صعوبات الاتصال ومقدار الجهود المبذولة في الترجمة والنقل وأساليبها... الخ. ماذا نقول اليوم مع انتشار تقنية الانترنت، حيث يستطيع الانسان معرفة آخر الانجازات خلال ساعات من نشرها، كما يستطيع الدخول تقريباً الى جميع اسواق العالم وشراء البضائع التي يرغب، او يضارب بالأسواق المالية البعيدة آلاف الاميال في البلدان الاخرى، وبوسائل دولية متعارف عليها، مهما تكن العملة المتداولة في البلدان المختلفة. الجزع والسلبية والتقوقع، لن تفيدنا، ولن تخدم خصوصيتنا، ولكن ذلك سيترك لنا في المستقبل خصوصية التخلف والاشكاليات العصية الحل. * كاتب كويتي.