يعيد رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك، بإصراره على ان يقرر هو وحكومته المناطق التي تعيد قوات الاحتلال الاسرائيلي انتشارها خارجها في الضفة الغربية السياسة الاسرائيلية تجاه فلسطين وفي اراضيها، الى منابعها ومرتكزاتها الصهيونية الاستيطانية الاولى التي رضعت من مفاهيم الاستعمار الاستيطاني الغربي وتراثه قبل اواخر القرن التاسع عشر وبعد ذلك. ويتبنى باراك هذه السياسات كأنما الدنيا لم تتغير، متجاهلاً ان الاستعمار في مختلف مناطق العالم، باستثناء فلسطين، تمت تصفيته، ويحاول ان يخترع تفسيراً جديداً لقرار مجلس الأمن 242 منافياً لمفاهيم المجتمع الدولي والقوانين التي تحكم اعضاءه. وللاستعمار الاستيطاني امثلة كثيرة في التاريخ الحديث منها مثال جنوب افريقيا، ومثال ايرلندا حيث طرد المستعمرون المستوطنون سكان البلدين الاصليين الى خارج الأراضي الخصبة وتركوا لهم الأراضي الصحراوية والوعرة المجدبة. يحاول باراك برفضه الأحد الماضي في اجتماعه مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات تعديل، خرائط اعادة الانتشار من 5 في المئة من مساحة الضفة الغربية ان يفرض اجندته بطريقة تتفق مع لاءاته التي لا يمل تكرارها بخصوص المطالب الفلسطينية المشروعة. وغرضه واضح: انه يريد ابتلاع اجزاء واسعة من الضفة الغربية اضافة الى بسط السيادة الاسرائيلية على الكتل الاستيطانية الضخمة التي تحول بعضها مدناً كبيرة، ويريد للمناطق الفلسطينية المتبقية ان تبقى اشبه بمعازل سكانية متباعدة لا يربط بينها اتصال جغرافي، ويريد بقاء القدس موحدة بشطريها الغربي والشرقي عاصمة لاسرائيل. فأي شريك سلام هذا؟ في المقابل يصر الفلسطينيون وقد دخلوا الآن في مفاوضات الوضع النهائي وفق جدول زمني قصير الأجل يشمل اصعب مواضيع القضية الفلسطينية، على ان الهدف من المفاوضات هو تطبيق القرارين 242 و338. ومن الملفت ان السيد محمود عباس ابو مازن امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صرح امس في ابو ظبي بأن القيادة الفلسطينية لن تقبل "دولة منقوصة السيادة" وان المفاوض الفلسطيني "يتحدث حول طاولة المفاوضات عن دولة فلسطينية مستقلة، والاستقلال يعني السيادة، والسيادة تعني السيطرة على الارض والجو والحدود". وقد أكد "ابو مازن" ايضاً ان "القدسالشرقية ستكون عاصمة الفلسطينيين. ولا نلقي بالاً لما تقوله اسرائيل والاعلام الغربي ومن ورائها الاعلام العربي عن تنازل الفلسطينيين عن القدس والقبول بقرية ابو ديس عاصمة للدولة الفلسطينية". ان هذا الوضوح في التمسك بالحقوق الفلسطينية المشروعة دولياً يعزز الثقة بالقيادة الفلسطينية لكنه وضوح مطلوب ايضاً لغرض مهم آخر، هو عرض البون الشاسع بين المواقف الفلسطينية المستندة الى قرارات الأممالمتحدة وارادة المجتمع الدولي والمواقف الاسرائيلية التي ما زالت تجسد مطامع استعمارية بالية ولكنها شرسة، وتجد مع الأسف، من يدعمها في العالم العربي وبعض الدول الاسلامية. وفي هذا المجال يجب ان يبذل الفلسطينيون بمساندة عربية فعلية اقصى جهودهم لكبح "الفتوحات" الديبلوماسية الاسرائيلية والتدليس الاسرائيلي على بعض الدول الضعيفة اقتصادياً او التي تهددها اضطرابات تستغلها السياستان الاميركية والاسرائيلية لاقامة صلات مع اسرائيل كأنما هي صانعة سلام لا غاصبة اراض عربية بقوة الاحتلال التوسعي. ويجب ان نسمي الأمور بأسمائها الحقيقية، وان نتأمل في رحلة السيدة الاميركية الاولى الى اسرائيل ومدينة رام اللهالفلسطينية… لماذا جاءت؟ ولماذا غضبت عليها منظمات يهودية اميركية عندما لم تتصد فوراً لكلمات قرينة الرئيس الفلسطيني امامها. ويجب ان نسأل: لماذا موريتانيا؟ ما دور وزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت في ذلك؟ والمكاتب "التجارية" الاسرائيلية هنا وهناك في عواصم عربية… لماذا بينما سورية لم تسترد ارضها ولبنان لم يسترد بعض جنوبه. وملايين اللاجئين الفلسطينيين في المنافي منذ نصف قرن من الزمن؟ يا للعيب