ما العلاقة بين فضيحة مونيكا لوينسكي والجزائر؟ لا شيء. إنه جواب متسرع بعض الشيء. يذهب عدد من دارسي تطور الحالة الإعلامية في العالم إلى أن القضية التي هزت الولاياتالمتحدة هي "معمودية النار" للإعلام الالكتروني مثلما كانت حرب فيتنام للتلفزيون وحرب الخليج ل"سي ان ان". ويؤرخون لذلك بأنه في اليوم الذي سارعت "نيوزويك" إلى نشر تحقيقها الأول عن القضية عبر موقعها على "انترنت" ومن دون انتظار "الطبعة الورقية" واستباقاً لما يعتزم مات درادج القيام به، في ذلك اليوم، بالضبط، بزغت وسيلة إعلامية جديدة تأخذ في الاعتبار الثورة الهائلة في الاتصالات. وجاءت الأيام اللاحقة لتضفي صدقية على هذا الانطباع، إذ تحولت المجلتان الالكترونيتان "سلايت" Slate و"صالون" Salon إلى المرجع الأول لمتابعة الفضيحة التي شغلت أميركا والعالم وشهدت تطوراً دراماتيكياً بإدخال تقرير المحقق كينيث ستار إلى كل بيت موصول بالشبكة. حسناً، ولكن ما علاقة ذلك بالجزائر؟ الجواب بسيط. لقد خطا زملاء جزائريون الخطوة الأولى نحو نقل تقليد الصحافة الالكترونية إلى العالم العربي. ليست الصحافة كموقع لجريدة أو لحزب أو لدولة أو حتى للشيخ يوسف القرضاوي. كلا. المقصود هو أنهم استحدثوا موقعاً لمجلة "تصدر" مرتين في الشهر من دون أن تكون مطبوعة أو موزعة أو مبيعة في الأكشاك. إنها المجلة "العربية" الأولى الموجودة حصراً على "انترنت". عربية ولكنها بالفرنسية والانكليزية. ولذا فعلى من يهتم بأخبار الجزائر أن يعتاد على هذا العنوان: www.algeria.interface.com يقول الزميل رئيس التحرير جمال بن رمضان، المقيم في فرنسا، إن القصد تأمين شفافية أكبر حول الوضع الجزائري، ليس هدفه تحدي الرقابة ولكن رغبة التمتع بحرية أكبر موجودة. ولذلك فإن المقالات لن تكون موقعة لأنها قد تتضمن معلومات غير قابلة للنشر في البلد المعني. العاملون في "الجيريا" صحافيون محترفون يقيم معظمهم عشرة في الجزائر نفسها. وقد أمكن تدبر التمويل اللازم بمساعدة ديبلوماسي سويدي مهتم بالمغرب العربي، رولف غوفين، ومن جانب "الوكالة السويدية لمساعدة التنمية" ومركز أولف بالمه. ولعل هذه الجهة الممولة تساعد في تخفيف انتقادات محتملة ستشير إلى وجود أيد خفية تريد الاساءة للجزائر وتلعب دور "حزب فرنسا" أو ما شابه. تتضمن الصفحة الأولى من "الجيريا" افتتاحية وأخباراً. ثم تنقسم المجلة، بعد ذلك إلى أبواب: سياسة، اقتصاد، بروفيل... الخ، المقالات قصيرة ودقيقة وتتضمن كماً من المعطيات التي تهم أي متابع، ويمكن القول، من زميل إلى زملاء، إن العدد الأول يغري بالقراءة وإن كان يستدعي ملاحظات. فالمقالات السياسية عن قانون الوئام المدني، وملف المفقودين، والمصالحة ذات وجهة انتقادية للحكم، في حين ان التنويع كان ممكناً وبشكل يغطي المسرح السياسي كله. والمقالات الاقتصادية ذات هم مغاربي شامل ولكنها أقرب ما تكون إلى تعليقات سريعة على جداول احصائية. أما "البروفيلات" تسعة فتشبه بطاقات التعريف الشخصية. صحيح انها تلقي ضوءاً على شخصيات نافذة وعلى أخرى مغمورة، وخارجة إلى التأثير حديثاً ولكن المستحسن، ربما، هو الاكتفاء باسمين أو ثلاثة والتوسع أكثر في رسم الملامح وتحديد الأدوار، خصوصاً ان ضباباً كثيفاً يحيط بلعبة الظلال هذه التي هي كناية عن صراعات القوى والنفوذ في قمة السلطة ومؤسساتها الأمنية والاقتصادية. إن نشر النص الحرفي لقانون الوئام يقدم خدمة مؤكدة، ولكن "ملف" العدد قابل لنوع من النقد الذي ينطبق على مقالات أخرى: لا يشفي غليلاً. ليست هذه دعوة إلى الإطالة. ولكن مجلة "تصدر" مرتين شهرياً مطالبة بما هو أكثر، خصوصاً أنها متحررة من القيود وغير حاسمة في أنها قد تضطر، يومياً، إلى التميز بأخبار أو المساعدة في كشف خلفيات وقائع وأحداث. طبعاً يمكن الذهاب أبعد للمطالبة ب"طبعة عربية"، ولكن المعنيين ب"الجيريا" ربما يكونون يفكرون في هذا الأمر. هل تؤشر المجلة الالكترونية الجزائرية إلى وجهة جديدة سيضطر العالم العربي إلى التعاطي معها آجلاً أو عاجلاً؟ السؤال مطروح بقوة. وربما هو مطروح في الدوائر المعنية بالرقابة والتي يتضح، يوماً بعد يوم، انها تخوض قتالاً تراجعياً. إن هذه السنونوة الواحدة لا تعني أن الربيع قد حل، ولكن لا بد من شكر الزملاء الجزائريين الذين اضاؤوا شمعة.