سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
من تدويل الرساميل والسلع إلى عولمة الإنتاج و"الثورة الصناعية الثالثة". العولمة المقلقة ... ترجح بين التنسيب والتوليف وبين انفراط العقود والأواصر 1 من 2
تبلغ الإحصاءات الإقتصادية مع العولمة، وفي إطارها، ذرى شاهقة يسابق بعضها بعضاً، ولا قياس لها في تجربة معظم الناس واختبارهم. ومن الجلي أن تعاظم الأرقام نفسه إنما مصدره وضع الإحصاء على تظاهرات العولمة، واستدعاء هذه التظاهرات أبواباً إحصائية لا سابق لها. فأرقام ندوة الأممالمتحدة للتجارة والنمو أذيع التقرير في 27 أيلول / سبتمبر تحصي مئة شركة أو منشأة كبيرة تبلغ قيمة موجوداتها ألف وثمانمائة بليون دولار أميركي، خارج بلدانها "الوطنية"، وقيمة مجمل أعمالها وعوائدها ألفي بليون ومئة بليون. وتنتبه الدول التي تذيع هذه الأرقام إلى "قيمتها" الإقتصادية، أي إلى تقدير ناتجها الداخلي، قياساً على الأرقام. فإذا بقيمة مجمل أعمال الشركات المئة الأولى وعوائدها، في أثناء عام 1998 الذي يتناوله إحصاء الندوة، تزيد عن الناتج الفرنسي في السنة نفسها ضعفاً ونصف الضعف. وفرنسا تنزل المرتبة الرابعة في المراتب الإقتصادية للدول. وتبلغ الأعمال والعوائد هذه ستة أضعاف ناتج بلد صناعي مثل المكسيك يبلغ عدد سكانه المئة مليون نسمة. ولكن الموجة الأولى من الأرقام، إذا اقتصر عليها، ضعيفة الدلالة، ولا تؤدي معنى إلا إبهار القارىء أو السامع، ومفاقمة حمل العولمة على الضخامة، والتهويل بمسوخها الشوهاء جراء ضخامتها. والحق ان الموجة الثانية، أو الطبقة الثانية، هي الأقوى دلالة على مباني العولمة وأحوالها. فتحت المئة شركة الأولى ستون ألف شركة "عابرة" للدول، ومشتركة فيما بينها. وتقود الستون ألف شركة المشتركة بين دول وبلدان متباعدة مكاناً، ما لا يقل عن خمسمئة ألف فرع أو وكالة عن الشركات الأم. وهذه المباني الوسيطة تسهم في الإنتاج العالمي بنحو ربعه، ويبلغ مجمل أعمالها وعوائدها الخارجية أحد عشر ألف بليون دولار تفوق بأربعة آلاف بليون دولار قيمة جملة الصادرات العالمية، في 1998. وتمييز الشركات الأم، أو الأمهات، من الوكالات أو الفروع الخارجية، مسألة تعصى الوضوح يوماً بعد يوم، وهي في صلب العولمة، وبمنزلة القلب من وصفها وفهمها. فثمة شركات تُنسب، هوية ومنشأ، إلى كندا أو السويد أو إلى سويسرا أو ألمانيا، بينما يبلغ مؤشر اشتراكها بين دول وبلدان متفرقة، غير البلد الأم المفترض، 6،97 في المئة، على ما هو حال شركة سيغرام الكندية للمشروبات، و يبلغ 7،95 في المئة، على ما هو حال الشركة السويدية والسويسرية للتجهيز الكهربائي آي.بي.بي، أو 7،82 في المئة في حال بايير الألمانية للكيمياء والصيدلة ونيستليه السويسرية 2،93 في المئة، يونيليفير الهولندية والبريطانية 2،93 في المئة، إيليكترولوكس السويدية 4،89 في المئة، وروش السويسرية 2،82 في المئة.... فماذا يبقى من معنى الهوية الوطنية، بله "القومية"، للمنشأة إذا اقتصرت حصة موجوداتها المتفرقة ببلد المنشأ على 4،2 في المئة، على ما هو حال سيغرام "الكندية"، أو إذا اقتصرت على 6،10 في المئة إيليكتروليكس السويدية أو 8،6 في المئة نيستليه، إلخ؟ وليست الحصص والشطور هذه إلا الصفحة الظاهرة لتوزيع، أو تنقيل على ما جرى القول في العقد الثامن، يطاول عوامل الإنتاج كلها، من رأس مال وأسهم ويد عاملة وخبرات ومعارف وتقسيم عمل على الإدارة والتخطيط والتسويق. التنقيل وتوزيع عوامل الإنتاج كلها على مجتمعات ودول مختلفة، صناعية قديمة أميركية وأوروبية، على ما هو معظم الحال أو صناعية ناشئة أو بلدان نامية في طور انتقالي، لا يحذو على مثال "تقسيم العمل العالمي"، أو "الدولي". فهذا كان يخصص بلدان المواد الخام بانتاج الخامات، والبلدان الزراعية بالمنتوجات الزراعية والصناعية المتوسطة بالسلع "نصف" المصنوعة، وهكذا دواليك. وأدى تقسيم العمل هذا، فيما أدى إليه، في صيغتيه الرأسمالية والإشتراكية - وسند الصيغتين ومسوغهما نظرية الميزات التفاضلية المقارنة، أي بعث التجارة الحرة المجتمعات على إنتاج السلع التي يسعها إنتاجها بأوفر تكلفة وخير مواصفات، وتركها ما عدا هذه السلع إلى غيرها من البلدان واستيرادها منها - أدى إلى إنهيار الصناعات الناشئة والمبتدئة، وقسر المجتمعات الزراعية وأهلها على قبول أسعار كفاف لقاء منتوجاتها. ولو كان الأمر، اليوم ومنذ نيف وثلاثة عقود، على مثال تقسيم العمل المعروف، لما طرأ على الرأسمالية ما طرأ عليها في العقود الأخيرة من أحوال مثل تغلغلها البعيد والعميق في مجتمعات وأقطار بقيت بمنأى منها، أو من غلبتها على إنتاجها، على رغم جوار مديد. فما يعود العهد به إلى عقود كثيرة هو نشأة جزر رأسمالية، صناعية أو زراعية أو مصرفية وتجارية، في وسط يغلب عليه التبادل البسيط والإنتاج لأغراض استهلاك كفاف. ولم تؤد غلبة التبادل النقدي على التداول، ولا أدى انقطاع معظم السكان من تحصيل معاشهم مباشرة ومن غير وسيط، إلى دخول المجتمعات التي غلب عليها التبادل، وانقطع معظم سكانها من تحصيل معاشهم مباشرة، دائرة الإنتاج الرأسمالي المتصل والمتماسك. فقامت هذه المجتمعات، أو معظمها، على المزج بين عناصر وعوامل مختلفة، وعلى الترجح القلق بين نزعات ومقتضيات اقتصادية واجتماعية متضاربة. ولعل الكلام، اليوم، على "عولمة الإنتاج" نفسه - من غير الإقتصار على تدويل وسائل التبادل، أو على تداول السلع، أو على البؤر المحصورة والمتصلة بالحواضر والمراكز، تمويلاً وتجهيزاً وتسويقاً - ، على ما يصنع تقرير الهيئة الدولية، إنما يثبت الإنتقال من تدويل دائرة دائرة التبادل إلى إعمال عوامل الرأسمالية، يداً عاملة قوة عمل ورأس مال وتقسيم عمل اجتماعي، في بنية المجتمعات القديمة والناشئة. وكان التنبه على هذا الإنتقال قبل نيف وعقدين من الزمن، على ما يسع قارىء كتاب شارل - ألبير ميشاليه "الرأسمالية العالمية" الطبعة الأولى، 1976 تحققه، ضرباً من الكشف. وكان على الباحث، يومها، الإلحاف في جمع السمات الجديدة، مثل "فظاعة" الأحجام المالية و"ترامي" أطراف السيولة والسرعة "الخاطفة" في التحويل و"كوسموبوليتية" مواضع الإنشاء و"رهافة" وسائل الإدارة والإتصال، لإقناع القراء بأن المنشأة المتعددة الجنسية ليست مرتبة من مراتب الكم والحجم وحدهما، بل هي طور مختلف من أطوار الإنتاج. وخَلَف هذا الطور، الإنتاجي، الصور التقليدية والكميةالعائدة إلى التبادل الدولي السلعي وإلى تداول الرساميل. ولكنه لم يقتصر على هذا الطور. فالطور العالمي، أو العولمة، هو رد جواب على أزمة ربحية رأس المال، الوفير، غداة ربع قرن على الحرب الثانية عمَّت فيه الفوردية من اسم صاحب مصانع فورد للسيارات: أجور مرتفعة " استهلاك جماهيري المجتمعات الصناعية كلها" وهو، من وجه آخر أكثر خفاءً وأبطأ ظهوراً، أداة تغيير المجتمعات غير الرأسمالية. وبدا إيجاب هذا التغيير وإثباته، على خلاف الذهاب إلى أزمة الربحية، انتهاكاً لمسلَّمة "تقدمية" و"نقدية" زعمت استحالة إقدام الرأسمالية على إخراج مجتمعات خصصتها التبعية في إنتاج المواد الأولية، وفي توفير اليد العاملة الرخيصة، المقيمة والمهاجرة، من حال العالة إلى منافسة المجتمعات الرأسمالية الصناعية على الإنتاج. ولكن تظاهرات التنقيل بين منتصف العقد السابع ومنتصف العقد الثامن تضافرت على الدلالة على حدوث التغيير، وعلى بلوغه حداً ومبلغاً يترتب عليهما ضم مجتمعات غير رأسمالية إلى الجسم الرأسمالي المتعاظم. فالمنشآت الكبيرة والمقتدرة تحول المنافسة بينها وبين الإنفراد بالسيطرة على الأسواق. وعوض ضمور عددها، يؤدي اشتداد المنافسة إلى زيادته. وما يتيح زيادة عدد المنشآت الكبيرة والصغيرة والمتوسطة جميعاً، هو باب الفرص الذي يفتحه التجديد العلمي والتقاني التكنولوجي. فالحظوة بفرصة تقانية سانحة - ويتعاظم الحظ في الفرص، وتسنح هذه مع افتتاح حقل علمي وعملي يثمر تقنيات وسلعاً يتوالد بعضها من بعض - هذه الحظوة في وسع رأس مال قليل أن يستغلها ويستثمرها، وذلك على مثال جعل منه "وادي السيليكون" بكاليفورنيا أسطورة وحكاية. فكافأ ريعُ الفرصة التقانية السانحة حجمَ المنشأة، وقدراتها المالية والإدارية، وأخرج بابُ الفرص المتزايدة، والمتصلة بالمختبرات، المنافسة من وطأة الأحجام وتضييقها على المبادرة والإبتكار. وحل تصدير "المعرفة" المتصورة في براءات الصنع وفي طرائق الإستعمال والخبرات، تدريجاً محل تصدير رؤوس الأموال. فهذا الضرب من التصدير تقيده تشريعات الملكية الوطنية والمحلية بقيود كثيرة وثقيلة. وعلى حين تشترط تشريعات البلدان المضيفة عودة الشطر الأعظم من رأس المال، ومن أهل الإرادة، إلى البلد المضيف، تؤثر الشركات المستثمرة، الأجنبية، حرية التصرف في تدبير عملها وسياسته من غير قيد ولا شرط. فكانت الشركة المختلطة، والتي يشترك رأس المال المستثمر والأجنبي فيها على صورة براءة صنع أو مثال مقنن، ذريعة مقبولة إلى التملص من الرقابة على حصص الملكية. ولكن ما يخسره الاستثمار من رقابة على الملكية، ومن طريقها، يربحه بواسطة التقانة والدراية الصناعية. أما البلد المضيف فمربحه من انتقال التقانة وطرائق الصنع إليه، ليس أقل من "تصنيعه" على مثال جديد ومختلف من التصنيع. وعلى هذا تعاظم تصدير "الموجودات" على شاكلة البراءات، والمساعدة التقنية، وعقود الإدارة، وأسواق التصريف الجاهزة، ووكالات الصنع وإجازاته، والتأهيل الفني، والقروض لآجال مختلفة. وحلت هذه كلها، وأكثر فأكثر مجتمعة، محل الإسهام المباشر في رأس المال. فنجم عنه ضعف الفرق بين صور التوسع الخارجي من تصدير وتنقيل وبيع تقانة، وتشابكت هذه في نسيج واحد، وتضاءل خطر الإشتراك في رأس المال. وتصدرت التوسعَ الرأسمالي الموجودات غير المادية، من معارف وكفاءات خاصة ومؤهلات وتدبير وعلاقات. ووَلَدت الشركات المتعددة الجنسية شبكات يسعها أن تنتج عدداً من السلع والمنتوجات، في وقت واحد، وفي بلدان تنتشر في أوروبا الغربية وأميركا الجنوبية وجنوب شرق آسيا وشرق أوروبا وكندا. ويرتب اجتماع هذه الأبعاد في إطار مشتبك ومتماسك صياغة كونية، عالمية، لسياسة المنشأة. وتنزع الصياغة المركزية إلى التجانس والتماثل والتوحيد. فهذه إنما هي ميسم الشركة وصبغتها. ولكن كثرة المجتمعات والأمم والشعوب التي تنتج الشركة وتسوق نتاجها وسلعها بين أظهرها، لا تنفك من استدراجها إلى التنوع والتكيف مع ملابسات المجتمعات والأقوام والدول المختلفة. وعلى قدر ما تنزع معايير الإدارة والرقابة إلى الشبه والتوحيد، يحمل التنقيل، ومقتضيات استجابة الأذواق والقدرات والبيئات المحلية، على التنوّع والكثرة. ويتقصى بعض دارسي تظاهرات العولمة، مثل إيمانويل تود "وهم الإقتصاد - مقالة في ركود المجتمعات المتطورة"، 1998، اصطباغ المجتمعات والإقتصادات الصناعية الكبيرة بصبغة "أناسية"، أنثروبولوجية حفظت من المباني القرابية آثاراً عميقة. فوراء صفحة رأسمالية واحدة ومتشابهة تكرر "الهُوَ نفسه"، على ما يُزعم، ينبش الباحث ستة مثالات مجتمعية ورأسمالية، على عدد مثالات القرابة: المثال النووي الخالص بريطانيا، الولاياتالمتحدة، هولندا، الدانمارك، النووي المساواتي قلب فرنسا، العَميري الخارجي الزواج ألمانيا، السويد، كوريا، كيبيك، العشيري الخارجي الزواج روسيا، توسكانة الإيطالية، الصين، العميري الداخلي الزواج اليابان، إسرائيل، العَشيري الداخلي الزواج العالم العربي. ويستخرج أنَّاس الإقتصاد من مثالاته هذه سمات رأسماليات تختلف، إقبالاً على التجديد وإيداعاً مصرفياً وتقلباً بين مرافق العمل واستهلاكاً وتعلماً وتأهيلاً، باختلاف السمات القرابية. ومهما كان من أمر تنوع الرأسماليات، وجواز حمله على مثالات القرابة، لا ريب في أن التنقيل، وعولمة الإنتاج نفسه، وَلَدا وقائع اقتصادية لم تكن معروفة قبل منعطف العقد السابع إلى الثامن، فاحتساب الداخل والخارج في ميزان المدفوعات، وعلى الأبواب الثابتة و"الملموسة" المعهودة، ولو دفترية، أصبح فائتاً وغير دقيق. وإذا فات مثل هذا الإحتساب فاتت عمليات حسابية ومالية كثيرة ليس احتساب الضرائب والرسوم، والأجور والتقديمات والإقتطاعات، على الأسس الثابتة نفسها، أقلّها خطراً ولا أضعفها نتائج ومفعولاً. وبإزاء تشابك المحلي الوطني، ودوله وأممه، والعالمي، على هذا النحو، لا يرجو الفهم انتفاعاً وجدوى من رد المتشابك هذا إلى أحد طرفيه، أو قطبيه، ونفي الطرف أو القطب الآخر. وجلي أن نفي طرف أو قطب من التشابك هو قوام "أصولية" محلية قومية أو دينية أو ليبرالية، على حد واحد ومتعالق. ولا يستوي التنقيل، وفي ركابه العولمة، نهجاً وطريقة مستقرين ومجزيين، إذا لم تستجب المجتمعات المضيفة، المتخلفة إلى وقت قريب، مطاليبه وحاجاته. فينبغي أن تشرع هذه المجتمعات أبوابها، التشريعية والقانونية، لاستقبال الاستثمارات، وأن تفك عن الاستثمار قيود القطاع العام المكبلة والثقيلة من طريق الخصخصة أو التخصيص، و"تحرر" الأسواق المحمية من الريوع والحمايات والأسعار المتعسفة، وتطلق العنان للمنافسة وحدها - على ما يلاحظ تقرير الندوة الدولية. وتؤدي إجراءات ما عرف ب"الإنفتاح" إلى تداول رؤوس الأموال اللجبة، من طريق الأسواق المالية، تداولاً خاطفاً وصاعقاً، حمل أحد كبار دارسي الإقتصاد، توبين، الكندي، وحائز جائزة نوبل للإقتصاد في 1972، إلى اقتراح رسم على حركة رؤوس الاموال وتحويلها يبلغ، إثنين في المئة، يرمي إلى التضييق على "تبخرها" والتقليل من تقلبها بين العملات الوطنية المختلفة. ولكن نشاط الأسواق المالية ليس شرط التنقيل الوحيد، على رغم ضرورته اللاحقة والمتأخرة، زمناً. فالشرط الأول، والمتصل بنوع السلع الجديد، وهو المعرفة والدراية والتقانة وطرائق الصنع، هو التعليم الفني. وشرط التعليم الفني هو التعليم، من غير صفة، أو التعليم العام. وقيام التعليم، وعمومه، مقام السبب والشرط الضروري من آداب الصنع الملازمة للرأسمالية، هو من مسلَّمات المؤرخين ودارسي الإجتماعيات. وإنما يعزو هؤلاء إلى انتشار دعوة الإصلاح الديني البروتستانتية بعض العلة في نشأة الرأسمالية "الشمالية"، لأن الإصلاح البروتستانتي جعل من المؤمنين المسيحيين كلهم، واحداً واحداً، قراء كتابهم المقدس، وفي لغاتهم العامية والمألوفة، وأوكل إلى كل واحد منهم تأويل الكتاب. فكان اتفاق أوائل دعوة الإصلاح واضطلاع مطبعة غوتنبرغ في أواخر القرن الخامس عشر، السابق الدعوة اللوثرية بصناعة الطباعة، ونشر المكتوب أو "الكتب" في الجمهور، سنداً عملياً للدعوة، وتحقيقاً لأول موجباتها ورأس هذه الموجبات. فلا عجب، في هذا الضوء، إذا استهل إيمانويل تود كتابه في "وهم الإقتصاد" - وهذا من علل عنوان الكتاب ووسمه - بجداول تتناول التعليم العلمي والرياضي والفني في المجتمعات الصناعية، وبرسوم بيانية تحصي الشهادات العلمية في الولاياتالمتحدة وأوروبا. وهو يزعم حمل التقدم الصناعي الرأسمالي، في كل من المجتمعات التي يتعقب تقدمها ومراحله، على اتساع التعليم وشموله الفئات العريضة من كل الطبقات الإجتماعية. وعلى النحو نفسه، يحمل دوام السبق الصناعي والإنتاجي على دوام السبق العلمي، وعلى تفوق التعليم وتحسينه. ورد فرانسوا غودمون "تنين النار، تنين الورق - هل لآسيا غد؟"، بالفرنسية، 1998 على الذين نعوا إنجازات آسيا، غداة انهيار العملة التايلندية في صيف 1997، وذهبوا إلى أن الأزمة المالية العاصفة أعادت البلدان الآسيوية إلى "خانة الإنطلاق"، فقال إن تآكل مستوى الدخول بنسبة قد تبلغ الخمسين في المئة، أو أكثر، شأن أندونيسيا، وهلاك ما قدر ألان غرينسبان حاكم الإحتياط الفيديرالي الأميركي قيمته بسبعمائة بليون دولار في الأشهر الأربعة غداة انفجار الأزمة، يتركان مستوى التعليم، والدراية والتدبير، على حاله. وهذا كسب ثابت وربح لا عودة عنه. السلع والعلاقات الإجتماعية ويبقى وصف العولمة ناقصاً نقصاً فادحاً ما لم يَلحظ اتصال التوسع الرأسمالي بإنتاج السلع الجديدة والدائرة في فلك "الثورة" المعلوماتية. وكان مراقبو أطوار الإنتاج الرأسمالي، وبعض صانعيه ، يربطون، منذ أواخر العقد السابع وقبل ما سمي ب"الصدمة النفطية" في خريف 1973، بين لهاث الرأسماليات الأوروبية الأميركية ووهنها، بعد "ثلاثين عاماً مجيدة" انقضت على نهاية الحرب الثانية، وبين استنفاد الفوردية مفاعيلها التقانية صناعة السيارات والسلع الكمالية والمنزلية المعمرة والإجتماعية توزيع أجور "عالية" وضمانات إجتماعية على طبقات عاملة عريضة وثابتة على عمالة من غير بطالة تقريباً. فلم ينقص سهم الإنتاجية والتقدم التقني في النمو العام، في بعض البلدان الأوروبية بين 1950 و1973، عن ستين في المئة، ولم يقل عن خمسين في المئة من النمو الإقتصادي الأوروبي الأميركي عموماً بحسب دانييل كوهين في "ثراء العالم - فقر الأمم"، 1997. والإنتقال من غلبة منظومة إنتاجية وسلعية إلى غلبة منظومة جديدة ومختلفة، في مجتمعات رعت "بيئة تقنية" متصلة ومتماسكة على شاكلة النسيج، ليس انتقالاً مقصوراً على فنون الصنع. فهو استتبع، في حال الإنتقال من السلع الميكانيكية والكهربائية، الفوردية، إلى السلع الإلكترونية، تغييراً واسعاً ومركباً في إعداد اليد العاملة، وفي ميزان التصدير والإستيراد، وعلاقة مراتب فئات العاملين بعضها ببعض، وعلاقة وحدات الإنتاج المتفرقة، على نحو ما استتبع تعريفاً جديداً للكفاءات والأجور، وتوزيعاً مختلفاً لأبواب الإستثمار، ورسماً للأسواق ومرافق التصريف غير الرسم السابق، وترتيباً للمواد الأولية والخامات غير الترتيب المستقر، وسياسة نقدية ومالية مبتكرة. أما المجتمعات التي لم تسبق لها إلفة ب"بيئة تقنية" متجانسة، وهي البلدان الناشئة، فوظفت بعض سمات مبانيها الإجتماعية الموروثة، مثل أواصر القرابة والعصب، والتكافل والتضامن والإغضاء بين الأنسباء والأصحاب، ودور الإدارة الحكومة والمركزية الطاغي والجامع، و"صفاقة" التدبير على خلاف "الشفافية" - في استضافة فروع الشركات والمنشآت الكبيرة وتوطينها. وكانت عوامل الإستضافة والتوطين، على زعم فرانسوا غودمون، في مجتمعات ما زالت نزعاتها الليبرالية والفردية والعلنية ضعيفة، هي نفسها عوامل الأزمة المالية الآسيوية والأسباب العميقة فيها. فالرأسمالية لا تستقر، ولا تتزن موازينها وتعدل، ما لم تمهد لها تربة ليبرالية وفردية وعلنية، العادات والسنن والتشريعات المناسبة والموافقة. وعلى هذا ذهب مراقبون ومحللون، في العقد الأخير، إلى إدراج عولمة الإنتاج، وعليها ترتبت عولمة الإستهلاك، في سياق أعرض، زمناً وتركيباً، هو سياق الثورات الصناعية، وحملوا تظاهرات العولمة على ثورة صناعية ثالثة ليست الثورة المعلوماتية إلا نواتها التقنية. وبرزت بين الآثار الداخلية أي داخل المجتمعات المتعولمة للعولمة ظاهرات لعل أبرزها وأظهرها اثنتان: تعاظم التفاوت بين فئات الأجور والعوائد، وتفاقم البطالة، إذا استثنيت الولاياتالمتحدة الأميركية، في معظم أسواق العمل. وللإستثناء الأميركي - حيث "نزلت" البطالة إلى 3.4 في المئة هي البقية الباقية من إحصاء تبديل شطر من العاملين أعمالهم السابقة إلى أعمال جديدة، وتبلغ نسبة التبديل هذه 15 إلى عشرين في المئة من العاملين في عدد من المرافق النشطة - وجه آخر هو تعاظم الفرق بين شطور الدخول: فبلغت زيادة الفرق بين دخول العشرة في المئة الأغنى من السكان، والعشرة في المئة الأفقر، أربعين في المئة في العقدين 1970 - 1990. وتصيب خسارة الدخل، في الولاياتالمتحدة وغيرها، أول ما تصيب ضعفاء التحصيل الدراسي. فهؤلاء خسروا، في العقد التاسع، قرابة خُمس طاقتهم الشرائية. وكانوا هم أنفسهم عشرة في المئة من اليد العاملة، في العقد التاسع، فأمسوا عشرين في المئة في أوائل العقد العاشر. واتفقت زيادة الضعفين هذه مع تعاظم حصة مرافق "الخدمات" من جملة العاملين، واقتصار العاملين في الصناعة على عشرين في المئة، واستقرار العاملين في الزراعة على خمسة في المئة. ويجمع باب "الخدمات" من يسميهم روبرت رايش، وزير العمل الأميركي السابق وأستاذ بيل كلينتون، "مصرِّفي الرموز"، العاملين على الأجهزة الإلكترونية، إلى خدم الأعمال المنزلية والفندقية. وجمع فئات متباعدة، تتشارك في خروجها من العمل الصناعي والعمل الزراعي اليدويين، في باب مشترك وواحد، يُظهر التفاوت بين الدخول، ويظهر الفرق بين المؤهلات الدراسية، على نحو صارخ" ولا ينكر هذا حقيقة الأمرين. ولا ينفي هذا، من وجه آخر، حقيقة إنشاء القطاع الثالث والمعولم "الخدمات" مرافقَ عمل عالية الكفاءة، بلغت نحو الثلثين من جملة الأعمال الجديدة في نصف العقد الأميركي، من 1992 إلى 1997. وتنهض الأعمال هذه على أنقاض أخرى ضعيفة المؤهلات. وينبغي أن يترتب على انتشار التعليم ومؤهلاته، وعلى زيادة عدد العاملين المؤهلين، طلب ضعيف على المؤهلين المتكاثرين. ولكن نازع الإنتاج العام، وتقنياته، على رغم العامل السكاني، إنما هو إلى زيادة حصة العمل العالي التأهيل، وإلى تأهيل الأعمال. واللحاق بهذا النازع، الغالب، هو شرط مماشاة المجتمعات والأفراد التغيرات الناشئة عن الثورة الصناعية الثالثة" وهو شرط قدرة المجتمعات والأفراد المحاماة عن دوام العمل، والمحافظة على مستوى الدخل. وينشأ عن صدارة التأهيل، وعن اتصاله بالمعلوماتية، غلبة دور تنظيم العمل، أي النمط الآخذ في الغلبة على تنظيم العمل، في التماسك الإجتماعي المتوقع، وترتب ضرب التماسك الإجتماعي، قوة وضعفاً، على نمط التنظيم الذي تقره الثورة الصناعية الثالثة، أو تسعى فيه. فمن سمات هذا النمط الظاهرة وجوب التكافؤ بين مؤهلات العاملين في شبكة إنتاج واحدة. فلا يعقل في أنساق الإنتاج المتشابكة، والمنضبطة على ضوابط تلقائية دقيقة، أن يتفاوت، أو يتفاضل، إنجاز الأعمال الداخلة في الشبكة. فالأعمال كلها، والأجزاء كلها، في كل مواضع النتاج ووحداته، ينبغي أن تكون على قدر واحد من التأهيل. ويقترح مايكل كريمير، الأميركي، تسمية التكافؤ هذا "أو - رينغ"، باسم الوَصْلة التي أدى خلل عملها إلى انفجار المركبة الفضائىة الأميركية شالينجير، في أوائل العقد العاشر، دلالة على أثر خلل واحد، جزئي، في عمل مركَّب صناعي متماسك. * كاتب لبناني. وتتيح تقانة المعلوماتية التنسيق بين أجزاء شبكة الإنتاج الواحدة على نحو غير مركزي أو حصري، ولكن شرط ضمانة قدر واحد وعالٍ من الضبط في كل مواضع الشبكة وأجزائها. فيجوز لمنشأة واحدة أن تكل محاسبتها المالية إلى شركةٍ المحاسبةُ المالية اختصاصُها، ويسعها أن تكل مراقبة إدارة العاملين فيها إلى شركة ثانية، بينما تتولى شركة ثالثة، في بلد ثالث، بعيد أو قريب، هندسةَ السلعة التي تنتجها المنشأة ورسمَها. فمن يفلح في دخول الفريق القائم على إنتاج المركبة الفضائية الأميركية لا بد أن يتقاضى مرتباً يكافئ الدور الذي يضطلع به في إنتاج هذه السلعة "الشريفة". ولا ريب في أن "شرف" السلعة المشترك يؤدي، بدوره، إلى "تشريف" كل العاملين فيها، ولو على مراتب متفاوتة داخل شبكة العاملين. ولكن الفرق لا محالة عظيم بين مرتب مهندس المعلوماتية، بعد أن صار شريكاً في فريق المركبة الفضائية، وبين زميله، وصاحب المؤهل المساوي مؤهله، إذا لم يحظ بعمل إلا في وكالة مبيع الحواسب بالتقسيط في مدينة صغيرة أو متوسطة. وينجم عن هذا الحال دخول التفاوت، بين الأعمال والمرتبات والدخول والمراتب، إلى قلب الجماعة المهنية والثقافية الواحدة، على ما يلاحظ جان - بول فيتوسي وبيير روزانفالان، الفرنسيان "عهد الفروق الجديد"، بالفرنسية، 1996. ففئة العمر الواحدة، وفئة الشهادة المدرسية أو الجامعية الواحدة، وفئة العاملين في قطاع مهني واحد، هي مجلى التفاوت القائم بين مرافق العمل، على مثال الفرق بين الإسهام في صنع المركبة الفضائية وبين الترويج لمبيع السلعة من الجمهور. والسبب في تعاظم الفرق بين الدخول، وبين وجوه إعمال الكفاءة الواحدة، هو نفسه السبب في تقسيم العمل العائد إلى وحدة إنتاج على منشآت كثيرة، متباعدة المحال، من غير إخلال بترابطها وتماسكها والتنسيق بين أجزائها. فتقسيم العمل الذي يتيحه الترابط والتركيب المعلوماتيان ينشر أجزاء العمل على مواضع متباعدة ومتفرقة. فيقوم تفرق المواضع وتباعدها مقام الشرط من مستوى الأجر، ومن صفة العمل، ومرتبته، شرفاً أو ضِعَةً. وتبعث المرونة المتعاظمة هذه، بدورها، على التوسع في تقسيم العمل، وفي تنقيل مرافقه وأجزائه، والسعي في التكلفة الأدنى ما دام شرط التكافؤ في إنجاز العمل، على مثال "أو - رينغ"، متوفراً. وينجم عن تفرق المواضع وتباعدها، على شرط توفر التكافؤ في الإنجاز وهذا الشرط هو السبب في تصدر بلدان الإتحاد الأوروبي وأميركا الشمالية تظاهرات العولمة، وفي حظوة الولاياتالمتحدة الأميركية، في 1998، بثلثي الاستثمارات الأوروبية الخارجية وحظوة أوروبا بخمسة وخمسين في المئة من الاستثمارات الأميركية، ينجم عنهما تعاظم التبادل، السلعي والمالي، بين وحدات الإنتاج نفسها، ثم بين الكيانات السياسية والوطنية في أنحاء العالم كافة. وتبدو العولمة وجهاً من وجوه تقسيم العمل المشرَّع على التوليف بين أجزاء الإنتاج، من غير اعتبار محال الإنتاج. فإذا قدرت شركة "مايكروسوفت"، صاحبة "ويندوز 95"، تصنيع بعض حواسبها، وبعض طابعاتها، في بلدان آسيوية، وهذا في مستطاعها حقيقة، عاد عليها هذا التصنيع بوفر لا تزدري "مايكروسوفت" قبضه ولا تكثيره وزيادته. ولم يبق ثمة شك، في ضوء المقارنة بين شركة "أبِّل"، صاحبة "ماكنتوش"، و"مايكروسوفت"، وبين هذه وبين شركتي "كومباك" و"هيوليت باكارد"، في سبق المنشأة القادرة على الجمع بين الإنكباب على إنتاج رئيسي البرامج وبين تولية منشآت أخرى، على سبيل الوكالة أو الشراكة إنتاج الأجزاء المكملة الحواسب والطابعات للإنتاج الرئيسي. وتدخل البلدان الناشئة التصنيع من باب تقسيم العمل المشرع على التوليف، وعلى ما يسميه دانييل كوهين "التنسيب"، أي نسبة جزءٍ من السلعة إلى السلعة كلاً وجميعاً. وهو عينه باب العولمة. والتوليف هو العلة في انهيار المنشأة الفوردية، الملتحمة الأجزاء والمتماسكة المرافق، وفي طي الميثاق الإجتماعي الذي ثبَّت العاملين في المنشأة الواحدة، وربطهم بها برباط متين ما زال متيناً في اليابان، لقاء سلم أجور مرتفعة، وأنشأهم جماعة تتشارك في جسم "طبقي" واجتماعي وسياسي مترابط. وينجم، اليوم، عن انهيار الفوردية، على معناها التقني ومعناها الإجتماعي، "تفرق" العاملين، بحسب عبارة روبير كاستيل "أحوال المسألة الإجتماعية وأطوارها"، 1994، على معنى "صعلكتهم" أو "انفراط عقدهم". وهذا ما تدل عليه دلالة ظاهرة نسبة العاملين المبدلين عملهم بعمل آخر في المرافق الأميركية المتقدمة، قياساً على متوسط الخمسة في المئة الأوروبي. ويجمع التوليف بين أفرقاء عمل، يؤلفون فريقاً، ويزيدهم تجانسهم لحمة وآصرة. ولكنه ينفي منهم من لا يتمتع بكفاءتهم، ويحط به إلى مرتبة أدنى. فيتخفف أصحاب المرتبة "الشريفة"، والأكفياء، من الأعمال "الوضيعة" على أهل التأهيل المتواضع، من وطنيين ومهاجرين. فتكثر الأعمال المؤقتة والمتقطعة، وتتدنى الأجور الدنيا. ولا يسلم التعليم بدوره من "انفراط العقد" الفوردي. فعوض التجانس بين تلامذة يصدرون عن منابت اجتماعية مختلفة، تتولى المدرسة العامة، على مثال المنشأة الصناعية، "تنسيب" من هم أعلى كفاءة إلى أمثالهم، وتؤلف بين من هم أدنى كفاءة وبين نظرائهم. وحين ترتفع دخول النساء العاملات، على ما هي الحال فعلاً، يقمن باحتياجاتهن على نحو مستقل عن القرين. فلا يحكم في علاقة الزوجين، بالدوام أو الإنقطاع، إلا رباط المودة، وهو ضعيف الإضطرار والضبط. فيفشو الإنفصال وما يسميه الفرنسيون "الإحجام عن الزواج" والرجوع فيه قبل الإقدام عليه. وليست السياسة بمنأى من "انفراط العقد" الإجتماعي. فلا السياسة المتصلة بكيان الدول - الأمم الواضح الرسم والحدود، ولا السياسة القائمة على الكتل الطبقية ومصالحها المنفصلة، ولا السياسة الصادرة عن تيارات الرأي العريضة - مناط تعاقد واجتماع أو باعث مقنع، خارج قلات أو أقليات ونخب ناشطة، على الإنضواء. وعلى خلاف ضروب السياسة الذاوية هذه تنشط حركات اجتماعية "ثقافية" مبناها على العلاقات القريبة، المحلية والتاريخية، أو على أصل الذاتية، على ما سماها آلان تورين كناية عن الحركات النسائية وحركات الفتيان والملونين والمثليين، وغيرها من أشباهها. ومن القرائن على "التنسيب"، في مضمار السياسة، وعلى "الإنفراط"، من وجه آخر، تقلص نسبة المقترعين في الإنتخابات العامة، بأوروبا والولاياتالمتحدة، على اختلاف مراتبها، واضطراب الأطر الحزبية التقليدية، وحظوة الوافدين على السياسة منذ عهد غير بعيد من بِيرت الأميركي إلى رومانو برودي الإيطالي وبينهما بيرلوسكوني والقضاة بإيطاليا، وتقديم الرأي العام الأميركي الإعتبار الفردي على غيره في قضية ليوينسكي وكلينتون، ودور المعايير الإنسانية والمعنوية في رسم بعض السياسات الدولية، حرباً البوسنة، كوسوفو، تيمور الشرقية أو سلماً إلغاء الديون على البلدان الفقيرة. وهذا كله ليس من شأنه اختصار العولمة إلى مسألة يُقضى فيها برأي قاطع، على افتراض وزن مثل هذا القضاء، أو دلالته على أمر غير موقع صاحبه من العولمة، فوتاً وتخلفاً أو مسايرة ومباشرة. ولعل مداهمة العولمة المجتمعات وناسها في عقر دارهم، وتخييرهم بينها، أي بين الإقبال عليها، وبين تفويت "العالم" ومعانيه، لعلهما أقسى من السابقة الرأسمالية "التقليدية" التي ملأت القرن المنصرم و"اقتصرت" على التخيير بين ولوجها وبين "تخلف" يتصور، اليوم وقياساً على تفويت العولمة، بألوان مشرقة. * كاتب لبناني