كشف موت العامل الفلسطيني جهاد الدريدي حرقاً في مصنع "سول أور" الاسرائيلي وإصابة ابناء عائلة يوسف شرشير الثلاثة بأزمات تنفسية دائمة جراء استنشاقهم الأبخرة المتصاعدة من مصنع "جيشوري" الاسرائيلي المجاور لمنزل العائلة في منطقة طولكرم حجم المعاناة التي يقاسيها العمال الفلسطينيون العاملون في المناطق الصناعية الاسرائيلية الحدودية. وكان العشرات من اصحاب المصانع الاسرائيلية، خصوصاً تلك التي تنتج مواد كيماوية خطرة، اضطروا الى نقل مصانعهم، من داخل المدن الاسرائيلية، عقب حملة الاحتجاجات الواسعة من قبل الاسرائيليين، لتستقر في مواقع ملاصقة او محاذية لمدن فلسطينية، بعد ان اعفتهم الحكومة الاسرائيلية، لقاء ذلك، من الضرائب لمدة سبع سنوات، وقدمت لهم أراضي يملكها مواطنون فلسطينيون او تعود للوقف الاسلامي. وقدرت دائرة الشؤون القانونية في اتحاد نقابات عمال فلسطين عدد العاملين والفنيين الفلسطينيين في المناطق الصناعية الحدودية الاسرائيلية بنحو 20 الفاً. ويذكر ان معظم المصانع المقامة هناك تقع في مناطق طولكرم وجنين ونابلس في الضفة الغربية، لينطلق منها الموت البطيء الى السكان الفلسطينيين الآمنين في منازلهم. ويؤكد عمال في مصنع "سول أور" لصنع اسطوانات الغاز وخزانات الوقود المقام على اراضي مدينة طولكرم ان العامل محمد عناية سقط مغشياً عليه في اثناء العمل ونقل الى المستشفى، وتبين من الفحوص، التي اجريت له ان طبقات شمعية تحاصر رئتيه جراء استنشاقه للغازات السامة المنبعثة من المصنع. وحسب تقرير لمدير ادارة الصرف الصحي والتخلص من الفضلات، التابع لوزارة الصحة الفلسطينية محمود عثمان، فإن الغازات المنبثقة من مصنع "شاحف" الاسرائيلي لصناعة عوازل الثلاجات، ومصنع "لويفي سخوخيت" للزجاج المعالج بالرمل، المقامين على أراضي طولكرم، تنتقل لمسافات تزيد على عشرات الكيلومترات بسبب صغر وزنها وحجمها، وتصل الى مدن وقرى عديدة في الضفة الغربية. وهذه الغازات لا تؤذي الانسان، فحسب، بل الحيوان والنبات أيضاً. ويؤكد مدير دائرة الصحة في مدينة طولكرم الدكتور سعيد حنون، ان صحة 154 ألف مواطن، هم عدد سكان منطقة طولكرم، مهددة من المصانع المذكورة. ويضيف: "ان الأدخنة، التي تصدرها هذه المصانع ملونة وملوثة بمواد كيماوية تسبب امراضاً صدرية وجلدية والتهابات في العيون. وان أتربة مشروع الكسارات الاسرائيلية المقام على حدود مدينة طولكرم مع اسرائيل، تسبب الأمراض السرطانية". واستعرض المواطن عبدالخالق ابو جبارة حادثة حصلت في مصنع "جيشوري" للمواد الكيماوية، الذي أقيم عام 1948 على أراض عائدة لدائرة الوقف الاسلامي قائلاً: "ان الغاز المنبثق من مصنع "جيشوري" لم يرحم حتى جنود الاحتلال، الذين ينتشرون على الحواجز العسكرية الموجودة في ضواحي طولكرم. وفي كل شهر تقريباً ينقل جندي او جنديان من افراده اغمي عليهما، الى المستشفى لعلاجهما من مضاعفات هذا الغاز". وكشف عمال من منطقة سلفيت، القريبة من نابلس، يعملون في مصنع "تخنوبلاست" للمواد الكيماوية ان المصنع المذكور يستخدم مادة خطرة تدعى R.B.T وهي مادة خام تستخدم في صناعة نعال الاحذية وإطارات الكاوتشوك. وأكد العمال ان هذه المادة تفوح منها روائح كريهة مقززة تجبر العاملين على التقيؤ، وتسبب لهم آلاماً في البطن. وأوضحوا ان عدداً منهم اضطروا لاجراء فحوصات طبية عاجلة بعد شعورهم بآلام في الصدر والرئتين، كما حصل مع عامل من قرية "كفر قليل" القريبة من سلفيت، طلب منه الطبيب التوقف عن التدخين، على رغم انه لا يدخن، وأخبره ان رئتيه مليئتان بالغازات والأبخرة. يذكر ان مصنع "تخنوبلاست" يعمل فيه 120 فلسطينياً، في حين يعمل ثلاثة آلاف عامل من منطقتي نابلس وسلفيت في المنطقة الصناعية الاسرائيلية بركان الكائنة على الخط الأخضر الفاصل بين اسرائيل والضفة الغربية، وهم موزعون على نحو 60 مصنعاً يعمل معظمها في صناعة البلاستيك والمواد الكيماوية. وحسب تقرير اصدرته وزارة الاعلام الفلسطينية عن التلوث البيئي في شمال الضفة الغربية، فان معظم المصانع الاسرائيلية، التي أقيمت في منطقتي طولكرم وقلقيلية، غير معروف طبيعة نشاطها الصناعي في شكل تفصيلي، وبالتالي فانه يجهل ما يصدر عنها من ملوثات للهواء. وتبين - حسب التقرير - ان المصانع المقامة في أراضي المنطقتين، داخل المستوطنات، هي مصانع عسكرية، ومصانع للطلاء، وصهاريج للغاز، وأسمدة ومبيدات حشرية، وعوازل الثلاجات والأفران والبلاستيك. ويعتبر مصنع الطلاء، الذي يستخدم مادة كرومات الرصاص من اخطرها، لأنه يحدث تلوثاً في الهواء، ويشكل خطراً بيئياً وصحياً كبيراً، كونه معدناً ساماً يؤثر على صحة الانسان. ولا تكتفي المناطق الصناعية الاسرائيلية بتصدير الأمراض والأوبئة الناتجة من الغازات والأسمدة والأبخرة السامة، بل تعدى ذلك لانتاج وتعبئة مواد غذائية منتهية الصلاحية، وغير صالحة للاستعمال. وكان احد العمال الفلسطينيين العاملين في مستوطنة "معاليه ادوميم" القريبة من القدس قدم شكوى للجنة حماية المستهلك الفلسطينية جاء فيها "ان خط انتاج لاعادة تعبئة وتغليف المواد الغذائية الفاسدة موجود في المستوطنة". وتم فصله من العمل لرفضه العمل في هذا المجال. وحسب نشرة صادرة عن اللجنة، تبين ان نحو 4233 مواطناً اصيبوا بحالات تسمم في العام الماضي، منهم 2243 يعتقد ان سبب تسممهم هو المواد الغذائية الفاسدة، المعاد تغليفها في المستوطنات. وكانت السلطة الفلسطينية قدمت اكثر من مذكرة احتجاج لسلطات الاحتلال الاسرائيلي، تطالبها فيها باغلاق هذه المصانع، ونقلها الى داخل اسرائيل، ولكن لا حياة لمن تنادي. ومصانع الموت الحدودية ما زالت تنفث سمومها باتجاه الشرق، حيث المناطق السكنية الفلسطينية.