الشتاء يحل أرصادياً بعد 3 أيام    عامان للتجربة.. 8 شروط للتعيين في وظائف «معلم ممارس» و«مساعد معلم»    الأسهم الأوروبية تغلق على تراجع    السعودية وروسيا والعراق يناقشون الحفاظ على استقرار سوق البترول    وصول الطائرة الإغاثية ال24 إلى بيروت    التعاون والخالدية.. «صراع صدارة»    الملك يتلقى دعوة أمير الكويت لحضور القمة الخليجية    الهلال يتعادل إيجابياً مع السد ويتأهل لثمن نهائي "نخبة آسيا"    في دوري يلو .. تعادل نيوم والباطن سلبياً    أمير تبوك: نقلة حضارية تشهدها المنطقة من خلال مشاريع رؤية 2030    الفالح: المستثمرون الأجانب يتوافدون إلى «نيوم»    أمير الرياض يطلع على جهود "العناية بالمكتبات الخاصة"    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء    «التعليم»: 7 % من الطلاب حققوا أداء عالياً في الاختبارات الوطنية    أربعة آلاف مستفيد من حملة «شريط الأمل»    «فقرة الساحر» تجمع الأصدقاء بينهم أسماء جلال    7 مفاتيح لعافيتك موجودة في فيتامين D.. استغلها    الزلفي في مواجهة أبها.. وأحد يلتقي العين.. والبكيرية أمام العربي    اكتشاف كوكب عملاق خارج النظام الشمسي    «شتاء المدينة».. رحلات ميدانية وتجارب ثقافية    مشاعر فياضة لقاصدي البيت العتيق    أنشيلوتي: الإصابات تمثل فرصة لنصبح أفضل    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    الرياض الجميلة الصديقة    كيف تتعاملين مع مخاوف طفلك من المدرسة؟    حدث تاريخي للمرة الأولى في المملكة…. جدة تستضيف مزاد الدوري الهندي للكريكيت    بايدن: إسرائيل ولبنان وافقتا على اتفاق وقف النار    قمة مجلس التعاون ال45 بالكويت.. تأكيد لوحدة الصَّف والكلمة    7 آلاف مجزرة إسرائيلية بحق العائلات في غزة    شركة ترفض تعيين موظفين بسبب أبراجهم الفلكية    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    كثفوا توعية المواطن بمميزاته وفرصه    «هاتف» للتخلص من إدمان مواقع التواصل    حوادث الطائرات    سيتي سكيب.. ميلاد هوية عمرانية    المملكة وتعزيز أمنها البحري    معاطف من حُب    الدكتور عصام خوقير.. العبارة الساخرة والنقد الممتع    جذوة من نار    لا فاز الأهلي أنتشي..!    مبدعون.. مبتكرون    هؤلاء هم المرجفون    ملتقى الميزانية.. الدروس المستفادة للمواطن والمسؤول !    اكتشاف علاج جديد للسمنة    السعودية رائدة فصل التوائم عالمياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء الخميس المقبل    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة يناقش تحديات إعادة ترميم الأعضاء وتغطية الجروح    مركز صحي سهل تنومة يُقيم فعالية "الأسبوع الخليجي للسكري"    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سعيد توفيق قارئاً حسن طلب : شاعر واحد ونقاد كثيرون
نشر في الحياة يوم 26 - 10 - 1999

لم يُظلم جيل من اجيال الشعر العربي الحديث كما ظلم الجيل الذي يسميه البعض جيل السبعينات مع التحفظ على التقسيم الجيلي العقدي على الرغم من الاهمية الفائقة التي يمثلها هذا الجيل في مسار القصيدة العربية المعاصرة، لما يجسده من انتقالة مرموقة في حركة الشعر.
ويبدو أن ذلك الدور المميز الذي نهض به هذا الجيل، علي المستوى القطري والعربي، كان واحدا من اسباب ذلك الظلم، اذ ان معظم النقاد الراهنين لم يكن بمقدورهم التفاهم مع هذا الشعر او اكتشاف مداخل صحيحة لذلك الدور.
من هنا تجيء أهمية كتاب الناقد سعيد توفيق استاذ الفلسفة بآداب حلوان من حيث أنه ثاني كتاب يختص كله بشعر شاعر مصري من ابناء هذا الجيل الكتاب الاول كان "هكذا تكلم النص" للدكتور محمد عبد المطلب عن تجربة رفعت سلام.
في كتاب "ماهية الشعر: قراءات في شعر حسن طلب" الصادر اخيرا عن هيئة الثقافة الجماهيرية في القاهرة، يوضح المحرر، توفيق، أن غاية هذا الكتاب ليست فقط تعريف القارئ العام بشعر حسن طلب، وانما تعريف القارئ - وبوجه اخص اولئك الذين يحاولون ممارسة التجربة الشعرية - كيف يكون الشعر شعرا، ولسنا بذلك - يقول المحرر - نريد أن نجعل من شعر طلب مثالا وحيدا لما ينبغي ان يكون عليه الشعر.
ويؤكد الناقد توفيق أن اهمية هذا الكتاب لا تكمن فحسب في كثرة او تعدد القراءات التي يحتوي عليها، وانما تكمن في المقام الاول في ان هذه القراءات تشكل مداخل متنوعة لشعر حسن طلب: فمنها ما يلقي ضوءاً على موضوع هذا الشعر ومكانته الفنية بين شعراء جيله والجيل السابق عليه. ومنها ما يركز على المدخل اللغوي الذي يتخذ طابعا رمزيا او يتخذ طابعا بنيويا او سيميوطيقيا يستند احيانا الى التحليل الاحصائي الخالص. ومنها ما يركز على الرؤية الشعرية للشاعر وعالمه الشعري، وهنا يقرر المحرر ان القراءات جميعا على تعددها وتنوعها فإن خيطا مشتركا يجمعها، فلا توجد أية قراءة اهملت الجانب اللغوي في شعر طلب، وكأن هذه القراءات قد مست بذلك ملمحاً جوهريا في شعره.
صنف الناقد سعيد توفيق المقالات الى اربعة محاور: الاول هو "الشاعر وشعره" ويحتوي على مقالات: احمد عبدالمعطي حجازي وإدوار الخراط والناقد صبري حافظ والثاني هو "بين البنفسج والزبرجد" ويحتوي على مقالات: رجاء النقاش والناقد شكري عياد والناقد صلاح فضل وعباس بيضون وحلمي سالم، والثالث هو "الجيميات" ويحتوي على مقالات: الناقد محمد حماسة عبداللطيف والناقدة سيزا قاسم وفاطمة قنديل والناقد محيي الدين محسب. والرابع هو "النيليات" ويحتوي على مقال جمال القصاص.
يخلص عبدالمعطي حجازي الى أن شعر طلب على عكس ما يقال - مسكون بحس الانتماء مفعم بروح الغضب والتمرد ولكن الشاعر يتميز بأنه جعل هذا الغضب روحا يتجلى في صور شتى، ولم يحبه في موضوع تدور حوله القصيدة. "وسوف نرى أن هذا كله يصدق على بقية شعراء هذا الجيل، وإن كان لكل شاعر طريق".
ويعتبر ادوار الخراط شعر حسن طلب نسيجا وحده ومن ثم هو شعر مشكل، ويرى أن سر خبرة شعر طلب هو "حداثية التراث" كيف يمكن أن يصبح التراث، بعد تمثله تماما، قيمة حية وليس محاكاة ولا سيرا في دروب مطروقة بل ضربا في مناطق جديدة من الحساسية والوعي.
ويسلط الناقد صبري حافظ الضوء على ظاهرة جماليات الحرف العربي في شعر طلب وبعض زملائه، مشيرا الى أننا لا يمكن فصل هذه الظاهرة الجديدة عن مسألة تردي الواقع الاجتماعي بالصورة التي جعلت الشاعر يبالغ في ابراز جمال النص حتى يتبدى في ضوء جماله الباهر مدى قبح الواقع المتردي في حمأة التدهور و الانحطاط، كما لا يمكن فصلها عن مسألة الزراية باللغة القومية التي اخذت تشيع في عصر عودة اللغة الانكليزية لغة السادة الجدد.
"هذا شاعر جديد عجيب لا تملك وانت تقرأه الا ان تحبه وتتعاطف معه، بل إنني اشعر احيانا بالشفقة عليه، لأن شعره يصل في بعض اللحظات الى حد الجنون"، هذه هي كلمات رجاء النقاش، الذي يأخذ على طلب انه مفتون بسحر صنعته الشعرية مسلوب الارادة امامها، ورغم انها صنعة باهرة فانها تؤدي به الى الوقوع في عالم من الشكلية تفقده التلقائية والبراءة والطفولة والفطرة الفنية المتدفقة.
ولعل عباس بيضون يختلف مع النقاش في مسألة "الجنون" حيث يرى أن شعر طلب هو مثال الهندسة العقلية والتنظيم المنطقي، ولكنه يتفق معه في ابتعاد الشاعر عن الفطرة الفنية المتدفقة والتلقائية والبراءة، اذ يرى بيضون ان التكثر من الزخرف في شعر طلب ليس اشتغالا على لغة النص بكليتها، فقوامه افراد الزخرفة والايقاع وفصلهما عن مادة الكلام ومجراه، وجعلها في رتبة ومقام مخصوصين، مما يفضي بهما الى خارج بحت، ومن هنا فان خاصية شعر طلب هي اعادة الاعتبار الى الصنعة ولذا "فإن الشعر صنعة حسن طلب اكثر منه بثه وصوته".
على الجانب المقابل فان الناقدة سيزا قاسم ترى أن قصيدة "اي جيم" تحفل بخيط خفي هو التأمل في ماهية اللغة في مستوياتها المختلفة: علاقة الصوت بالدلالة، علاقة العلامة بالدال الذي تشير اليه، ماهية القصيدة بوصفها شبكة من العلاقات تربط بين العلامات المختلفة، وفي النهاية العلاقة بين الشاعر والقصيدة، والقصيدة والتراث، وعليه فإن القصيدة تقدم نموذجا عربيا يمكننا ان نختبر فيه اللعب بالكلمات بكل ابعاده، من الترديد الطفولي الى بنية اللغز والنكتة كما انها تقدم نموذجا للقصيدة الحداثية التي تشير فيها اللغة الى نفسها فتصنع عالمها الخاص، وتعيد تشكيل العالم المألوف في علاقات غير مألوفة فتكشف المجهول من المعلوم.
ويوضح المحرر أن مقال جمال القصاص عن ديوان "لا نيل الا النيل" هو المقال الوحيد عن هذا الديوان وبذا يكون قد وقع على هذا الديوان غبن بيّن، رغم انه اكثر دواوين الشاعر عمقا ونضجا، ويمثل ذروة تجربته الشعرية.
إن اظهر ما يميز هذا الكتاب القيم - فوق انصافه واحداً من شعراء الحداثة المصرية وفوق الجهد التحريري الذي بذله محرره مع بعض المقالات - هو انه لم يتقصر على المقالات التي ترصد الجوانب الايجابية في الشاعر فحسب، بل اشتمل كذلك على المقالات التي رصدت عددا من الملاحظات السلبية علي الشاعر وشعره، ولهذا نجح الكتاب - بمصداقية واضحة - في أن يقدم بانوراما متنوعة بعضها منحاز وبعضها متحفظ على تجربة حسن طلب، التي تعد من ابرز تجارب شعر الحداثة الراهنة في مصر، والتي تثير من الآراء المتضادة ما يعني انها تجربة غنية ثرية الوجوه، شأن كل شعر أصيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.