تزفيتان تودروف قضى خمسةً وعشرين عاماً من عمره ينقد النصوص الأدبية، ينكفي في مكتبه، أو على الأصح مشرحته، من طلوع النهار ويخرج، في آخر الليل، بثيابٍ يلطخها الدم. بُحّ صوت امرأته، طول هذه الفترة، من دون أي جدوى "تودرو، تحذف الفاء لتدليله، أبحث لك عن شغلة أخرى، أنا تعبت من كثرة الغسيل". كان يفتح الباب فتحةً صغيرةً يأخذ النص منها من دون أن يرفع عينيه ليرى وجه صاحبه، حتى أنه قفله أي فظاعة!، ذات يوم، على يد رامبو! ما حدث أن تزفيتان تودروف كان جالساً يشرِّح نصاً، في ليلةٍ من الليالي، حتى أصبح بين يديه كومة جلد وعظام. انتفض وصرخ فجأة "أريد معنى لحياتي، لا بد أن أوقف هذه المهزلة". الجيران تجمعوا، بما أن الصوت يسري في الليل، وراحوا يتهامسون تحت شرفته. "جُنّ السيد تودروف"، قال رجلٌ منهم. رجل آخر قال "هل أحد هنا معه رقم تليفون مصحة نفسية؟". امرأة عجوز كانت تضيّع ما تبقى لها من عمر على دكّةٍ أمام البيت، بدت حزينة لأجله حزناً حقيقياً. قالت "آه. كان رجلاً طيّباً. الوحيد الذي، كلما يمر، يقول لي: صباح الخير". أم شابة شدّت قصة، برسوم ملونة، من يد ابنها. قالت له. وهي ترميها بعنف في سلّة القمامة: "هل سمعت ما حصل لجارنا السيد تودروف؟ هذا آخر ما تفعله الكتب في الناس". قصة، برسوم ملونة، عن عصفورة تحلم بأن تطير، من دون توقف، حتى تقبّل القمر. لم يتضايق تزفيتان تودروف. فتح شبّاك غرفته ونظر اليهم جميعاً وابتسم. تنفّس بعمق حتى بدا كأنه يعرف، لأول مرة، أن في الحياة شيئاً اسمه الهواء. صمت تودروف بعض الوقت، ثم فاجأ الناس ب"غزو أميركا" و"نحن والآخرون". كتابان متفجران بالألم على ما يفعله الإنسان بالإنسان. أكاديمي كبير من زملائه القدامى، بعد أن قرأ الكتابين، قال له والدموع تبين، على رغم النظارات السميكة، في عينيه: "تزفيتان، راجع نفسك، لماذا خذلتنا؟!". "دعني أبني بيتاً، قال له تودروف، أنا كنت مثل النجار الذي ظل طول عمره لا يصنع إلاّ أدوات النجارة: مسطرة أو مطرقة. دعني أبني بيتاً".