ارتفعت معدلات الدخل السياحي في جزيرة قبرص السنة الجارية. وتقول الاحصاءات أن النصف الأول من السنة الجارية كان منعشاً للآمال بعد ركود نسبي أصاب السياحة في السنوات الخمس الماضية بفعل عوامل مختلفة منها التأزم الذي شهدته منطقة الشرق الأوسط الذي تنتمي الجزيرة إليها. على أن تباشير العودة إلى التفاوض بين العرب والإسرائيليين أنعشت القبارصة، وجعلت أداءهم السياحي أكثر ثقة، ولم تخيّب حركة السياحة توقّعاتهم. وحسب مدير التسويق في "منظمة السياحة القبرصية" فيلاكتيديس، استمر النجاح الذي شهدته قبرص في قطاع السياحة الذي يعتبر أكثر المجالات حيوية في الجزيرة، والذي بدأت معدلاته المرتفعة تتضح منذ النصف الثاني من العام 1998. وذكر ان العام الماضي الماضي كان عاماً قياسياً، فقد استضافت قبرص اكثر من 2.2 مليون سائح من مختلف الجنسيات، وهذا الرقم يمثل نمواً في عدد السياح يبلغ سبعة في المئة. والآن - حسب فيلاكتيديس - فإن الأرقام المتوافرة للستة أشهر الأولى من السنة الجارية تشير بدورها إلى النمو الأيجابي في معدلات الدخل السياحي. اذ استضافت الجزيرة خلال تلك الفترة 990 ألف زائر من مختلف الجنسيات وهذا يمثل نمواً قدره عشرة في المئة من مجموع الزوار للفترة ذاتها من العام الماضي. وإذا ما عرفنا أن قبرص تستقبل العدد الأكبر من السياح المقبلين على شواطئها في النصف الثاني من السنة، فإن توقعات المسؤولين عن قطاع السياحة ترجّح أن تستقبل قبرص هذا العام نحو 2.4 مليون سائحاً. يأتون من الشمال العدد الأكبر من السياح يأتي عادة من شمال وغرب أوروبا. وتتصدر بريطانيا هذه الدول إذ يشكل مجموع السياح البريطانيين 45 في المئة من مجموع عدد السياح إلى قبرص. كما يأتي عدد كبير من السياح من ألمانيا والدول الأسكندنافية وروسيا. السياح العرب أما بالنسبة إلى الدول العربية ودول الخليج، فهي، أيضاً، سوق مهمة للسياحة القبرصية، ففي العام الماضي بلغ عدد السياح العرب 55 الف سائح، معظمهم من دول الخليج الامارات، البحرين والمملكة العربية السعودية، ويسجل هذا الرقم نسبة نمو قدرها 13 في المئة عن السنين السابقة. وهناك أيضاً حركة سياحة مستمرة مصدرها مصر، والأردن و سورية. وحسب فيلاكتيديس، هناك رحلات جوية مباشرة تربط العواصم العربية بمطار لارنكا الدولي في قبرص، مما يشجع الزوار من دول الخليج على المرور بقبرص في طريق رحلاتهم إلى أوروبا. ويقول المسؤولون عن الترويج السياحي ان موقعها الجغرافي جعلها تتمتع بتاريخ عريق من الروابط السياحية الوثيقة مع الدول العربية منذ عام 1940. فكانت جبال ترودوس، مثلاً، مصيفاً للأثرياء المصريين. واستطاعت الجزيرة بفضل انفتاح أهلها ومودّتهم تجاه الغرباء، وبفضل الطبيعة الخلابة التي حباها بها الله أن تجعل من نفسها مركزاً سياحياً قبل أي شيء آخر، لا سيما ما يتوفر لديها من الأمن واختلاف الطبيعة ما بين شواطئها وجبالها وتعدد مراكز الترفيه الموجهة إلى جميع أفراد العائلة، إذ يمكن، مثلاً، ممارسة كافة أنواع الرياضة المائية بالإضافة إلى رياضة الغولف، بالإضافة إلى توافر الفنادق بكافة درجاتها، والشقق المفروشة، إلى جانب انتشار الحدائق العامة. لكن أهم ما يجذب السياح إلى قبرص هو في نظر الزائر، طبيعة شعبها، وحسن ضيافتهم واستقبالهم للزوار، وخاصة الزوار العرب الذين يشتركون مع الشعب القبرصي في طبيعة التفكير، والتراث والتاريخ. فقبرص تقع في شرقي البحر الأبيض المتوسط، وهي بمثابة بوابة تربط دول الشرق الأوسط مع أوروبا. قبرص وأوربا وقال فيلاكتيديس ل"الحياة": لدينا علاقات تقليدية ممتازة مع جيراننا العرب. ونأمل في العام 2003 أن تصبح قبرص عضواً في الاتحاد الأوروبي، وهذا يعني أنها ستصبح أقرب دولة أوروبية إلى الدول العربية وموقعها المميز هذا سيجعلها بوابة للدول العربية إلى السوق الأوروبية المشتركة، علماً أن عدد سكان أوروبا سيناهز حينها 450 مليوناً عامذاك. ولكن ما هي استعدادات قبرص، وما هي قدراتها على الحضور والتصرف والمواجهة الإقتصادية لدى دخولها الاتحاد الأوروبي؟ فمقارنة مع الدول الأوروبية الكبرى قبرص بلد صغير، وقد تدفع الثمن من استقرارها الإجتماعي مستقبلاً. اجاب: "هذا صحيح فقبرص بلد صغير فعلاً، لكننا لسنا أصغر هذه الدول، فلوكسمبورغ أصغر من قبرص. عملنا جاهدين للإنضمام إلى الاتحاد الأوروبي منذ عام 1986. ونحن منذ ذلك الوقت نهيئ أنفسنا، فجميع القطاعات الاقتصادية والانتاجية والثقافية يعمل جاهداً للاستعداد للإنضمام إلى الاتحاد الأوروبي. واعتقد أنه بحلول العام 2003 ستكون قبرص جاهزة من الناحية التشريعية والعمرانية. طبعاً، دخول الاتحاد لا يعني فقط الفرص المتاحة بل أيضاً هناك بعض المخاطر". ولعل القبارصة الذين يطمحون بدور يلعبونه في أوروبا، يطمحون أيضاً بلعب دور يتعلق بالثقافة في المنطقة العربية والشرق الأوسط. فقد استضافت قبرص، إلى جانب السياح العرب، الطلاب الذين يدرسون في المعاهد القبرصية والأميركية القائمة في الجزيرة ك"الانتر كوليج" و"سايبروس كوليج"، و"فريدريك كوليج" فضلاً عن الأكاديميات الأميركية والإنكليزية، واللبنانيةوالقبرصية والإيطالية والليبية الخاصة المتوسطة والثانوية. ولا بد من الإشارة إلى أن اعداد الزوار العرب لا تشمل الطلاب الذين يتابعون تحصيلهم الدراسي في مدارس وكليات قبرص، والذين يقضون فصل الصيف في قبرص، ولا المقيمين من جنسيات مختلفة في شكل دائم في قبرص، ولا الذين يأتون للعلاج وشهدت الجزيرة انعقاد مؤتمرات كثيرة تتعلق بالسياحة والثقافة والاقتصاد والسياسة على مستوى عربي وشرق أوسطي. وإذا كانت السبعينات والثمانينات شهدت حضور جالية عربية لبنانية وفلسطينية وعراقية ومصرية وليبية، بمئات الآلاف، لا سيما في أعقاب الحرب الأهلية اللبنانية أولاً، ومن ثم إثر طرد المقاومة الفلسطينية من لبنان على أيدي الإسرائيليين، فإن التسعينات شهدت نشاطاً ثقافياً إيرانياً دولياً في الجزيرة تمثل في المؤتمرات التي نظمها "المركز الدولي للحوار" الذي يستقر في قبرص وتديره شخصية إيرانية تدعى حسن الخاني. وكان مما قام به هذا المركز تنظيم لقاءات لحوار الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام. القبارصة من جهتهم يسهلون مثل هذه النشاطات، ويرحبون في تحويل قبرص إلى مركز للحوار، وأرض للسلام بين جميع الأطراف. وبالتالي فهي تعتبر اليوم مركزاً مهماً لعقد المؤتمرات والاجتماعات الدولية، ويتم، عملياً عقد عدد كبير من هذه المؤتمرات في قبرص كل عام، لا سيما أن الفنادق الفخمة المجهزة بأفضل التجهيزات المتعلقة بالمؤتمرات موجودة في كل المدن القبرصية. وتترقب قبرص العملية السلمية بين العرب وإسرائيل لأن ما يقع على الجبهة السياسية ستكون له انعكاساته على مستقبل الجزيرة وأهلها. واكد المسؤلون في "المنظمة السياحية القبرصية" ان النشاط السياحي القبرصي سيستفيد من السلام كثيراً. واشار هؤلاء المسؤولون الى انهم لا يخافون المنافسة المحتملة لدول سياحية عريقة مجاورة،شبه غائبة حالياً عن "السوق" اليوم بسبب الظروف السياسية والأمنية التي يفرضها الصراع مع إسرائيل، كسورية ولبنان على وجه التحديد، بل إنهم يعتقدون على العكس من ذلك أنه كلما كانت الأوضاع الأمنية غير مستقرة في الشرق الأوسط كلما تأثرت السياحة في قبرص سلباً. وقال خريستوس موستراس احد العاملين في المنظمة نفسها ان المفهوم الاساسي لتطوير السياحة يقوم على النظر الى المنطقة في صورة شمولية. واضاف أن منطقة الشرق الأوسط منطقة مهمة جداً للسياحة واحدى أهم المناطق في العالم لكونها مهداً للحضارات القديمة ومصدر الأديان السماوية الثلاثة وهي مليئة بالآثار. وتابع يقول: "نحن في قبرص سنكون سعداء برؤية عملية السلام تسير قدماً. وقبرص بموقعها الجغرافي المميز يمكنها وبكل سهولة أن تنضم إلى برنامج السياحة في هذه المنطقة، فالسائح الذي يريد أن يزور أهرامات مصر، يمكنه وخلال ساعة واحدة ان يزور مصر بالطائرة قادماً من قبرص. فيزور بذلك مكاناً مختلفاً تماماً ويتمتع برؤية حضارات مختلفة وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأردن، وسوريا، ولبنان، ففي أقل من ساعة في وسع من يصل إلى قبرص من السياح أن يصل إلى لبنان وشواطئه وآثاره، وإلى سورية وشواطئها وآثارها".