لم يكد يعرض فيلم "متحضرات" للمخرجة اللبنانية رندة الشهال صبّاغ في مهرجان بيروت السينمائي الذي اختتم قبل أيام حتى بادرت مديرية الأمن العام الى منعه مشترطة على المخرجة أن تحذف منه 47 دقيقة كي تسمح لها بعرضه في الصالات. وكان الفيلم حاز جائزة منظمة الأونيسكو في مهرجان البندقية الأخير مناصفة مع فيلم اسرائيلي، ورفضت المخرجة تسلّم الجائزة إيماناً منها بالقضية اللبنانية وتضامناً مع أهل المناطق اللبنانيةالمحتلة. وقرار الأمن العام فاجأ بعض الأوساط الثقافية والفنية في بيروت. وأصدرت المخرجة بياناً أوضحت فيه أبعاد "المنع" ومما قالت: "اتخذت مديرية الأمن العام موقفاً غريباً من فيلمي "متحضرات". فهي تطالب بحذف ما يعادل 47 دقيقة من فيلم تبلغ مدته 90 دقيقة، أي أنها تريد حذف نصف الفيلم أو أكثر بقليل. تتوزع المادة المنوي حذفها على أجزاء الفيلم كافة: كلمات داخل الجملة الواحدة، جمل بكاملها في مشهد، أجزاء من مشاهد، شخصيات برمتها!! ففي لبنان، ممنوع ذكر الطوائف، وممنوع إظهار كيف تبادل "الميليشياويون" القذائف والشتائم. فكأن المئتي ألف ضحية قد سقطوا بفعل تراشق الورود بين عام 1975 و1991. وفي لبنان ممنوع إظهار قناص يصطاد رجل دين. ولعل في ذلك شبهة إهانة لوقار رجال الدين. وفي لبنان ممنوع إظهار الجنس أو التلميح له. لا المقاتل يمكنه أن تخطر له خواطر جنسية حيال امرأة ولا الشذوذ الجنسي موجود. أما أكداس المجلات الفاضحة المبتذلة على أرصفة الشوارع فلا تثير حفيظة رقيب. وفي لبنان ممنوع الإشارة الى أحداث خطف طالت أجانب، حتى لو اختار الفيلم لها نهاية سعيدة. وفي لبنان ممنوع ذكر أي وجود لأفراد من الشعب السوري، وهم عمال تعرضوا للخطف مثلهم مثل سواهم من البشر. باختصار، في لبنان، لم يكن من عنف ولا قنص ولا خطف ولا شتائم ولا تصورات سلبية متبادلة بين الجماعات. أليس لبنان هو الجنة على الأرض؟ أوَليس النسيان كبرى الفضائل؟ ...". الا ان مديرية الامن العام ردت على المخرجة اللبنانية ثبتاً ببعض اللقطات والشتائم والتعابير النابية التي تضمنها الفيلم ومنها: فتاة تداعب عورة فتاة من فوق الثياب، رجل ينشد ترانيم صلاة مسيحية بسخرية، شتائم ومسبات بين مسلحين، يا مصطفى هيدا الفرنساوي تا نخطفه ونبيعه من جمعية أطباء بلا حدود مما يظهر اللبناني بلا أخلاق، رجل يشتم امرأة، رجل يرفس تابوتاً برجله، قناص يقتل رجل دين على الطريق... وأوضحت المديرية انها سمحت بعرض الفيلم في المهرجان السينمائي في بيروت بكامله شرط ان يقتصر الحضور على الاعلاميين والنقاد وليس على الجمهور. أما بالنسبة الى عرض الفيلم على الجمهور ذكر البيان ان السيد زهير رحال شريك السيدة صباغ في انتاج الفيلم تقدم من المديرية بطلب الموافقة وجرت مناقشته في المآخذ المذكورة فأبدى تحفظه عن الاقتطاع لأن ذلك يقصّر مدة الفيلم الى النصف وطلب مهلة لدرس الوضع، ثم اصدر مع شريكته البيان المذكور. وختاماً لفت البيان الى انه يهم المديرية العامة للامن العام ان تؤكد بأن مشاعر الجمهور من مختلف الاعمار وأدبياته وتقاليده خصوصاً في المجتمع اللبناني وفي القوانين السارية هي اكثر اهمية من النزوات والشتائم والعقد التي يتمحور عليها موضوع الفيلم المذكور.